الشيخ"الخليفة الطيب" يكتب "للمجهر" : الفيلم المسئ .. وسماحة الرسول الخاتم
الحمدُ لله القائل (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) والصلاةُ والسلامُ على الرحمةِ المهداةِ والنعمةِ المسداة خاتم الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم.
أما بعد
إنَّ دولَ الكفر والبغي والظلم لا تزال تُكنُّ للرسول صلى الله عليه وسلم العداء، وفي كل وقتٍ تأتي بما يسئُ إلى جنابه العالي، فهو رمزُ هذه الأمة وحبيبُها وشفيعُها وهاديها سواء السبيل. إنه الحقدُ الأعمى والبغضاءُ التي ملأتْ قلوبَهم، ومن قبل ذكر بابا الفاتيكان أن الإسلام انتشر بحد السيف والعنف، وأنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بالخير للإنسانية بل أتى بالحربِ والدمارِ والكراهية، وأن الإسلام يناهض العقل والمنطق. وقبل أعوام قامت الدنمارك بعمل كاريكاتير مشوه لصورة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذا من حذا حذوَها من دولِ الغرب. إنَّ دولَ الغرب جميعَها، وعلى رأسها بابا الفاتيكان كبيرُهم الذي علَّمهم السحرَ، يصفون الإسلامَ بالإرهابِ والفاشية، وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على ما يُكنُّونه من الحقدِ والضغينةِ والبغضاء للإسلامِ والمسلمين الذين تجرَّعوا مرارةَ الظلمِ والتسلطِ والاستعداءِ والكبرياءِ، على دولهم ومُدنِهم، وذاقوا ويلاتِ الحرب والدمار والتشردِ والإبادة الجماعية للنساء والشيوخ والأطفال، في أفغانستان والصومال والعراق وفلسطين، وفي كثيرٍ من دولِ العالم الإسلامي.
إنَّ من ميزاتِ الإسلامِ الدعوةَ إلى السلم والوفاء بالعهد، فقد ذكر ابنُ كثير في (البداية والنهاية) وابن هشام في (السيرة النبوية) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لابن نواحة وابن أتال رسولَيْ مسيلمة الكذاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لهما: (أتشهدان أني رسولُ الله”، فقالا نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنتُ قاتلاً أحداً لقتلتُكما)، ولم يفعل الرسولُ صلى الله عليه وسلم ما يمسُّ سلامتهما، علماً بأنهما قد تجرَّآ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مقام النبوَّة في داره وبين يديه، وهذا تقريرٌ إسلاميٌ لما يُسمَّى بالحصانة الدبلوماسية.
قال أبو رافع: لما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع الإيمانُ في قلبي، فقلت: يا رسول الله لا أرجع إليهم، فقال إني لا أحنثُ بالعهد، ولا أحبسُ البرود، ولكن ارجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع (العهد صلح الحديبية) ولا استبقي الرسل فأردَّهم إلى مرسلهم إن شاءوا أقاموا وإن شاءوا جاءوا مسلمين.
وفي حادثة حذيفة ابن اليمان تمثيل لذلك، قال حذيفة رضي الله عنه: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجتُ أنا وابنُ العسيل، فأخذَنا كفارُ قريش وقالوا إنكما تريدان محمداً، فقلنا لا نريده إنما نريد المدينة، فأخذوا منا عهداً لله وميثاقه لننطلق إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فقال: اذهبا ووفِّيا بعهدهم ونستعينُ بالله عليهم.
لا يشك منصفٌ وقف على بعض أحكام الدين في عناية الإسلام والسماحة والرحمة مع غير المسلمين بمختلف دياناتهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، الأمر الذي شهد به غيرُ واحد من الباحثين من غير المسلمين، وسجلوا شهاداتهم بتفرُّد الحضارة الإسلامية في معاملة المخالفين لها، وذلك من خلال تجارب التطبيق الحضاري الذي يمارسه المسلمون في ديار الإسلام من السماحة والرحمة واللطف في تقرير ضد التعدد والاختلاف، قال تعالى: (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) .
ولا يُتصوَّر في دينٍ هذا شأنُه وموقفُه من الآخرين إلا أن يكون دينَ رحمةٍ وهدايةٍ وتسامحٍ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
إنَّ الصورَ والأفلامَ التي تصدر من دول البغي والاستبداد لا تضرُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقد مدحه اللهُ بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وليس بعد هذا المدحِ مدحٌ، وإنَّ القدحَ لا يُشيننا، إن الصفح والتسامح هو القوةُ بعينها، وقد كان رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم الصفحَ في أسمى معانيه، لا يقابل أحداً بما يكره، ولا تزيده شدةُ الجهل عليه إلا حلماً، جاءه إعرابي وجذبه من ردائه حتى أثر عنقه، وقال له: يا محمد احمل بعيري هذين من مالِ الله فإنك لا تحمل من مالك ولا من مالِ أبيك، وقال له: المالُ مالُ الله وأنا عبدُه ورسولُه ويقاد لي منك، فقال له الإعرابي لا.. فقال له لماذا؟ قال لأنك لا تكافئ السيئةَ بالسيئة، وإنما تكافئ السيئةَ بالحسنة، فقال اذهبوا به واحملوا على بعيريه أحدهما شعيراً والثاني تمراً.
{ موقفه من أهل بدر وقبوله الفداء منهم وفتح مكة
وقد ناصبه أهلُ مكة العداءَ، فكان سلماً عليهم، وصدق الله العظيم القائل: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) التوبة. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، هذا هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهذه بعض صفاته.
فعلى المسلمين في جميع بقاع الأرض أن يذودوا عن حياضهم، والحياض التي يذودون عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وشريعتُه الغراء السمحة، نذود عنه بكل مُرتَخصٍ وغالٍ، بمهجنا وأرواحنا وبالنفس والنفيس، كما كان أسلافُنا، ونستلهم اللهَ الرشدَ ونكثرُ الدعاءَ والتضرعَ والابتهالَ، سائلين الله تعالى أن يأخذَ كلَّ من أساء إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أخْذَ عزيزٍ مقتدر، ويمنح المسلمين العزةَ والقوة وينصرهم على أعدائهم، إنه على من يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.