تقارير

الحكومة والحركة الشعبية.. لعبة القط والفأر

بعد تعليق جولة التفاوض في أديس أبابا

تقرير- رشان أوشي
وسط ترقب حذر، انقعدت جولة التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية (شمال/ الحلو)، وخيمت عليها مخاوف صعود (حق تقرير المصير) إلى سطح المطالب، ولكن لم تمهل الأحداث الطرفين طويلاً، حيث علقت جولة التفاوض للمرة ليست الأخيرة، ما ترك استفهامات حول فشلها بشكل دائم، وهو ما عدّه مراقبون مؤشراً سلبياً لمجريات الأمور في الفترة القادمة، وبالطبع يلقي بظلاله على الأوضاع السياسية بالبلاد، التي تعيش توتراً بعد ارتفاع أسعار السلع نتيجة إجراءات اقتصادية أعلنت مؤخراً بواسطة حكومة الوفاق الوطني، خاصة وأنها جولة غير عادية شاركت فيها قيادات سياسية رفيعة على رأسهم رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي”.
{ مسبقاً

بعد أن انخرط فريق الآلية الأفريقية يومي (الخميس) و(الجمعة) في اجتماعات مع الوفدين، كل على حدة، وسلما مقترحات مكتوبة توطئة لطرح الورقة الموحدة حول وقف العدائيات وتوصيل المساعدات الإنسانية حسب المتحدث باسم وفد المفاوضات السفير “حسن حامد” للصحفيين، فإن الوساطة نظرت في الوثيقتين اللتين قدمتا من وفدي الحكومة الحركة، وخلصت يوم (السبت) إلى وثيقة موحدة توائم بين وجهتي النظر ومن ثم عرض الأمر على الوفدين، وقال إن (الوساطة كانت تسعى جاهدة لتقريب وجهات النظر.. وكان من المتوقع أن تخلص إلى وثيقة تجمع ما أمكن بين وجهتي النظر،
بينما أعلنت في وقت مبكر من بدء جولة التفاوض، الحركة الشعبية (شمال/ عقار)، عدم مشاركتها في جولة التفاوض، مؤكدة تلقيها دعوة من الوساطة الأفريقية للمشاركة في مشاورات بأديس أبابا، لكنها لن تلبها لتحفظات تتعلق بخارطة الطريق والنقصان الذي يشوب ترتيبات وقف العدائيات.
وحسب بيان للأمين العام للحركة، فإن (الحركة الشعبية تلقت يوم 28 يناير دعوة رسمية من الوساطة الأفريقية لحضور جولة مشاورات في أديس أبابا في الأسبوع الأول من فبراير الجاري)، وقد ردت الحركة ممثلة في رئيسها “مالك عقار” باعتذارها عن حضور جولة المشاورات لعدة أسباب، أهمها إعلانها بأن خارطة الطريق لم تعد صالحة. وحسب مراقبين فإن موقف الشعبية له علاقة مباشرة بالخلافات التي أدت لانقسامها مؤخراً، خاصة عندما طلبت الحركة من الوساطة الأفريقية أن تتخذ منهجاً جديداً لمعالجة القضية السودانية، من دون الاستمرار في المنهج القديم الذي لم يوصل إلى نتائج ملموسة، كما أنها دعت الوساطة لإتباع طريقة تخاطب الأزمة السياسية بشكلها الشامل تبدأ بمعالجة القضية الإنسانية كأولوية وكذلك خصوصيات مناطق الحرب، وعدت ذلك (مفتاحاً للحلول السياسية الدائمة لأزمات السودان)، وأعاب فصيل “عقار” وصول الدعوة إليه في وقت متعجل يصعب فيه على قيادة الحركة إكمال مشاوراتها الداخلية لتتمكن من المشاركة الفاعلة، كما أشار إلى أن الدعوة وصلت في وقت تشهد فيه الأوضاع السياسية تطورات كبيرة.
من جانب آخر، اجتمع فريق الوساطة أولاً بوفد الحكومة ثم التقى بوفد الحركة في مقر التفاوض، وفي وقت لاحق عقدت جلسة مشتركة بين الوفدين بحضور الوساطة، وقدم الطرفان مقترحات حول جدول الأعمال ورؤاهما حول خلافات الجولات السابقة لمواءمتها ثم رفعها في وثيقة واحدة، وأوضحت الحكومة أن الطرفين قدما كلٌ من منظوره كيفية المضي فى التفاوض، وأن الوساطة الأفريقية قامت بدراسة المقترحين والمواءمة بينهما، وطرحته في ورقة واحدة على الطرفين، في اجتماع يوم (الجمعة)، وكان الوفدان قد التقيا في جلسة مباشرة بحضور الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى بقيادة “أمبيكي”.
