إحدى المعتقلات المفرج عنهن أمس الأول، بدت كئيبة وتسيطر عليها مشاعر الامتعاض عكس الأخريات، أحد الناشطين دون على حائطه الفيسبوكي رسالة تفيد بتساؤل رفيقة له لحظتها :”لماذا تبدو فلانة مكتئبة هكذا؟”، كانت إجابة الشاب “عشان طلعت ولقت الثورة لسه ما قامت”، هذا النقاش كان بالنسبة لي تعبيراً موجزاً وكافياً لتوضيح حال المعارضة السودانية، وللأسف لطالما أثبتت التجارب منذ العام 2010م عندما بدأت احتجاجات مناهضة القوانين المقيدة للحريات، مروراً بأحداث 2011م، و2012م، إلى أحداث سبتمبر، وحتى احتجاجات الميزانية الأخيرة، إن المعارضة السودانية لم تبارح خانة الفشل وسوء التقدير والتكتيكات العاجزة المحبطة.
نعلم جيداً، أن مقالنا هذا لن يعجب الكثيرين، ولكن العمل العام لا يحتمل النفاق والمداهنة، ويحتاج للتقريظ والنقد، والنقد الذاتي، لأجل تصحيح المسار، وإعادة الأمور إلى نصابها، فما زال الكثيرون يعتقدون بأن الإنقاذ (بعبع) يصعب مناهضته، ولكن الحقيقية المجردة تكمن في ضعف وفشل الطرف الآخر، فلم تستطع المعارضة السودانية اتخاذ موقعها الصحيح منذ التجمع الوطني الديمقراطي، ولا تقديم نفسها كبديل حقيقي ومنافس قوي للمؤتمر الوطني وشركائه، بل ظلت تتقوقع في خانة أساليب العمل النضالي التقليدية المجربة والساهلة، وأضحى بعض منسوبيها وقادتها مجرد كسالى، يتوارون بعد دفعات الاعتقال الأولى، ورغم ذلك يملأ قادتها الأرض ضجيجاً بعبارات رنانة على غرار (التغيير، وإسقاط النظام)، بينما لا تجد جهداً عملياً على الأرض يوازي الحديث خلف المايكروفونات، وعلى وسائل الإعلام.
ذات السيناريو ظل يتكرر مع كل فعل تبادر به الحكومة، يخرج الناس في تظاهرتين، يتم اعتقال البعض، ثم يخبو بريق الثورة، وينتقل الناس إلى خانة المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، ومن ثم إطلاق سراحهم والفرحة العارمة، ويعودون إلى بيوتهم في انتظار حدث جديد تنتجه الحكومة، وهكذا دواليك.
أهم ما فشلت فيه المعارضة السودانية، هو أن تكون معارضة بحق، ليس بالضرورة أن تنطلق الثورة العارمة في شوارع الخرطوم، بل بالضرورة أن يكون هناك مسرح سياسي متوازن.