الخبير الاقتصادي دكتور “بابكر محمد توم” في حوار فوق العادة مع المجهر (1-2)
أفشل قطاع في الحكومة هو قطاع الصادر ومنذ بداية الإنقاذ
عربات “اللاندكروزر” والأثاثات الفاخرة يجب منعها نهائياً أو زيادة جماركها بنسبة (1000%)
دخول بنك السودان في سوق الذهب استثناء ويجب أن يشتري بسعر بورصة دبي (+10%)
الحظر الأمريكي لم يُرفع حتى الآن وبنك السودان يجب أن يكون مبادراً
رسم الخبير الاقتصادي دكتور “بابكر محمد توم” صورة قاتمة لمستقبل الصادرات السودانية، وحمل قطاع الصادر بالبلاد مسؤولية الفشل منذ بداية الإنقاذ وحتى اليوم، ودعا إلى ضرورة معالجة مشاكل الصادر حتى يستطيع حلحلة مشكلة قلة العملة الأجنبية. وانتقد دكتور “بابكر محمد توم” استيراد العربات الفارهة (لاندكروزرات – بكاسي دبل كاب) بملايين الدولارات ليستقلها عدد قليل من جملة المواطنين السودانيين، وطالب بمنعها نهائياً أو زيادة جماركها بنسبة (1000%)، وعدّ دخول بنك السودان في ميدان شراء الذهب أمراً استثنائياً أملته الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مشيراً إلى ضرورة أن يشتري بنك السودان الذهب بسعر بورصة دبي زائدا نسبة (10%)
حوار – وليد النور
{ كثر الحديث هذه الأيام عن حصائل الصادر.. ما هي حصائل الصادر وهل تعود بفائدة للحكومة أو المصدرين؟
_ أولاً حصائل الصادر تخص المصدرين، الذين صدروا سلعاً معينة وتحصلوا على عائد بالعملات الحرة (ريال، دولار ودرهم) ومفترض تنزل في حساباتهم في البنوك السودانية لتستغلها البنوك لاستيراد سلع مختلفة، هي ليست أموال البنوك، ولكن ملك أصحابها، ويفترض أنني كتاجر صدرت بـ(100) مليون دولار أدخل هذه المبلغ في حسابي، وبعد ذلك يمكن أن أبيعها لأي مصدر، لذلك هي ليست ملكاً للبنوك، ولكنها تساعد السودان ليستورد بها، بدل أن تحجز خارج البلاد، وأي صادر يفترض أن يرجع عائده إلى السودان، (في ناس أخروها وهذه مشكلة)، والبنوك يجب أن تحرص على أن يعيد أي مصدر تسجيل حصيلة صادراته.
{ ظهرت في الأيام الأخيرة محاسبة مسؤولين رفيعين في البنوك.. لماذا تزامن ذلك مع الأزمة الاقتصادية؟
_ البنك المركزي أصلاً مهمته حسن إدارة الأداء المصرفي ولديه إدارة مهمة اسمها “الرقابة على الجهاز المصرفي”، هو الذي يعين المديرين ويقيلهم، ويحاسب الموظفين وهذه عملية روتينية مستمرة. الآن ظهرت على السطح لأن بعض المسؤولين في بعض البنوك قاموا بعمليات غير سليمة، والبنك حاسبهم بموجب القانون.
{ لماذا لم يقدمهم للمحاكم؟
_ حسب المخالفة، قد يقدمهم للمحاكمة أو لا، لكن بعض المخالفات منصوص عليها في قانون تنظيم العمل المصرفي، قد لا تذهب القضايا إلى المحاكم، وقد تكون عقوبتها الفصل أو عقوبات أخرى، وهذه مسؤولية البنك المركزي وقام بها على الوجه الأكمل وهي مسألة مستمرة.
{ بعض الخبراء وصفوا الوضع الاقتصادي بالانهيار.. كيف تنظر للأمر من وجهة نظرك؟
_ أفتكر أن المشكلة انحصرت في عجز كبير في الميزان التجاري، ونحن صادراتنا ما زالت قليلة وهذه ليست مشكلة جديدة، نحن نصدر بـ(4) مليارات دولار، ونستورد بـ(10) مليارات دولار، وفي فترة كنا نصدر بأكثر من (10) مليارات، لأن الصادرات كان فيها البترول، ونستورد بأقل، وكان لدينا فائض في الدولار. وهذا عودنا على الاستهلاك والاستيراد.. والآن نسبة عالية من استهلاك المواطن السوداني مستوردة، وهذه لم نتخل عنها بعد ذهاب البترول.
{ مظهر الشارع يقول غير ذلك من خلال العربات باهظة الثمن؟
_ ما زلنا بلداً فقيرة نستورد أفخم العربات اللاندكروزرات والبكاسي الكبيرة، وأنا لا أتحدث عن النقل، بل عن العربات الخاصة.. وما زلنا نستورد أفخر الأثاثات من الصين وتركيا، ويمكن نحن أكبر بلد في المنطقة تستورد المكيفات الفريون، وهذه غير أنها غالية، فهي مكلفة في استهلاك الكهرباء، وهذه أشياء لا تناسب طبيعة اقتصادنا.. وهذا أكبر مستهلك للدولار.
{ لكن بعض السلع تم حظرها.. لماذا؟
_ نعم.. الدولة حظرت الفواكه واللحوم والطيور.. وأفتكر العربات الفاخرة والأثاثات والمكيفات المستوردة بأنواعها، وبعض الأشياء الكمالية يجب على الدولة إما أن تمنعها نهائياً أو ترفع الجمارك عليها بنسبة (1000%)، لأننا لو نظرنا سنجد أن هذه السلع أكبر مستهلك للدولار، ونحن نحتاج للدولار لجلب القمح والوقود، وأنا أفتكر أن هذا فيه نوع من (الفشخرة) التي لا تناسب طبيعتنا وقلة الإنتاج الوطني.. لدينا إنتاج جياد، والرئيس ذكر من قبل أن نركب عربة (آكسنت).. ونحن قتلنا النجارين بالنسبة للأثاثات، وقتلنا الصناعة الوطنية من مكيفات المياه، هذه ليست إمكاناتنا، ومفترض السلع المحظورة تضاف عليها هذه السلع، أو ترفع الجمارك لدرجة تصعب من استيرادها.
{ لكن الرئاسة والأجهزة السيادية والأمنية تعدّ أكبر مستورد للعربات والأثاث الفاخر؟
_ يفترض أن تبدأ الدولة بنفسها، والرئيس من قبل ذكر هذا الكلام، وهذا حدث في بعض الدول، جمعت كل العربات الفاخرة وباعتها.. أفتكر حقو نوقف استيراد هذه السلع أو نرفع الجمارك، لدرجة تصبح معها غير ممكنة الاستيراد.. صحيح عربة اللاندكروزر الآن جماركها (3) ملايين، حقو نرفعها إلى (10) ملايين، حتى لو كان من يستهلك واحداً في الألف، وأنا.. لماذا أترك ألف شخص يريدون (500) مليون دولار ليستوردوا بها العربات، وأترك ألف شخص يحتاجون لـ(500) مليون دولار يستوردوا بها الأثاثات، وأترك ألفاً آخرين يستوردون مكيفات (اسبلت)؟ يعني قريب الـ(2) مليار تُستهلك في هذه الأشياء! فهل هذا عقلاني؟! أفتكر الدولة محتاجة تتجه اتجاهاً مصوباً نحو أشياء باذخة يستخدم في الحصول عليها الدولار.
{ يقال إن بنك السودان فشل بعد رفع الحظر الاقتصادي في السيطرة على سعر الدولار ولذلك تضاعف بنسبة (100%).. ما حقيقة الأمر؟
_ طبعاً الحظر حتى الآن لم يُرفع، وأنا أفتكر أن على بنك السودان مسؤولية كبيرة في ضبط الأسعار واستقرارها.. أعتقد هذا من المؤشرات التي يجب أن يهتم بها، هو لديه إدارات بحوث ومعلومات، ويجب أن تكون لديه مبادرات، ولا ينتظر التوجيهات العليا، ويفترض تكون لديه دراسات وبحوث ومعلومات ومعرفة باتجاهات الطلب ويحاول استهدافها.. ثانياً، يجب أن يقلل من عرض النقود للمستوى المطلوب، لأن الناس يقولون إن هناك سيولة زائدة في الاقتصاد، ونتمنى أن يركز أكثر على الجهات التي تطلب كميات كبيرة من الدولار للاستهلاك غير الضروري.
