أوضاعها الأمنية والإنسانية في تدهور مستمر : أبيي..أزمة متجددة وحلول مفقودة !
يبدو أن سكان منطقة أبيي سواء كانوا من الدينكا أو المسيرية أو أي مجموعات سكانية أخرى سينتظرون فترة أخرى لا تقل عن سنة بطبيعة الحال, حتي يعودوا لممارسة حياتهم بشكل طبيعي كما كان الحال قبل العام 2005 عندما تم توقيع اتفاقية السلام الشامل التي وضعت خيار الاستفتاء لسكانها ليحددوا إن كانوا يريدون السودان أو جنوب السودان. وذلك لأن كل المؤشرات التي تأتي من مقر المفاوضات بين الشمال والجنوب في أديس أبابا تشير إلى أن الوساطة الأفريقية ترغب في ترحيل مشكلة المنطقة إلى العام القادم بعد أن وصلت المفاوضات حول المقترحات بشأنها إلى طريق مسدود. فعندما اختلفت مع الخرطوم حول من يحق له التصويت في المنطقة وعدم الاتفاق حول هذا الأمر, عمدت الوساطة الأفريقية التي يقودها رئيس جنوب أفريقيا السابق “ثامبو أمبيكي” إلى الدفع للطرفين بمقترح جديد يقوم على تقسيم المنطقة إلى نصفين، وتجاوز حكاية الاستفتاء هذه نهائياً. وعندما رحبت الخرطوم بالمقترح وخاصة قبيلة المسيرية التي وصفت المقترح وقتها بالجيد والمقبول. حيث أكد القيادي بالمنطقة “عمر الأنصاري” قبولهم بمقترح التقسيم الذي تقدمت به الوساطة. وقال لـ(المجهر) خلال اتصال هاتفي قبل ثلاثة أيام: “نحن لا نرفض مبدأ التقسيم ولكننا نريد أن يكون بحر العرب نقطة فاصلة حيث تكون الجهة الجنوبية منه لدينكا نقوك, وتكون الجهة الشمالية للمسيرية على أن تكون الحدود واضحة حتى لا يحدث أي نوع من الصدام”. ولكن جوبا رفضت مقترح التقسيم نهائياً, وقالت إنه “حل غير واقعي وغير مقبول”. واعتبر مسؤول منطقة أبيي في الجنوب “لوكا بيونق” أنهم يرفضون تقسيم المنطقة وأنهم يصرون على إجراء الاستفتاء فيها، إزاء ذلك, عادت الوساطة الأفريقية لمقترح الاستفتاء مرة أخرى وتقدمت بمقترح جديد للرئيسين “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت” في اللقاءات المارثونية التي تجري بينهما في أديس. وطبقاً لتسريبات صحفية فإن المقترح أقر إجراء استفتاء لأبيي في أكتوبر من العام المقبل، لتقرر فيه قبائل الدينكا نقوك بجانب السودانيين الآخرين المقيمين بالمنطقة، إما الانضمام للجنوب أو الشمال، وأوكل المقترح لمفوضية استفتاء أبيي ــ الذي أشار لتكوينها برئاسة الاتحاد الأفريقي واثنين من السودان وجنوب السودان ــ مسؤولية تحديد من هم السودانيون الآخرون وفترة إقامتهم التي تُحق لهم التصويت. وضم المقترح ضمانات قوية للمسيرية بالمنطقة على رأسها حق العبور والرعي وقنن ذلك بالقوانين بجانب منح المسيرية نسبة 20% من بترول أبيي لمدة خمسة أعوام، وأعطى الدينكا نقوك 30% من بترول المنطقة والدولة التي تؤول لها أبيي سواء الخرطوم أو جوبا نسبة 50%. وأقر المقترح أن يتم الاستفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي تحت الإشراف المباشر للقوات الأثيوبية “يونسفا”. وذكر المقترح أنه في حال اختار أهل أبيي الانفصال عن السودان والانضمام للجنوب تكون أبيي إقليماً تعمل إدارته على تشجيع الإدارة الأهلية والتعايش مع المسيرية. وأشار الاتفاق لفترة انتقالية لمدة ثلاثة أعوام تكون فيها أبيي تحت إدارة اللجنة الإشرافية المشتركة التي يرأسها حالياً كل من “الخير الفهيم” من جانب الخرطوم، و”لوكا بيونق” من جانب جوبا.
وفي تطور جديد, قال المتحدث باسم وزارة الخارجية “العبيد أحمد مروح” للصحافيين في أديس أبابا إن هنالك اتجاهاً لمعالجة الوضع النهائي للمنطقة في اتجاه منفصل، قائلاً: ” إن تحسين العلاقات بين السودان والجنوب وفتح الحدود والتبادل التجاري وضخ نفط الجنوب عبر الشمال سينعكس إيجاباً على المفاوضات بشأن الوضع النهائي للمنطقة”. وهذا التطور ينسجم مع ما ترمي اليه الوساطة الأفريقية بتأجيل أي مباحثات حول المنطقة في الوقت الحالي والتركيز على قضايا الخلافات الأمنية كما يرى كثير من الدبلوماسيين والمراقبين لسير التفاوض. ويرى المحلل السياسي الدكتور “صفوت فانوس” “أن الوساطة تريد أن تحسم قضية أبيي بعد الانتهاء من القضايا الأخرى والاستفادة من الفترة الزمنية المتبقية حتى تقديم “أمبيكي” لتقريره لمجلس الأمن في نهاية الشهر المقبل”. ويضيف “فانوس” الذي كان يتحدث لـ(المجهر) عبر الهاتف قائلاً: ” الوساطة الأفريقية تدرك جيداً أن قضية أبيي يمكن أن يتم الحديث حولها لاحقاً, وأن مقترح الاستفتاء سيتم تفعيله وطرحه بقوة للطرفين. و”أرى أن الفترة المحددة بعام كامل لإجراء الاستفتاء كافية جداً لإجراء مزيد من البحث والضغوط وكل ما من شأنه حسم الملف نهائياً”.
حالياً, وعلى الأرض تبدو الأوضاع في المنطقة غير مستقرة في ظل حالة الترقب والحذر التي يعيش فيها سكان أبيي انتظاراً لما ستؤول إليه المفاوضات. وشهدت المنطقة احتكاكات ومشاحنات متكررة بين متطرفين من دينكا نقوك وسكان آخرين عندما حاولت مجموعة من الدينكا الدخول إلى سوق البلدة وتغيير الواقع به مما حدا بالقوات الأثيوبية التابعة للأمم المتحدة التدخل وفرض سيطرتها بالقوة. ويقول شهود عيان تحدثوا لـ(المجهر) يوم أمس إن الوضع في أبيي تغير كثيراً مما كان عليه في الماضي , حيث قالوا إن السوق أصبح سُويقاً صغيراً ويفتقد للمواد الغذائية المهمة بعد أن غادره معظم التجار الكبار. وقال “آدم بخيت” وهو تاجر في السوق: “بعد أحداث العنف الأخيرة قرر كثير من التجار الرحيل بعد أن نهبت بضاعتهم”. كما أن مسئول مكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “مارك كتس” كان قد أكد لـ(المجهر)، خلال حوار نُشر سابقاً، أن من أكبر المشكلات التي سكان المنطقة وخاصة الرحل هو انتشار الألغام الأرضية بشكل كثير ومتفرق في أنحاء متفرقة من المنطقة. وقال “موضوع الألغام يثير قلقنا بشكل كبير، وهذا الأمر يحتاج لسنوات طويلة حتى يتم نزعها، ونخشى أن يتعرض الكثير من المواطنين لهذه الألغام ويكونوا ضحايا لها كما كانوا ضحايا للحرب والقتال”.
ومعضلة أبيي الحقيقية أنها منطقة حدودية بين شمال وجنوب السودان يسكنها هجين من القبائل السودانية وتتسيدها قبيلة المسيرية ودينكا نقوك بعددية كبيرة ونفوذ هائل , وفاقم من أزمتها أنها تسبح في بحر من البترول بالرغم من أن وزير المالية الأسبق “عبد الرحيم حمدي” قد ذكر في وقت سابق أن بترول أبيي معرض للنضوب قريباً!