أخبار

خربشات

(1)
إذا كتب الصحافي على الطريقة التي يتم بها اختيار الملحقين الإعلاميين والمشرفين في سفارات البلاد في الخارج انصرفت أذهان المسؤولين إلى الظن وبعض الظن إثم، إن الكاتب يبحث له عن سفارة أو مركز (بحوش) منه على المال العمارة السامقة.. والسيارة الفخيمة وربما الزوجة الثانية رغم أمثالنا من كبار السن قد انتهت عندهم سنوات المغامرة والاغتراب وما عاد في العمر ما يسمح بالخروج من الوطن.. والمرء مكبلاً بقيود الأسرة وقد انصرفت سنوات الصبا سراعاً.. ولكن تبقى الحياة بسرها وأسرارها تحدث المرء نفسه بالأمل في الغد الذي قد يراه مشرقاً.. في سفارة مثل سفارة السودان في إثيوبيا ثمة حاجي حقيقية لملحقية إعلامية.. تساهم في بث الرسالة السودانية وسط المتلقي في القرن الأفريقي وحتى عهد قريب كان بإثيوبيا ملحقاً إعلامياً مكافأة له لحسن أدائه في الإذاعة السودانية وأمضى الرجل سنوات حصد من الدولارات ما سمحت به عائدات الوظيفة لكن لم يقدم شيئاً للمهنة التي انتدب من أجلها مثله وملحقين كثر يمنحون أنفسهم بامتيازات المنصب ويؤثرون الصمت لأن في الصمت السلامة. ظل مقعد الملحق الإعلامي في إثيوبيا (شاغراً) وكان مرشحاً له الأستاذ “محمد حامد جمعة” ابن السودان المخلص، وقائد كتائب المواجهة مع المعارضة (اسفيرياً)، لكن شيئاً ما وراء الغرف الصامتة أجل تعيين “جمعة” الذي يتحدث الأمهرية والتجرنجا.. والانجليزية وتتمدد علاقاته بكل أطياف المجتمع الإثيوبي وزراء وسفراء وصحفيين وكتاب وتجار وساسة متقاعدين وسودانيين هاجروا لأرض سبقهم إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لن يشفع “لجمعة” عند الجهات التي تختار الملحقين الإعلاميين وحتى اليوم المقعد شاغراً ينتظر التمويل ثم البحث عن محظوظ من المحظوظين بالرعاية الكاملة من الحزب والدولة وحكومتها.. أما النظر في أداء الملحق وفرص نجاحه وخدمة بلاده فتلك مما لا يفكر فيها أحدٌ، المهم أن يستأثر بمناصب الملحقين التابعين لمرتكز القوى بإحسان..
(2)
جاء في الأنباء أن مليشيات ليبية هاجمت قبر والدة الرئيس السابق “معمر القذافي” وفجرته بعبوات ناسفة بعد أن تم نبش القبر من قبل ذلك تشفياً واحتقارا من قبل المليشيات الليبية التي قيل إنها مدعومة من الحكومة، ونعني المليشيات التي هاجمت قبر والدة العقيد “القذافي”.. فلماذا انحدرت ليبيا إلى هذا الحضيض من سوء السلوك وغشيته مليشياتها الأحقاد الدفينة والانتقام.. هل جريرة المرأة التي ماتت قبل سنوات بعيدة أنها أنجبت دكتاتوراً جثم على صدر الشعب لأكثر من ثلاثين عاماً وقتله شعبه ببشاعة، وشهد على ذلك العالم من كندا حتى اليابان ومهاجمة قبر الراحلة وتفجيره يشكل إدانة جديدة لسلوك المليشيات الليبية التي أعادت لأرض المختار العبودية والرق وتجارة البشر والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان كل ذلك لغياب الدولة.. وقد لجأت ليبيا في حيرتها الحالية إلى “سيف الإسلام القذافي” وإنقاذها لما هي فيه من سقوط وانحدار قيمي وأخلاقي وانفلات أمني جعل الناس يذكرون “القذافي” بالخير ويتمنون عودته من القبر ولو كانت القبور تسمع لأهتز قبر “القذافي” غضباً لتفجير قبر أمه.. وفي سنوات الخصومة بين “القذافي” والشاعر العربي الكبير “نزار قباني”، استغل “نزار” زيارة “القذافي” لسوريا ووقوفه فوق قبر “خالد بن الوليد” في (حمص) ورفع يديه بالدعاء لروح “ابن الوليد” كتب “نزار” عن تلك الزيارة وهو يقول:
قبر “خالد” على أطراف حمص نلامسه
فيرجف القبر من زواره غضباً
رب حيَّ رخام القبر مسكنه
ورب ميت على أقدامه انتصبا
يا ابن الوليد هل من سيفاً تؤجره
وكل سيوفنا قد أصبحت خشباً.
