رأي

مسامرات

سلام (سلمى)

محمد إبراهيم

* المواقف _فقط_ هي القادرة على منح حقيقة ما تنطوي عليه دواخل أي شخص.. المواقف الحقيقية.. وليست المصنوعة هي التي سوف تخبرك عن معادن الناس.. فالمحكّات الحقيقية تستطيع أن تميز من خلالها معادن الناس إن كانت ذهباً خالصاً.. أو معدناً لامعاً من (خارجه) ولكنه يعاني من (الهشاشة) و(الصدأ) في دواخله..
*والوسط الفني والإعلامي أخبرنا _ذات موقف_ عن كثيرين سقطوا في امتحان المواقف أو المحكّات الحقيقية هذه .. سقطوا لأن هذه طبيعتهم .. وهذا معدنهم .. وصوت (السقطة) فقط هو الذي لا يجعل الآخرين منتبهين لأصوات (سقطات) أخرى، لأن دويها قادر على (مسح) كل المواقف (اللامعة)..
* والمذيعة الكبيرة سلمى سيد واحدة من الذين أظهرت المحكَّات الحقيقية (ذهبية معدنهم)…
*ولأن الناس في السودان يحبون سلمى سيد المذيعة ومقدمة البرامج المتمكنة .. وقبل ذلك الإنسانة صاحبة القلب الكبير و(المبادرات) الإنسانية التي لا يعلم الناس عنها شيئاً .. نقصم ظهرها اليوم وهي تطلب من الناس أن يدعوا لها في محنتها المرضية.. نقصم ظهرها بموقف جمعني بها.. كشف لنا أي قلب كبير مفتوح على حب الناس ومعايشة آلامهم كان مخبوءاً بين أضلعها..
*ذات نهار غائظ والشمس ترسل أشعتها الحارقة على البلاد والأبدان.. وفي مدخل أحد الشوارع الجانبية جثمت سيدة كبيرة لا يعرف الناظر إليها من بعيد سوى أنها سيدة متكومة في ظل شحيح، ولكن من يقترب منها يرى في أعينها دمعاً غزيراً ملأ جنبات وجهها .. كانت هيئتها وملامحها لا تدلان على أنها من الممتهنات (التسول) وبدا أن الظروف أجبرتها على الجلوس في الشارع ترمق أوراقاً بين يديها بلهفة متصاعدة.. وعندما لمحت تلك الدموع توقفت أمامها، وعندما وصلتها كانت هناك سيدة أخرى بدا أنها لمحت ذات الجزع الذي رأيته في أعين تلك المرأة.. ترجلت من سيارتها وأسرعت بخطواتها صوب المرأة الجزعى، وعندما وقفت أمامها كانت ذات اللحظة التي وقفت فيها السيدة التي كانت ملامحها مألوفة لدى الناس، ولدي أيضاً.. فقد كانت المذيعة المعروفة سلمى سيد..
*تبادلنا التحايا ..وجلسنا سويا أمام المرأة وسألناها عن حالتها .. قالت إن زوجها مريض وأبناءها يدرسون بالجامعات.. وهي لا تعمل ولا تملك رسوم إجراء العملية الجراحية لزوجها.. وعندما سألناها عن قيمة العملية الجراحية ردت المرأة بان قيمتها 10 آلاف جنيه.. أخذنا رقم هاتفها المحمول وعدت إلى طريقي، وعادت سلمى إلى سيارتها .. وفي ذات اليوم اتصلت على السيدة لأخبرها بأن تحضر لي أوراق العملية، حتى استطيع مخاطبة بعض الجهات لمساعدتها في إجراء العملية لزوجها .. ولكنها لم ترد على مكالماتي.. وعندما اتصلت على سلمى لاستفسرها عن المرأة.. أخبرتني أنها متواصلة مع المرأة وأنها تكفلت لها بكل مصاريف العملية لزوجها.. فأكبرت فيها موقفها وأخبرتني أنها سوف تذهب إليها غداً بعد أن استطاعت أن تدبر لها قيمة (قروش العملية) وشددت على أن لا أكتب حرفاً عن هذا الأمر .. وألا أخبر به أحداً.
*كانت المفاجأة التي لم أتوقعها هي اكتشافي أن السيدة التي كانت تبكي وتكفلت لها سلمى بمصاريف العملية الجراحية لزوجها ليست سوى محتالة، وليس لديها أبناء يدرسون بالجامعات، وأن زوجها ليس مريضاً.. فسارعت إلى الاتصال بسلمى لأخبرها بحقيقة الأمر .. وكان اتصالي بها في الوقت المناسب.. فقد علمت أنها كانت في الطريق إليها لتدفع لها رسوم العملية الجراحية التي تبلغ 10 آلاف جنيه .. وقد كان أن سمعت منها نبرة حزينة للغاية، وهي تقول لي (ليه الناس بيعملو كدة.)..
* ذاك موقف أكتبه لأول مرة كشف معدن سلمى النفيس.. ربما لن يسعد سلمى أن تقرأ ما أكتب.. ولكنني أحسست بحزن كبير وأنا أشاهدها عبر مقطع فيديو تطلب فيه من الناس أن يدعوا لها بالشفاء من (مرض) ألم بها.. وسلمى التي هي في الأصل امرأة مفتولة من حبال العشق لهذا البلد وإنسانه.. وقد تحتاج الآن إلى دعوات الناس..ودعوات من يحبونها.. ولمن منحتهم ذات يوم بعضاً من ألق إنسانيتها….
*اللهم أشفها…

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية