{ لن يكون بمقدور كثير من الأشياء التي افتقدناها أن تعود كما كانت في السابق، لأن التغييرات المتتابعة في الحياة السودانية قضت بتبدل وتراجع كثير من المعايير والمفاهيم، ومنها ما هو مرتبط بالضرورة بحالة الإبداع السوداني وتشعباته الذي اختلت أوزانه وتبادل كثيرون الأدوار فتقدم (فقراء المواهب) وتراجع (أصحاب الإبداع الحقيقي والقوي).
{ هذا الاختلال المنهجي فرض على الناس وجوهاً وأسماء بواقعية (فرض اليد).. فأصبحوا على أنوف الناس موجودين في كثير من تفاصيل حياتهم اليومية.. وكان لثورة المعلومات وتمدد مواقع التواصل الاجتماعي أثراً كبيراً في هذا الأمر.. فقدمت لنا تلك المواقع الإسفيرية شخصيات (كرتونية) (هزيلة) بعضها وجد ضالته في الشهرة السلبية لأنه جعل من نفسه أضحوكة للناس يتندرون عليه فقط من أجل الشهرة.
{ شخصيات إسفيرية فرضت نفسها على (فيسبوك) وحصدت آلاف الإعجابات والتعليقات.. لا يهم إن كانت تعليقات تحتوي على قدر كبير من (الردم) أو العبارات التشجيعية.. لا يهم.. الأمر سيان هنا.. ما يهم فقط هو أن يصل الشخص إلى أكبر عدد من الجمهور وبأية طريقة كانت.
{ “عطور”.. “جغارم”.. “بركة الملك”.. شخصيات إسفيرية وجدت حظاً كبيراً من الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأن بعضهم- ربما بذكاء فطري منه- أدرك ملمحاً في الطبيعة النفسية لكثير من بني جلدتنا التي تحتفي بالأشياء الغريبة والصور (غير المنطقية) و(الشخصيات الهزلية).
{ لا غرابة أن يحفز هذا الأمر بعض المغمورين الذين يسعون إلى الشهرة بأية طريقة كانت، فالأمر هنا ارتبط بهوسهم في أن يشغلوا بال الناس بأية طريقة كانت.. وربما هذا هو ذات الأمر الذي التقطه الممثل “عوض شكسبير” الذي أدرك أن موهبته (الشحيحة) في التشخيص الدرامي لا تسنده لأن يكون نجماً، فقرر الدخول إلى عوالم الشهرة من بوابتها (الخلفية).. فطفق “شكسبير” في نشر مقاطع فيديوهات لنجوم مجتمع يسعى من خلالها إلى السخرية منهم (لا نقدهم) والاستهزاء ببعض الذين نالوا نصيباً من الأضواء بـ(حقهم وإبداعهم وتميزهم).. فقط من أجل (عيون الشهرة التي استعصت عليه).
{ ركب “شكسبير” إذن ذات الموجة التي اعتلاها “عطور” و”جغارم” وغيرهما في (الولوج إلى الشهرة) ولو من باب الإساءة للرموز الوطنية التي لا يختلف عليها اثنان، مثلما حدث عندما سعى إلى التشهير بـ”أبو عركي” فتصدى له كل الناس باختلاف توجهاتهم وأيديولوجياتهم لأن “عركي” شخصية قومية وطنية لا يقبل المزايدة.
{ عاد “عطور”-عفواً- “شكسبير” مرة أخرى إلى تصوير مقاطع الفيديو السطحية التي تفتقر لأبسط مقومات العمل الفني من دقة التشخيص والتوظيف الدرامي والتقمص والتصوير، كما أنه يفتقر للتأهيل المعرفي والإلمام الكافي بالشخصية التي يسعى إلى انتقادها، فيظهر متهافتاً على انتزاع الضحكات بشكل بائس.. بالإضافة إلى أن تصوير الفيديوهات دائماً ما يظهر فيه التعجل الشديد.
{ هذا هو ما أنتجته لنا آخر انفتاحات مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تهب كل (عاطل) عن الموهبة سانحة مواتية ليكون شخصاً مؤثراً في محيطه المجتمعي.. لا يهم إن كان تأثيراً إيجابياً أو سلبياً.. فقط ما يؤرق دماغه أن يكون موجوداً.
} مسامرة أخيرة
{ بشيء من الشفقة تابعت محاولات ناشطة سودانية عبر برنامج (نواعم) لإقناع سيدات عربيات رافقنها عبر البرنامج أنها عربية.. وللأسف فضحت (الردود) عنصرية البعض البغيضة تجاهها.. ولم يكتفين بالتعليق فقط ونفي ما دفعت به الناشطة بل كان مصحوباً بنبرة استعلائية وسخرية وعنصرية وضحت في مقطع الفيديو الذي تم تداوله مؤخراً بكثافة وبغضب كبير.
{ حقيقة لم أغضب من السيدات العربيات اللائي طفحت لهجتهن العنصرية.. ولم أغضب من مقدمة البرنامج التي لم تسع إلى إيقاف هذا العبث عبر برنامجها.. ولكن غشاني تحفز قديم لضرورة أن ينتبه بعض الذين يسعون بمحاولات يائسة إلى ربطنا بالثقافة العربية الوافدة و(التمرغ) فيها ومسح تاريخ وحضارة قديمة امتدت لآلاف السنين.. وتذويبها بكل يسر وسهولة لنكون جزءاً من تلك الثقافة التي لم تستطع أن تؤسس حتى الآن لمجتمع يدعم حتى الحقوق الأساسية للإنسان.