لو عاش “نزار قباني” حتى اليوم وشهد مأساة ليبيا وفجيعة أسرة “القذافي” وتفجير قبر والدة العقيد على رؤوس الأشهاد لكتب معتذراً عن كل ما سطره عن العقيد الذي نعاه في قصيدته الشهيرة: “وفاة العرب” وقد غضب “القذافي” حينها على “نزار” الذي قال إنه (عقيداً على جثة الشعب الليبي يمشي).. رحل “نزار” وقتل “القذافي” ولكن لماذا يهاجمون قبر امرأة خرج من رحمها الأخيار والأشرار.. وكيف ينافح العرب عن أخلاقهم وقيمهم بأنهم أفضل الناس ولكنهم لا يتعلمون من الآخرين إلى كل شيء يهبط بهم إلى أسفل السافلين.
(3)
ضجة الأسافير أمس وهي تخوض في حديث والي غرب كردفان الأمير “أبو القاسم بركة” وهو يقول في خطاب حماسي (لو نومنا مائة عام وصحونا لن نرشح غير “البشير”) طبعاً مثل هذا الحديث ينافي الواقع والمنطق لأن السودانيين ليسوا أهل الكهف حتى لو ناموا مائة عام وحينما يصحون يبعثون بورقهم إلى من يدلهم كم لبثوا نياماً.. وهل “البشير” يشاركهم النوم أم القائد لا ينام؟ هي مجرد استخدامات مجازية تعبيراً عن تمسك الأمير الشاب “أبو القاسم” بترشيح الرئيس للانتخابات القادمة واعتباره خياراً نهائياً غير قابل للتبديل والتغيير.. وفي ذلك حق معلوم للولايات والقرى التعبير عن مواقفها السياسية مما يجري في الساحة من جدال حول الدستور ونصوصه.. وتعتبر منطقة غرب كردفان هي الأكثر ارتباطاً بالرئيس “البشير” لشخصه وليس الإنقاذ كمشروع سياسي.. والأمير الشاب “أبو القاسم” بدا مزهواً إذا كانت الأوضاع الأمنية في ولايته اليوم أفضل من الأمس.. وقد انقشعت سحابة التمرد .. وصمت السلاح حتى في المناسبات الاجتماعية.. وأفلحت جهود نائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” في مصالحة بطون المسيرية بعد طول شقاق وحروب داخلية مهلكة وكان يوم أمس مشهوداً وبطون المسيرية أولاد عمران من جهة الزيود من جهة أخرى.. يطوون صفحة النزاع المرير والموت المجاني بفضل جهود النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” من جهة .. وإصرار الشاب “بركة” على الوئام الاجتماعي وتجفيف دموع الباكيات من الثكالى والأرامل.. وقديماً قيل (دهن النعام يمسكو جلدو) وهو مثل يطابقه آخر من جبال النوبة (المن جبلك بعرف رطينك) والمسيرية حينما يشتجرون ويتقاتلون فإن أبناء عمومتهم الرزيقات وحدهم من يستطيع كبح جماحهم.. وكذلك الرزيقات لا قادر على حل نزاعاتهم وصراعاتهم إلا أبناء عمومتهم المسيرية.. وحينما يباهي الوالي “بركة” ويهز ضراعه ويعلن الانحياز والوقوف كلياً مع “البشير” فإنه ينظر إلى (ظهره) الذي يسنده مقاتلون أشاوس وفرسان ورجال مواقف ونعني بذلك المسيرية الذين قدموا من الشهداء ما يسد ضوء الشمس في عز الصيف.. ثلاثة عشر ألفاً من الشهداء وخمسة عشر من الأرامل وثلاثين ألف يتيم ذي مسغبة.. كل ذلك دفاعاً عن الإنقاذ وارتباطاً “بالبشير” فكيف يتخلون عنه في منتصف الطريق ولم يبق “لبركة” غير أن يقول أنا عارف حبو الىَّ داري يعطفوا علىَّ نساني غرامي ألبيا قاسمني الليالي الهنيا..
فكيف أتركه وقد اجتمعوا القلبين واتحدوا الأملين وأصبحنا رغم البين روح واحدة في جسدين.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية