ما هي نكهة “أبو القاسم برطم” رئيس كتلة التغيير في المجلس الوطني؟ هل هو نائب من كوكب آخر؟ ولماذا يتحدث هذا الرجل بشكل مختلف، ولونية لا تخطر على البال؟ فقد أثار انتباهي بشكل كبير وحرك كوامن الدهشة والاستغراب والحيرة في دواخلي، وهو يطلق الانتقادات اللاذعة والقاسية والمدروسة، فضلاً عن الآراء الحارقة والموجعة مسحوبة بالعواصف والفوران على التطورات الحالية في الساحة السودانية.. النائب “برطم” كان صاعقاً ومباشراً عندما هاجم بضراوة المجموعات والتنظيمات التي لا تنتمي إلى الحزب الحاكم وهي تتلهف على جناح السرعة في ترشيح “البشير” لانتخابات 2020م، واصفاً إياها بالطفيلية وأنها تمارس التسلق السياسي.. وبالفعل صدق الرجل، فإذا كان أصحاب الناقة لم يتوصلوا حتى الآن إلى قرار حزبي جامع حول ترشح “البشير” بعد نهاية دورته الحالية، فما الذي يجبر هؤلاء المداهنين على تعبئة كرنفالات التدليس؟ وها هو الرئيس يقول في مؤتمر التقييم لمجاهدي الدفاع الشعبي (انأ لست مشغولاً بانتخابات 2020) كأنه يغازل “برطم” ولا يتجاوب مع أولئك الكرنفاليين المتسرعين.
النائب “برطم” لم تعجبه الوصفة الاقتصادية القاسية ولم ترُق له قرارات وزارات المالية التي نزلت على ألسنة من لهيب في وجه المواطنين، وبذلك أطلق جرس إنذار بالصوت العالي عندما قال إنه يتوقع زيادة أسعار الوقود ورفع الدعم عن الدواء.
في الصورة المقطعية يتمرد “برطم” على الوصفة القديمة والمنهج البالي المجرب واللوحة القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب، فهو يطالب المعارضة بخلع ثوبها القديم ودخول الانتخابات القادمة، إذا توفرت ضمانات النزاهة، وأيضاً ينادي بتغيير مفوضية الانتخابات الحالية بوصفها جزءاً من الإنقاذ على حد تعبيره، مؤكداً نيته خوض الانتخابات المرتقبة الخالية من التلاعب، علاوة على ذلك لم يتورع الرجل عن تهنئة الحزب الشيوعي على موكبه الذي نفذه في الأيام الفائتة، وقال إن السودان ليس ملكاً لأحد، وإن الدستور يكفل الحريات للكافة، وزاد بقوله: (نحن نريد الحاكم الذي يوفر لنا الأمن والأكل والصحة والدواء إذا كان شيوعياً أو إسلامياً.. هذه هي أهم المحطات التي وردت في حوار النائب “برطم” مع جريدة (التيار) بتاريخ (27 يناير 2018م) حيث اتسم فحواها بصراحة واختراق المكنونات والشفافية.
إذن لا بد من التذكير بأن هنالك عدداَ من الملاحظات المهمة في مسار شخصية “برطم” مرتبطة بدخوله البرلمان القومي في انتخابات حكومة الوفاق الوطني الحالية تتمثل في الآتي:
أولاً- رفض “برطم” أن تكون الاستقلالية التي ترشح تحت مظلتها تعبيراً عن التقوقع في المنطقة والانكماش في الطموحات.
ثانياً- دخول “برطم” البرلمان القومي من منطقة نفوذ الإسلاميين (الشمالية، ودنقلا، وما حولها) منح الرجل زخماً كبيراً ووهجاً واضحاً.
ثالثاً- دينامكية الرجل جعلته يتجاوز المصفوفة الإعلامية ويصبح من الشخصيات البرلمانية في الساحة، فضلاً عن تزعمه كتلة التغيير في المجلس الوطني.
رابعاً- لا يحسب “برطم” من نواب التصفيق، وبذات القدر لا يحسب من المعارضين في الحكومة على طوال الخط.
هذه هي مساحة واسعة من ملامح الرجل، وهذا لا يعني عدم وجود السلبيات في مجمل تحركاته.. ومهما يكن فإن “برطم” يتراءى كأنه نائب من كوكب آخر.