{هل أصبح بنك السودان تاجراً في الذهب كما يقول بعض العاملين في المجال؟
_ بالنسبة للذهب.. نحن الآن في ظروف استثنائية، لو كانت الظروف الاقتصادية مستقرة فإن الذهب يفترض ألا يباع. ويجب أن يوضع كاحتياطي، كل البنوك العالمية لديها احتياطي، لكن الآن البلد محتاجة لعملات حرة، إذا كان الناس يصدرون الذهب ولا يحضرون الدولار، كيف لا يتدخل بنك السودان؟ هذا تدخل. وليس في الوضع الطبيعي، في الوضع الطبيعي بنك السودان ينسحب من شراء الذهب، لأن الذهب مثل البترول، ونحن لدينا أفشل قطاع هو قطاع الصادر. ومنذ بداية الإنقاذ حاولت تحيي مجموعات للصادر ولم تستطع، الحكومة ما بتعرف تصدر، والآن هناك تجار يصدرون ولا يحضرون العائد.
{ ما هو السبب؟
_ السبب أن السعر الذي يبيع به العائد غير مجزٍ، لذلك يحجز في الخارج أو خارج إطار المصارف، يفترض أن يكون هناك حافز أكبر للمصدرين، وأنا أضرب لك مثلاً بالصينيين، قالوا عندما تدخل في صادر جديد، مثلاً، بمبلغ مليون دولار، الرئيس يطلبك ويعطيك مليوناً آخر، مفروض الدولة تساعد المصدرين أكثر، ومفروض تسهل لهم، لأن تكلفة الإنتاج غالية. وهي لا تغطي معهم، يجب ابتداع وسائل تحفيز مباشرة بمقابل نقدي، أو حافز إضافي، وما زالت سياساتنا الموجودة ليس فيها حوافز كثيرة للصادر.
{ تجار الذهب شكوا من موظفي البنك المركزي وقالوا إنهم يضعون السعر بعد الساعة الثالثة.. ما تعليقكم؟
_ طبعاً يفترض أن يشتري كل الكميات.. هذه توجيهات له، ويفترض أن يجاري السوق.. أنا اقتراحي أن يعطي سعر دبي زائدا (10%)، يجب أن يجاري السوق. يدفع السعر الماشي، وزيادة، يجب أن تشتري منه بإحسن من سعر دبي، والبنك لا يشتري الذهب حتى يربح، ولكن حتى يتحصل على الدولار فقط، ولا يربح في المنتجين لأنه لو ربح فيهم سيبحثون عن وسائل أخرى.
{ تجار الذهب يشكون– أيضاً- من نسبة الـ(50%) التي وضعت على الذهب المراد تصنيعه في الخارج؟
_ أفتكر أن على تجار الذهب أن يتشاوروا مع البنك المركزي، حتى لا يكون هنالك ضيم أو ظلم واقع عليهم لأن هذا يشجع التهريب، والتجار المتعاونون مع البنك يجب أن يحفزوا.
{ نسبة التضخم الحالية غير حقيقية؟
_ في واحد أمريكي قال النسبة (122%) وإن السودان أعلى بلد بعد فنزويلا.. وطبعاً.. هذه المسائل فيها اختلاف، ويجب أن تكون هناك أجهزة متخصصة ترصد هذا الأمر.. أنت لا تأخذ التضخم اليوم فقط، لكن تأخذ المتوسط لفترة محددة، نحن لا نستطيع أن نقول كم، إلا بعد أن تصدر معلومات من الجهاز المركزي.. لكن بالتأكيد التضخم مرتفع.