{ رجل المرحلة
الجدير بالذكر أن هذه المرحلة من التفاوض لأجل الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب الطويلة في المنطقتين يقودها رجل آخر، غير أولئك الذين أمضوا وقتاً طويلاً في المماطلة أثناء جولات التفاوض السابقة، حيث غاب وجه مألوف هو “ياسر عرمان”، ليصعد إلى قمة الأحداث الرجل ذو الطباع الهادئة “عبد العزيز آدم الحلو”، المنشق مؤخراً عن رفاقه في قطاع الشمال.
ويعدّ “الحلو” المولود بمنطقة الفيض أم عبد الله بجنوب كردفان المنحدرة أصوله من قبيلة “المساليت”، ونشأ وترعرع في جنوب كردفان وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بمدارس الدلنج، والثانوي بمدرسة كادوقلي الثانوية (تلو) التي أصبح فيها أول رئيس لاتحاد طلاب المدرسة، ومن ثم درس بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم، وعمل بعد تخرجه في الجامعة موظفاً مالياً وإدارياً بهيئة توفير المياه في الخرطوم. وفي جامعة الخرطوم تعرف “عبد العزيز الحلو” على المرحوم “يوسف كوة مكي” الذي كان يسبقه في الدراسة بنفس الكلية، وذلك عبر رابطة أبناء جنوب كردفان بجامعة الخرطوم التي كان يرأسها “يوسف كوة”، الذي قام بتجنيد “الحلو” في تنظيم “كمولو” النوباوي.
عندما اختار تنظيم “كمولو” طريق القتال والكفاح المسلح ضد حكومة الرئيس “النميري” وانضم هذا بعضويته للحركة الشعبية من خلال الاتصال الذي تم بين “يوسف كوة” ودكتور “جون قرنق”، عمل “عبد العزيز الحلو” وبالتنسيق مع دكتور “لام أكول” في جامعة الخرطوم على استقطاب أبناء “كمولو” وجنوب كردفان وتسفيرهم وإلحاقهم بصفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وقد قام “الحلو” ودكتور “لام” بعقد عدة اجتماعات في الخرطوم بين تنظيم (كمولو) والحزب القومي السوداني برئاسة “الفكي سليمان”، الذي كان ينوب عن الأب “فيليب عباس غبوش”، الذي كان رهن الإقامة الجبرية بمنزله بأمر الأجهزة الأمنية لنظام “نميري”.. ومن هنا بدأت مسيرة السياسي الهادئ، والمقاتل ذي العقلية الجبارة.. ولكن بعد خلافات بدأت منذ اتفاق (نيفاشا) للسلام وعودة الشعبية إلى الخرطوم، واستمرت لسنوات مكتومة حتى انفجرت مؤخراً وأسفرت عن انشقاق كبير غيّر موازين الأمور تماماً، تسلّم “الحلو” دفة المعركة واتجه بحركته صوب التسوية السياسية التي علق التفاوض حولها أمس الأول.
ويرى مراقبون أن شخصية “الحلو” السياسية تتسم بالمرونة الكافية لتجعله يصل إلى اتفاق سلام مع الحكومة وإنهاء جبهة جبال النوبة.
{
مبررات الفشل الدائم
يرى المحلل السياسي والباحث الأكاديمي “النور آدم” في إفادته لـ(المحهر) أن التفاؤل بنجاح جولات التفاوض قبل بدئها يقتضي وجود درجة من الإحساس بالمسؤولية من طرفي الصراع، مشيراً إلى وجود خلافات عميقة بين وفدي الحكومة والحركة منذ أن كان يترأسه “ياسر عرمان”، ما يجعل طرح أي منهما محل تشكيك الآخر، كما أشار إلى الإعداد الكامل لجولة المفاوضات الحالية، لافتاً إلى أن الوثائق المتبادلة كافة بين الطرفين حالياً (هي من الجولات السابقة)، موضحاً أن موقف وفد الحركة الداعي إلى الحوار حول القضايا القومية يكشف عن أن قطاع الشمال ما زال يتمسك بطرح قضايا لم يتوافق عليها في منبر أديس أبابا الحالي، مشيراً إلى أنه إذا لم تنجح الوساطة في تحجيم مطالب الحركة (فسيكون ذلك مؤشراً على لحاق كل الجولات القادمة بسابقاتها).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية