أخبار

سحقاً لكم

محمد إبراهيم

{ الفقر ليس عيباً.. لكن العيب هو أن تكون فقيراً في بلدنا، لأن كل العوامل التي من حولك ستذكرك بفقرك وحاجتك مع كل صباح.
{ والفقراء لدينا هم في الحقيقة ممنوعون حتى من مزاولة مهنهم.. لأن المنطق (المعوج) لدينا يفرض عليهم أن يكونوا مجرد متلقين لما يفرض عليهم من (إتاوات) و(جبايات).. وأسعار سلع أساسية لم يكونوا جزءاً من تسعيرتها.. ولهذا فقط هم الآن يعانون بشدة.. يعانون ويصرخون بصيحات مكتومة يكتمونها ليلاً حتى لا يسمعها أقرب الناس إليهم، لأن طبيعة الإنسان السوداني الفطرية هي رفضه نظرات الشفقة حتى وإن كانت من أقرب الناس.
{ والاستغلال السيئ الذي يمارسه كل من يمتلك زمام أمر الناس يتبدى مع كل أزمة خانقة تلم بهذه البلاد.
{ والتجار الذين يبدلون ديباجات السلع التي اشتروها بأسعار جملة أقل من الموجودة في السوق لا يتورعون عن تغيير السعر (تماشياً) مع السوق.. وهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن هذه (فهلوة) و(شطارة).. والتجارة شطارة.. فعن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»
{ وكثير من التجار لدينا (تمحق) تجارتهم لأنهم يكذبون في الأسعار ويحلفون (كذباً).. وكل هذا التداخل الأخلاقي يدفع ثمنه المساكين والضعفاء والفقراء لأنهم لا يستطيعون تغيير (ضمائر) المتحكمين في سلعهم.
{ وكأني بـ”حميد” حاضراً وهو يصرخ في وجوه هؤلاء قائلاً:
حال ماها حال
وقْعَتْنا تبقى على الجبال
غلُّوا البضاعة العِنْدُو سِلعِة عِرفلها
غلُّوا القمح
غلُّوا اللحم
غلُّوا الخَدار
حتَّى الملح!
دسُّوا اللبن
دسُّوا العَدس والصلصة
دسُّوا الأسبرين
دسُّوا المعايش كلَّها
{ والمضاربون بقوت الشعب وبـ(بزة أطفال السواد الما نزل فوقهم ملك) يصارعون الناس وضمائرهم من أجل أن يعبئوا خزائنهم.. ويملأونها بالمال.. لا يهم إن كان حلالاً أو حراماً.
{ والاستغلال لهذا الإنسان البسيط يتمظهر بشكل راتب في حياتنا اليومية.. وأصبح جزءاً من طبيعة التعامل مع الناس.
{ وتغيب ضمائر الناس رويداً رويداً.
{ ويمضي المجتمع بكلياته إلى أن يصبح (مسرحاً للعبث) و(الشفتنة) وإظهار الذكاء الخارق في (الغش) والتدليس.
{ وكثير من المهن الآن تدار بهذه الطريقة.
{ أصحاب بعض المخابز مؤخراً استغلوا منع (الأكياس) وأصبحوا يضعون المواطن في خيار أن يحمل (الخبز) على يديه ويصبح بالتالي معرضاً للسقوط ومن ثم فساده بالتمرغ في التراب أو أن يبيعوه (كيساً) معلقاً في جانب من المخبز بمبلغ (2) جنيه.
{ فإن كانت الأكياس ممنوعة ومحظورة.. فكيف تباع علناً في (المخابز)؟ وإن كانت هذه النوعية من الأكياس غير محظورة لماذا لا يوضع فيها الخبز كما كان يحدث سابقاً ولا يشعر وقتها المواطن أنه قد تعرض للاستغلال البغيض؟
{ ولأن لا أحد يرد على هذه الأسئلة فإننا الآن في حالة (استغلال) جديدة حتى نعتاد عليها ولا تحرك فينا بالتالي أي غضب.
{ وكثير من الاستغلال والجشع يتعرض له إنسان هذا البلد البسيط يومياً ولا يستطيع دفع أذاه.. ويتجمل بفضيلة الصمت المطبق.. والإذعان أحياناً والاحتجاج الوقتي الذي يتناقص رويداً رويداً حتى (يتكيف) مع كل أنواع الاستغلال والجشع والطمع.
{ ولكن لكل هؤلاء المستغلين.. والمنافقين.. والذين يحتكرون سلع الفقراء ويسومونهم سوء الكيل وحشفه.. اتقوا دعوة مظلوم لربه في جوف الليل تخسف بكم الأرض.
} مسامرة أخيرة
} غادر، أمس الأول، بلوم الغرب “عبد الرحمن عبد الله” إلى الخارج للعلاج.. ولأن قيمة الوفاء والالتفات للمبدعين تضاءلت وتناقصت لم يكن في وداعه بمطار الخرطوم واحد من زملائه.. سافر ربما وفي قلبه حسرة.. وشكراً جميلاً الأستاذ “محمد عبد القادر” (أبو حباب) الذي لفت أنظار الناس إليه بمقال كتبه عبر الأسافير بدموعه وأعصابه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية