حوارات

“فاروق أبو عيسى” يجتر الذكريات ويحكي لـ(المجهر) بدايات الدراسة والالتحاق بالعمل السياسي

كنت أعرف"نقد" كطالب شاطر وذكي ودمه خفيف وظريف وبارز

منذ الصف الأول ملت للشيوعيين لأنهم الوحيدون الذين يخاطبون العقل ولكن …!!
كنت سكرتيراً لنقابة المحامين وكانت مركز الثقل في بناء جبهة الهيئات وتنفيذ الإضراب السياسي في ثورة (أكتوبر)
المستعمر لم (يقنع) من البقاء ما لم تكن الحركة الوطنية أقوى منه
حوار – فاطمة مبارك
في إطار الحوارات السياسية والفكرية التي شرعت (المجهر) في إجرائها مع عدد من السياسيين والمفكرين للتعرف على أدوار هذه القيادات وتوثيق التجارب المتعلقة بتاريخ الحركة السياسية في السودان، جلسنا مع القيادي المعروف ورئيس التحالف الوطني المعارض و المحامي “فاروق أبو عيسى” في حوار تناول جزءه الأول النشأة ومراحل الدراسة والانتماءات السياسية والفكرية، بجانب تجارب السلطة والصراعات بين قيادتها، والعلاقة بين الحزب الشيوعي الذي انتمى له وتنظيم الإسلاميين من جهة، وبين الحزب الشيوعي ونظام مايو من جهة أخرى.. فيما ستتناول محاور الجزء الثاني تجربة التجمع الوطني الديمقراطي والتحالف الوطني المعارض الحالي.. وقد قدم المحامي إفادات وافية عن التجارب الشخصية والعامة.. فإلى التفاصيل..

{ بداية عرفنا عنك ومسقط رأسك؟
_ أنا “فاروق مصطفى عمر أبو عيسى”.. والدي كان أحد قادة حزب الأشقاء والحركة الوطنية في ود مدني، ولدت في مدني، وأهل “أبو عيسى” كلهم في ود مدني.
{ متى انتقلت الأسرة إلى أم درمان؟
_ والدي وإخوتي انتقلوا من مدني إلى أم درمان سنة 1948 وهذه نفس السنة التي تأهبت فيها لدخول مدرسة “حنتوب” الثانوية سنة 1949 دخلتها “حنتوب” منتقلاً من مدرسة “مدني الأميرية” الحكومية.
{ بمن التقيت في “حنتوب” من القيادات السياسية؟
_ التقيتهم كلهم، نحن في الصف الأول.. في الصف الثاني كانت هناك دفعة كاملة على رأسهم دكتور “حسن الترابي” رحمة الله عليه و”إبراهيم منعم منصور” و”عبد الله زكريا”.
{ وأين كان “نقد”؟
_ في الصف الثالث كان يدرس “محمد إبراهيم نقد” و”خلف الله الرشيد” رئيس القضاء الأسبق- رحمه الله.. في الصف الرابع كان “نميري” ودفعته، كنت مع “نميري” في “حنتوب” لمدة عام هو كان رئيس داخلية “ضيف الله” ونحن كنا في داخلية “أبو الكيلك”.
{ مع من القيادات كانت تربطك علاقة قوية؟
_ أنا منذ الصف الأول ملت أكثر للشيوعيين لأنهم الوحيدون الذين يخاطبون العقل.
{ بمن تأثرت في انتماءاتك السياسية والفكرية؟
_ نحن كنا جزءاً من حركة الطلبة التي كانت تطالب باتحاد طلاب، لما رفضوا لنا قيام اتحاد الطلاب قيادة الحزب الشيوعي قالت نعمل مؤتمر سري بديل للطلاب سمي مؤتمر الطلاب (م.ط).
{ ما هي الأنشطة التي كان يقوم بها هذا المؤتمر؟
_ فيه يتدرب الطلاب الملتحقون به على وسائل العمل الشيوعي وكان كل واحد عنده اسم حركي للتأمين، واجتماعاتنا كانت سرية.. كنا نعمل محاضر بورق صغير ونحفظه من غير أن نعطي فرصة لأجهزة الدولة لمعرفة ذلك وكنا نقوم بالتجنيد للمؤتمر.
{ كيف؟
_ كل واحد منا كان يقوم بتجنيد صاحبه وجاره وأنا ارتبطت بمؤتمر الطلبة (م.ط) ومشيت فيه بسرعة وحتى نهاية الصف الثالث وتبقى لي الصف الرابع حتى نجلس لشهادة “كامبردج”، سستم التعليم ما عندهم شهادة سودانية، كنا نجلس لشهادة “كامبردج” أو “أكسفورد”.. المعترف بها ولها حماس من الإدارة السودانية هي “كامبردج” فجلسنا لها.
{ ماذا حدث بعد ذلك؟
_ في أكتوبر 1952 الحكومة المصرية ألغت معاهدة 1936 التي كانت تعطي نوعاً من السيادة المصرية على السودان، وكان ذلك انتصاراً للشعب السوداني في نضاله لتقرير المصير، وحركة الطلبة أسست نفسها، داخل المؤتمر السوداني أصبحنا مرتبطين بالحركة الوطنية في ود مدني ناس مؤتمر الخرجين وحزب الأشقاء كانوا يقيمون تظاهرات وكرنفالات وليالي سياسية احتفالاً بإلغاء معاهدة 1936 ونحن احتفلنا كذلك في “حنتوب”.
{ كيف كانت ردة فعل الإدارة البريطانية؟
_ كانت ردة الفعل من الإدارة البريطانية فصلنا من مدرسة “حنتوب” وكان العدد كبيراً من كل المراحل.
{ هل كل الذين اعتقلوا كانوا ينتمون إلى اليسار؟
_ مؤتمر الطلاب كان كله من اليسار، وبالعكس الإخوان المسلمون تكونوا بعد ذلك لمواجهة حركة الطلبة التي نمت ومتهمة بأنها يسارية، لذلك الاستعمار البريطاني عمل على مساعدة المجموعات الإسلامية وسط الطلبة حتى يشكلوا تنظيم الإخوان المسلمين، وفعلاً تم تشكيله وكان بمثابة ترياق لحركة اليسار.
{ ماذا كانوا يفعلون لكم؟
_ كنا لما نعمل تظاهرة في ود مدني يعترضون.. لما نعمل إضراب عن الطعام أو أي مطلب من المطالب الطلابية كانوا يعرقلون ذلك وأغلبهم كانوا أولاد الموظفين الكبار في الدولة السودانية والإدارة الأهلية، فكانوا يخافون من أهلهم ومن الإدارة البريطانية في المدرسة، لكن نحن كانت ارتباطاتنا الوطنية قوية وكنا مرتبطين أكثر بالأحزاب الاتحادية.
{ لما جاء الاستقلال بأي المراحل كنت تدرس؟
_ لما جاء الاستقلال أنا أكملت الثانوي وجلست لشهادة “كامبردج” وقبلت في الجامعة وأنا كانت رغبتي دراسة الحقوق، وفي زمننا كانوا يقبلون من (10- 12) طالباً فقط، ويقبلون سنة وسنة لا يكون هناك قبول للحقوق، وفي سنتنا ما كان في حقوق وقبلنا في الآداب، لكن أنا درست الحقوق في مصر.
{ يعني ما شاركت في الاستقلال؟
_ شاركت، والدي كان أحد زعماء مؤتمر الخريجين وبيتنا كله ختمية والختمية كلهم كانوا مرتبطين بالحركة الوطنية، ونحن جزء منها، كان منا من يسبحون وبعضنا يأخذ مراكب المزارعين ونعبر بالنيل الأزرق نمشي ود مدني للمشاركة في الليالي السياسية والتظاهرات ونرجع في المساء.
{ قيل إن المستعمر أصلاً كان يريد الخروج؟
_لا، ما قنعوا، الاستعمار ما بقنع ما لم الحركة الوطنية تقوى عليه، والحركة الوطنية عندها اشتد عودها واتحدت، لأنه كان هناك مدرستان، مدرسة الاتحاديين وكانت تمضي في اتجاه العلاقات مع مصر ومدرسة الاستقلاليين (ناس حزب الأمة والأنصار) وهؤلاء كانوا مرتبطين ببريطانيا العظمى، لما عمل حكم ذاتي حدث ائتلاف بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي، وكانت هناك أحزاب كثيرة اتحدت وبدل انتظار الاستفتاء الذي يجيب عن سؤال هل نعمل وحدة مع مصر أم استقلال كامل السودان للسودانيين؟ اتفقت الحركة الوطنية بجناحيها الكبيرين الاتحادي والأمة من داخل البرلمان.
{ قيل هناك علاقة كانت تربط حزب الأمة والاتحادي بالإنجليز.. ما مدى صحة ذلك؟
_ يقال حزب الأمة مرتبط بالإنجليز، وكان يدعو أكثر للتعاون معهم، الاتحاديون ضد الإنجليز ومع مصر ويدعون إلى مزيد من العلاقة لكن…
{ يعني الأحزاب لعبت دوراً في الاستقلال؟
_ الأحزاب لعبت دوراً في مقاومة الاستعمار ومشاريعه.
{ أي مشاريع؟
الاستعمار كانت لديه مشاريع كثيرة، في فترة فرضوا على الناس حاجة اسمها المجلس الاستشاري، يقومون بتعيين زعماء القبائل وكبار رجال الإدارة الأهلية وكبار موظفي الدولة في المعاش. الحركة الوطنية للحركة الاتحادية وقتها قاطعت هذه المشاريع وفيما بعد الإنجليز طوروا المجلس الاستشاري إلى الجمعية التشريعية ليغروا الناس للمشاركة.
{ أنت كنت أقرب إلى من؟
_ أنا أهلي كلهم اتحاديون، ونحن كنا ضد الاستعمار الإنجليزي.. هاتان كانتا القوتين الرئيسيتين، ونبعت قوة اليسار في شكل نقابات كنقابات العمال والسكة الحديد، كانوا يقومون بعمل إضرابات وطنية ضد المستعمر ومشاريعه وتم اعتقال كثيرين، أغلبهم يساريون أمثال “قاسم أمين” و”الشفيع”، هذا بجانب وجود نقابات المهنيين والمحامين والأطباء، وكان المزاج العام لديهم يسارياً، والذي أشرف على تكوينها هو الحزب الشيوعي.
{ هل كنت حينها على معرفة بـ”نقد”؟
_ كنت أعرفه كطالب شاطر وذكي ودمه خفيف وظريف وبارز جداً، هو كان في الصف الثالث ونحن في الصف الأول بمدرسة “حنتوب” وكان عنده صديق رئيس لداخليتنا اسمه “عبد الله أبو عاقلة أبو سن” وكان يأتي إليه وأنا عرفت “نقد” هناك.
النضال ضد الاستعمار أنا دوري كان فيه بسيط ضمن حركة الطلبة مع زملائي الطلاب كحليف للحركة الوطنية.
{ لعبت دوراً في ثورة أكتوبر احكِ لنا عن هذه الثورة؟
_ أنا كنت سكرتيراً لنقابة المحامين التي كانت مركز الثقل في بناء جبهة الهيئات وتنفيذ الإضراب السياسي مع الآخرين.
{ الناس يقولون إن أكتوبر سببها ندوة “الترابي” بجامعة الخرطوم؟
_ هذا غير صحيح، والإسلاميون يدعون أنهم أصحاب الدور في أكتوبر.
{ أليس لهم دور؟
_ عندهم دور بسيط مثلهم مثل بقية الطلبة لكن عايزين يكتسبوا دور مميز من خلال ندوة “الترابي”.. يعني ينطبق عليهم المثل القائل (قام من نومو ولقى كومو، جاء من باريس ناسب “آل المهدي” وعمل الندوة والثورة قامت في ثورة بتقوم كدا؟).. الثورة تأتي نتيجة لتراكم تضحيات ونضالات يدخل فيها الناس المعتقلات وأناس يعدمون، وهذا حصل في تاريخ الحركة الوطنية السودانية، هناك عملية طويلة، أكتوبر شغلت كل الشعب السوداني.
{ ماذا عن ثورة 17 نوفمبر؟
_ لما أتت 17 نوفمبر وجاء بيان الفريق “عبود” زعيما الاتحاديين والأنصار أيدا الانقلاب لكن بعد فترة بدآ يعارضانه لما اتضح أن سياساته مدمرة للسودان، وكانت تمضي في اتجاه أن تفقد السودان قيمة الاستقلال السياسي وتربطه نهائياً بالمعسكر الاستعماري الغربي، لكن في مسار النضال ضد نظام “عبود” نحن في الحزب الشيوعي من حقنا أن نتحدث عن أننا الحزب الرئيسي الذي لعب دوراً في مقاومة هذا النظام والتضحيات من خلال اعتقال قياداته وتقديمه لبعض الشهداء وتكوين مؤسسات نقابية للشباب والطلاب والمرأة لكل السودان، وهذه كانت وسيلة اليسار في مقاومة النظام.
{ ……………………..؟
_ الحزب الشيوعي هو الذي دعا أن تكون وسيلتنا لإسقاط نظام “عبود” النضال السياسي والذي يُضرب هي النقابات وليس الأحزاب جهاز الدولة الذي يضرب لازم يكون مرتبطاً بوظيفة، وهؤلاء كلهم كانوا في نقابات مهنيين (أطباء ومهندسون وصيدلانيون)، لكن الحزبي القاعد في ود مدني أو الجزيرة أبا لا يضرب، وإذا أضرب إضرابه ليس له قيمة، فالوسيلة كانت من ابتكار الحزب الشيوعي هي الإضراب السياسي الذي قاد تنفيذ النقابات التي كانت تحت تأثير الحزب الشيوعي، لذلك الحزب الشيوعي لم يختطف شيئاً، النقابات أساساً كانت من أعمال الحزب الشيوعي وقياداتها دخلت المعتقلات لسنين طويلة، وهناك شهداء في عطبرة، ونقابات السكة الحديد قدمت شهداء في حراكها، والمزارعون كونوا اتحادات في مناطق عديدة.
{ قيل إن حزبكم احتوى ما يسمى جبهة الهيئات؟
_ بالعكس، توازن القوى كان حقيقياً في ساعتها لما كان ليس بمقدور أحد أن يدعي ما ليس له، جبهة الهيئات أخذت (8) وزراء، وكان مشرفاً على التشكيل الوزاري الجيش، لأن طلائع الجيش انحازوا وتبعهم الكبار مضطرين وضغطوا على الفريق “عبود” ليتنازل، فتنازل.
{ من الذي أعطى جبهة الهيئات هذه النسبة؟
_ توازن القوى أعطى جبهة الهيئات (8) وزراء، وأعطى الأحزاب كلها (5) وزراء، كل حزب وزير واحد، وأعطوهم عن طيب خاطر لأن هذا كان توازن القوى لا جيش ولا زعيم سياسي يستطيع الوقوف ضد هذا التوازن.
{ إذن أنتم لم تخطفوها؟
_ هم الذين خطفوها، لكن أسهموا، أنا لا أستطيع أن أقول لم يسهموا.
{ دعمتم نظام “نميري” وكنت أحد وزرائه؟
_ أنا كنت وزير خارجية في السنة الأولى لحكم “نميري”.. كان تحالفاً.

{ قيل مشاركتكم في (مايو) كانت ردة فعل لطردكم من البرلمان؟
_ مش بالطريقة الميكانيكية دي لكن فعلاً طرد الحزب الشيوعي عمل (قصة) في حركة اليسار. اليساريون لم يكونوا راضين عن الإجراء الذي قام بتنفيذه “إسماعيل الأزهري” و”الصادق المهدي” وكانا الحزبين الرئيسين الشركاء في البرلمان، والذي نفذ هذا الشغل هو “حسن الترابي” من الإخوان المسلمين وهو تحالف ثلاثي، وهذه كانت هزيمة للديمقراطية، لأنه تم طرد نواب أتوا عن طريق الانتخاب، بعد ذلك الحزب الشيوعي رفع القضية للقضاء وكسبها.. الذي نظر في القضية قال إن طردهم غير دستوري وأمر بإرجاعهم.
{ من الذي رفض؟
_ “الصادق” رئيس الحكومة رفض وحتى يصل للنتيجة التي يريدها قال قرار المحكمة قرار تقريري وهذا قرار حقيقي، وإذا القرار كان خطأ لا يستطيع أحد إلزامي لتصحيحه بالطريقة التي يريدها، هذا كان منطقه هو ورئيس مجلس السيادة “إسماعيل الأزهري”، الاثنان كانا متفقين مع بعضهما، والذي فلسف المسألة من ناحية قانونية كان “حسن الترابي”.. هذا ترك أثراً وبشكل خاص في الجيش صغار الضباط كانوا زعلانين من هذا التصرف.. وهناك عنصر آخر.
{ ما هو؟
_ في مصر ظهر “جمال عبد الناصر” والقومية العربية أصبح عندها أتباع في الجيش واسم (ضباط أحرار) كان اسم مصريين وناس “جمال” أصبحت كل مجموعة من الشباب في بلد عربي تحذو حذوهم وتشكل في الجيش كتلة من الشباب اليساريين يسمونها (الضباط الأحرار) و”نميري” واحد منهم، وأغلبهم قوميون عرب وشيوعيون.. العاملين هذا التنظيم قرروا إنهاء حكم العسكر وإرجاع الديمقراطية لأنهم رأوا أن الطريقة التي طرد بها نواب الحزب الشيوعي عملية غير قانونية وغير دستورية، ونتيجة ذلك قرر عمل الانقلاب.
{ كنتم على علم بالانقلاب؟
_ يعني، كان هناك ضباط شيوعيون وكانوا شركاء للقوميين العرب داخل تنظيم الضباط الأحرار.. كانوا على علم.
{ إنت كنت عارف الإنقلاب؟
_ نعم، وكان الذين يعملون في الجيش “عبد الخالق محجوب” وآخرون من الشيوعيين كانوا متابعين هذه المسألة، لكن ضباط الحزب الشيوعي في الحركة لم يكونوا مع الانقلاب في وقتها، كانوا يريدون تأخير التوقيت لوقت آخر.
{ ما تفسير القوميين لخطوة “عبد الخالق”؟
_ القوميون العرب قالوا “عبد الخالق” أراد تأخيره ليملأ يده أكثر حتى يكون الانقلاب بتاع الحزب الشيوعي.. هكذا يقال.
{ ما تفسيرك أنت؟
_ أنا لم أجد تفسيراً، ولم أكن راضياً عن تفسير “عبد الخالق” عندي تفسيري الخاص سأحتفظ به لنفسي.
{…………………………؟
_ في النهاية اتفقوا، القوميون العرب قرروا الخروج وبلغوا الحزب الشيوعي، والشيوعي لما نفذ الأمر أتوا بشخص له علاقات طيبة مع الشيوعيين هو “بابكر عوض الله”، رجل محترم، كان رئيساً للقضاء واستقال من منصبه احتجاجاً على موقف الحكومة من حكم المحكمة لأن طرد النواب كان عملاً غير دستوري.
{ ونفذت الانقلاب؟
_ الذين نفذوه هم القوميون العرب، اختاروا “نميري” رئيساً لهم وإن كان “نميري” صديقاً للشيوعيين.
{ كيف كانت علاقتك بـ”نميري”؟
_ علاقتي بـ”نميري” كانت قوية جداً كنا الاثنين من مدني وهو صديق أخي الأكبر.
{ هو الذي اختارك لوزارة الخارجية أم الحزب؟
_ هم لم يعطوا الحزب فرصة ليختار، وهذه من الأشياء التي أخذها الشيوعيون على الانقلاب الذي فرض عليهم أربعة أسماء لأربعة وزراء لم يخترهم الحزب، أنا و”محجوب عثمان”- رحمة الله عليه- و”جوزيف قرنق” و”موريس سدرا” كان وزير صحة، لهذا السبب الحزب الشيوعي كان متردداً في المشاركة والأسماء أذيعت في السادسة صباحاً ونحن سمعناها في الراديو.
{ كيف تصرف الحزب؟
_ الحزب عمل على إخفائنا وربط مشاركتنا في الحكومة باجتماع اللجنة المركزية لتقرر هل نشارك أم لا، وفعلاً اختفينا الأربعة حتى انعقاد اللجنة المركزية حتى قررت اللجنة المشاركة برغم تحفظاتهم على تعيين منسوبي الحزب من غير استشارته، وهذه عملت أزمة لـ”عبد الخالق” لأنه كان يريد التحكم في تعيين وزراء الشيوعي.
{ ما تقييمك لمشاركتك في وزارة الخارجية؟
_ أنا لم أعين في البداية وزير خارجية، وكان مؤثراً في تعييني “بابكر عوض الله”، هو رئيس القضاء، مثلما كانت لديّ علاقة مع رئيس القضاء الذي سبقه كمحامٍ ناجح.
{ ما هو المنصب الذي شغلته في البداية؟
_ كنت وزير شؤون الرئاسة في مجلس الوزراء، “بابكر” كان يريدني لأكون بجانبه باعتبار أنني محامٍ شاطر يمكن أن يعتمد عليه حتى أساعده في عمله، كنت وزير شؤون رئاسة مجلس وزراء، “نميري” كان يريد أن يعينني وزير رئاسة القصر، وكانت هناك مقاومة من القوميين العرب، أنا ابتعدت في ذلك الوقت، بدأت الخناقات مع الحزب الشيوعي بطرد “بابكر النور”- رحمة الله عليه- و”هاشم العطا” من مجلس قيادة الثورة.
{ كيف بدأت هذه الخناقات؟
_ أعتقد الانقسامات الموجودة في الحزب الشيوعي ساعدت على تغذيتها مجموعة ناس “أحمد سليمان” كانت تغذي الخلاف بين مجموعة “عبد الخالق” و”نميري” وهذه قصة طويلة، انحازوا نهائياً لمجموعة القوميين العرب، أنا نتيجة لـ(لخبطة) حصلت ذهبت مع ناس “أحمد سليمان” لفترة قصيرة لم تستمر اسبوعين أو ثلاثة.
{ لماذا قررت مفارقة مجموعة “أحمد سليمان”؟
_ اكتشفت بسرعة انهم متخلون عن الحزب الشيوعي ومنحازون كلياً لجماعة القوميين العرب، وأنا لم أكن كذلك، أنا كنت حريصاً أن أكون شيوعياً ومرتبطاً بالحزب، لذلك بسرعة جمدت علاقتي معهم.
{ ألم يحاول “نميري” إرجاعك؟
_ أنا بسرعة اكتشفت الخطأ ورجعت واستعدت علاقاتي الطيبة بمجموعة “عبد الخالق” ولعب فيها دور “نقد” لأنه كان يعرفني.
{ هل تأثرت علاقتك بـ”نميري”؟
_ علاقتي بـ”نميري” كانت كويسة، عنده ثقة فيّ رغم أن ناس “أحمد سليمان” حاولوا توتير العلاقة لكن فشلوا، كان يتأثر تأثيرات مؤقتة ويرجع.
{ كيف أصبحت وزيراً للخارجية؟
_ الخارجية كانت معطلة و”بابكر” كان يكلفني بمهام خارجية كانوا يستعينون بي كوزير دولة في الخارجية وإدارة وزارة الخارجية عملت توصية قالت هذا الشخص يمثل السودان ويذهب بصفته وزير شؤون رئاسة، وهذا يقلل من قيمته يجلس مع وزراء ووزراء دولة في الخارجية لازم يأخذ منصب وزير خارجية، فعملوا التوليفة أن أصبح وزيراً لرئاسة الدولة لشؤون الخارجية، وفعلاً “نميري” يوم نحن في القصر في استقبال سفير قال لي: “فاروق” أنا غلبتني عينتك وزير خارجية، وقال لـ”منير حمد”: أعمل بيان قول الرئيس عين “فاروق”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية