(43) يحملون هذه الحقيبة الصغيرة ومهامهم يفصّلها الوزير الأول
وزراء سابقون يسجلون اعترافات.. و"بناني" يصفهم بالأحياء الأموات تنفيذياً
وزراء الدولة.. ظهور في كشوفات التعيين ثم اختفاء حتى حين
تقرير ـ هبة محمود سعيد
على الرغم من أعدادهم الكبيرة داخل التشكيل الوزاري الأخير في (مايو) من العام الماضي، إذ بلغوا (43) وزير دولة مقابل (31) وزيراً اتحادياً، إلا أن السؤال حول طبيعة مهامهم وأنشطتهم ومدى توافقها مع ذلك العدد يصبح الأكثر إلحاحاً، سيما أن البعض منهم إن لم يكن غالبيتهم يعد (مجهولاً) لدى المواطنين، في الوقت الذي برزت فيه قلة منهم لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة على مشهد المهام ووضع الخطط وتنفيذ العمل السياسي داخل الوزارة المعنية، أبرزهم “عبد الرحمن ضرار” (المالية)، “ياسر يوسف” (الإعلام)، “بابكر دقنة” (الداخلية) و”تابيتا بطرس شوكاي” (الموارد المائية والري والكهرباء).
ظل منصب وزير الدولة لدى البعض (مستحدثاً خالياً من الصلاحيات) و(وزراء بلا وزارات)، (منصباً) اقتضته (ترضيات) العمل السياسي و(استوجبه) توسيع مشاركة الأحزاب داخل التشكيل الحكومي في ظل حكومة الحوار الوطني، ومن قبلها الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة والحركات المعارضة، فيما يرى آخرون (ضرورة) المنصب (لأهميته) حيث ينوب وزير الدولة عن الوزير (الاتحادي) في المهام وتسيير العمل ببعض الصلاحيات ودون تقاطعات.
وبين هذا وذاك يتأرجح السؤال بين جدلية (ترضيات المنصب) أو توسيع المشاركة الحزبية داخل الحكومة كما يحلو للبعض وصفه، وبين (الأهمية) الداعية لوزراء الدولة داخل الوزارات، ومدى تأثيرهم على المشهد السياسي والاقتصادي وماذا يفعلون، سيما أن الغالبية منهم يغيبون عن المشهد التنفيذي ويختفون بخبر إعلان التشكيل الوزاري لتعود أسماؤهم مرة أخرى إلى حيز الإشهار عند أول تعديل، فيصبحون وزراء دولة سابقين دون أن يعرفهم الرأي العام.
{ جدل الصلاحيات والجدوى
لم يكن لأحد أن يتوقع والفريق أول ركن “بكري حسن صالح” النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء القومي يعلن مساء الخميس 11/ 5/ 2017 في مؤتمر صحفي بالقصر الجمهوري، وزراء حكومة الوفاق الوطني أن القائمة ستضم ذلك العدد من وزراء الدولة فاق وزراء (الحقائب الوزارية)، لكن ما أن انفض المؤتمر الصحفي حتى أرجع الخبراء والمراقبون السياسيون الأمر إلى ضرورة وحتمية المنصب لتوسيع دائرة المشاركة الحزبية في ظل الحوار الوطني الذي تشهده البلاد، سيما أن الجميع يعلم أن صلاحيات وزير الدولة لا تخول له التصرف إلا عقب الرجوع إلى الوزير المركزي، وذلك في أعقاب تجريده من الصلاحيات بنص دستور “نيفاشا” (2005) عقب واقعة إلغاء وزير اتحادي قراراً لوزير دولة، إلا أن المحكمة الدستورية قامت وقتها بإلغاء قرار الوزير المركزي على اعتبار أنه لا يستطيع إلغاء قرار لوزير آخر يحمل نفس صلاحياته الدستورية، حيث كان وزير الدولة بنص دستور 1998 وزيراً كامل الصلاحيات، الأمر الذي قال عنه البعض إن الحكومة قامت باستدراك الأمر على خلفية الواقعة في دستور “نيفاشا”.
وفي هذا السياق، يؤكد المحلل والخبير السياسي المعروف د. “حسن الساعوري” لـ(المجهر) أن تعيين وزراء الدولة عملية (ترضية) بنسبة (100%) وتعمل على إرهاق الخزينة العامة على حد تعبيره، موضحاً أن قرار تعيين وزير الدولة لا تصدر معه أي مهام أو اختصاصات، لافتاً إلى أنه يتقاسم العمل بينه والوزير الأساسي، وقال: (الحكومة في السابق كانت ماشة بـ19 وزيراً فقط)، واستطرد: (ما علينا هي ترضيات على حساب المصلحة الوطنية، والحكومة قد تنظر إلى أنها استطاعت جمع الأحزاب في حكومة واحدة، لكنها أي- الحكومة- لم تغير بعد سياستها، وبما أن السياسة لم تتغير فإن هؤلاء لن يفيدوا شيئاً).
{ وزيرا دولة و(تلاتة) في وزارة واحدة
بعض الوزارات حوت داخل ردهاتها إلى جانب مكتب الوزير الاتحادي أو المركزي، مكاتب ثلاثة وزراء دولة، مثل رئاسة مجلس الوزراء التي ضمت كلاً من الوزير “جمال محمود مرحوم، طارق توفيق محمد وعثمان أحمد فضل واش”، فيما ضمت وزارات أخرى وزيري دولة فقط، كوزارة الخارجية التي يشغل كل من السفير “عطا المنان بخيت” و”حامد ممتاز” منصبي وزيري دولة، ثم ديوان الحكم الاتحادي الذي يضم وزراء الدولة “أبو القاسم إمام، ولواء ركن معاش عمران يحيى يونس)، تليه وزارة المالية وبها “عبد الرحمن ضرار، ومجدي حسن محمد يس”، وأيضاً الزراعة والغابات ويمثلها المهندس “الصادق فضل الله صباح الخير، وصبري الضو بخيت أحمد)، وكذا وزارة الطرق والجسور التي ضمت كلاً من مهندس “حامد محمود وكيل، ومهندس إبراهيم يوسف محمد عبد الله بنج”، وفي التعاون الدولي نجد “سمية أكد، وحسين يوسف إبراهيم الهندي”.. أما وزارة الثقافة فبها كل من “مصطفى تيراب، وحسب الرسول أحمد الشيخ بدر”، وبالارشاد والأوقاف يمثل “نزار الجيلي المكاشفي، وأحمد عبد الجليل النذير الكاروري) منصبي وزيري دولة بالوزارة، وتتبعها وزارة العمل والإصلاح الإداري التي بها “د. خالد حسن إبراهيم، ود. آمنة ضرار”.. وأخيراً وزارة تنمية الموارد البشرية التي يشغل بها منصب وزيري الدولة كل من “الطاهر عبد الرحمن بحر الدين، وسراج الدين على حامد”.. وهو ما علق عليه الخبير الاقتصادي “عبد الله الرمادي” في حديثه لـ(المجهر) بـ(أس الداء)، في إشارة منه إلى الترهل في الإنفاق الحكومي، مؤكداً على عدم حاجتنا إلى وزراء الدولة، لافتاً إلى أنها مهنة أوجدت للبعض على حد وصفه، وقال: (ما يلزمنا في هذه المرحلة إدارة اقتصاد “الشدة”.. نحن نطالب بحكومة رشيدة لخفض هذا الترهل، وهذا العدد من وزراء الدولة أحد الأسباب التي قادت لرفع الدعم لتوفير نفقاتهم)، وزاد: (نحن لا حاجة لنا بوزراء دولة، هي وزارات أوجدت للبعض.. السودان في السابق كان به وزير ووكيل وزارة، ولكن تم استحداث هذه العملية لأجل ترضيات وتقاسم السلطة مع الحزب الحاكم)، وتساءل: (من الذي ينفق على هؤلاء؟ كل واحد فيهم عربات وسكرتارية.. هذا ترهل فائق.. ينبغي أخذ الأمور بجدية وقد وصلنا حافة الانهيار، لابد من ربط الأحزمة وعلينا أن نختار حكومة تكنوقراط من 20 فرداً فقط، تكون حكومة رشيقة ونستغني عن وزراء الدولة).
{ “كرمنو” يترافع عن أهمية المنصب
في الوقت الذي يصف فيه الكثيرون منصب وزير الدولة بـ(خالي المهام)، دافع بالمقابل القيادي بالمؤتمر الوطني ووزير الدولة السابق “أحمد كرمنو” مؤكداً أن السياسة يجب أن لا ينظر لها من جانب واحد، فيما أشار إلى أن الوزير ووزير الدولة تكمن مهمتهما في وضع السياسات والمتابعة. واستنكر في السياق ربط عمل وزير الدولة بظهوره في وسائل الإعلام، لافتاً إلى وجود وزراء يعملون دون أن يكون حديثهم معلناً في الفضاء، ونفى في الوقت ذاته أن يكون أمر التعيين مرتبطاً بترضيات، مؤكداً أنها مشاركة في الحكومة لأجل الاستقرار السياسي، وقال: (صحيح قد يصدف أن يأتي حزب بشخص أقل كفاءة أو أقل حركة، وهذا يتوقف على كاريزما الوزير وما إذا كان يستطيع أن يفرض نفسه أو لا، لكن قصة ترضيات ما صحيحة).
وعن تجربته حيث عرف عنه قوته واستخدامه لصلاحياته، أكد “كرمنو” أنه أثناء عمله وزير دولة لأربع وزارات، فقد شغل منصب وزير دولة في كل من (مجلس الوزراء، الموارد البشرية والعمل، التعاون الدولي والعمل والإصلاح الإداري)، منح صلاحيات واسعة جداً، لافتاً إلى أنه كان مسؤولاً عن ملفات مهمة جداً وقتها، مثل ملف الولايات، تنمية الجنوب، الإشراف على قيام الدورة المدرسية، ملف نقل السودانيين من ليبيا، الإشراف على دار الوثائق السودانية، الإشراف على ملف المغتربين، وقال: (هذه كلها كانت ملفات كبيرة جداً وضخمة أشرفت عليها وأنا وزير دولة، كذلك عندما أتيت وزارة التعاون الدولي أشرفت أيضاً على عدد من المؤسسات والاتفاقيات المبرمة مع الدول، وعندما ذهبت إلى وزارة العمل كنت مفوضاً في كثير من المجالات، واستطرد: (أنا الحقيقة اشتغلت وزير دولة مع اثنين من الوزراء “لوكا بيونق” في الحركة الشعبية و”إشراقة سيد” في الاتحادي الديمقراطي لكن كانت لديّ صلاحيات كبيرة وواسعة جداً، وبالتالي أعتقد أن مهمة وزير الدولة ليست ترضيات ولكنه يحتاج إلى تقوية لأنها متروكة لما يمنح له من سلطات من قبل الوزير الاتحادي)، وأضاف: (وزراء الدولة مهمون جداً في الوزارات، وأهميتهم تكمن في أنهم مساعدون للوزراء).
{ “بناني”: وزراء الدولة كلهم أموات ولكنهم يأكلون ويتمتعون
وفيما دافع وزير الدولة السابق “أحمد كرمنو” عن منصب وزير الدولة، انتقد في الأثناء القيادي ووزير الدولة السابق بالعدل “أمين بناني” المنصب ووصفه بالظاهرة (الإنقاذية)، مبدياً تخوفه من تحولها إلى (بدعة سياسية)، مؤكداً أن وزير الدولة بموجب دستور “نيفاشا” 2005 أصبح بلا صلاحيات، ولا يعدو عن كونه نائباً للوزير الاتحادي يمارس صلاحياته بتفويض منه، لافتاً إلى أن القصد من هذا المنصب توسيع دائرة المشاركة السياسية واستيعاب أكبر عدد من الأحزاب، وقال: (وزراء الدولة كلهم أموات غير أحياء تنفيذياً لكنهم يأكلون ويتمتعون ومن ورائهم جيش من الناس، وفي ظروف البلد الحالية مثل هذا التوسع معيب وغير مرغوب وفيه كثير من السلبيات لأن معظم وزراء الدولة في بعض الوزارات التابعين للمؤتمر الوطني نفوذهم أقوى من نفوذ وزرائهم في ذات الحكومة.. نحن لا نحتاج لأكثر من 15 وزارة في البلد)، وزاد: (في كل العالم لا توجد مثل هذه الظاهرة وهي سودانية بالدرجة الأولى).
وعن تجربته حين كان وزير دولة قطع “بناني” بأنه كان نافذاً سياسياً وبرلمانياً معروفاً وكان له دور كبير جداً حتى في مجريات العمل السياسي الذي كان، مؤكداً أنها كانت تجربة مفيدة له استطاع أن يمارس خلالها كل صلاحياته كوزير، وعلى الرغم من ذلك أكد تحفظه على قبوله المنصب حينها، مبرراً بأن تلك المنظومة من وزراء الدولة في عهده كان القصد منها تحويلهم لوزراء عقب فترة قصيرة وقد كان، وقال: (أنا لا أحبذ منصب وزير الدولة وأنا في مؤتمر الحوار الأخير وفي التعديلات الدستورية كان موقفي واضحاً جداً من هذه المسألة لاعتقادي أنه غير مطلوب ولا ضروري ولو كان القصد تجويد العمل الإداري في الوزارات فيجب علينا أن نوسع قاعدة الخدمة المدنية بوكلاء وزارات متخصصين، هذا هو العرف السياسي).
{ “عادل عوض”: المنصب ليس تشريفي أو بلا مهام
وفي السياق، أكد وزير الدولة السابق بالرعاية الاجتماعية “عادل عوض سلمان” أن المنصب ليس تشريفياً أو بلا مهام، لافتاً إلى أن وزير الدولة جزء من هيكلة الدولة، وهو وزير حسب الاختصاصات التي تصدر للتعيين، مشيراً إلى شراكته مع الوزير الاتحادي وتقاسمه المسؤولية التضامنية على قيادة الوزارة والعمل التنفيذي فيها، وقال: (وزير الدولة ينوب عن الوزير وهذا ليس معناه أنه بلا مهام أو صلاحيات وتكتمل صلاحياته في غياب الوزير)، وأضاف: (المنصب ليس ترضيات بل مرتبط بحجم العمل الموجود في أية وزارة.. هناك وزارات بحاجة لأكثر من شخص، والعبء يكون كبيراً على الوزير الأول وبالضرورة أن يكون هناك شخص آخر يقوم بمساعدته)، وزاد: (وزير الدولة موجود في كل دول العالم بغض النظر عن أن العدد في السودان كبير أو خلافه، لكن المنصب كمنصب في حد ذاته مهم، وإذا تحدثنا عن الترضيات فإنها يمكن أن تتم لصالح الوزير الاتحادي دعك عن وزير دولة)، وتابع: (في تقديري يجب أن ينظر للعدد حسب طبيعة واختصاص الوزارة ويترك تقدير العدد للقيادة حسب ما ترى.. وبرأيي أن يظل المبدأ موجوداً مع التقليص)، وأكد: (أتفق معك أن العدد كبير، لكن هناك وزارات قد لا تحتاج لوزير دولة، وبالمقابل وزارات قد تحتاج لأربعة وزراء)، واستدرك: (أنا عن تجربتي وزير دولة كنت أشرف على بعض الملفات دون أي تعارض مع الوزيرة أميرة الفاضل، وقمنا بتقسيم المهام بيننا وكانت تجربة ناجحة ومن غير أية مشاكل).
ما بين أهمية المنصب وعدم أهميته تظل الآراء مختلفة.. وما بين حيوية وزير الدولة واختفائه عن المشهد التنفيذي بمجرد تعيينه تكمن المشكلة التي تحتاج إلى حل جذري.