مسامرات
خليفة الحوت
محمد إبراهيم
{ يستعد (الحواتة) بجميع مسمياتهم يوم غد للاحتفال بالذكرى الخامسة لرحيل نجمهم المحبوب الذي رحل في ذروة عطائه.. وهذا الاحتفال الذي هو الأول من نوعه ليس في السودان فحسب ولكن أظنه في العالم، يثور معه سؤال جدلي عن إمكانية وجود نجم غنائي بذات المواصفات التي كان يتمتع بها الراحل.
{ هذا السؤال ربما تردد كثيراً خلال.. تردد وفي بال الناس أن ثمة إجابة كافية شافية قد تزيل عنهم اللبس الذي عانوه جراء رحيل أكثر المطربين شعبية خلال السنوات الأخيرة.
{ البعض يرى أن السؤال في حد ذاته يطوي بين جنباته ألغاماً ومناطق يحظر الاقتراب منها، لأن في عرف (الحواتة) أن “محمود عبد العزيز” يصعب الاقتراب من مملكته التي بناها عرقاً وكداً وغربة وتشريداً.. وأنهكت جسده النحيل الضربات المتتالية والموجعة من أصدقائه قبل أعدائه.
{ عُرف (الحواتة) لا يقر بسوى “محمود” قادر على أن يحملهم على عاتق صوته وصياغة أحلامهم وأوجاعهم وآلامهم.. ولكن سنّة الحياة تأبى أن يستمر الحال على ما كان عليه.. تفرض الحياة منطقها رغم قسوته في كثير من الأحيان تفرضه سواء رضينا أم أبينا.. تفرض التغيير إذا كان من الأسوأ للأفضل أو العكس.. ويظل الناس يدورون في تلك الحلقة، تحملهم حيناً إلى الفرح وأحياناً أكثر إلى التكدر والرهق.
{ (الحوت) الذي شغل الناس كثيراً.. هو الآن بين يدي رب كريم قادر على أن يبدله داراً غير التي كان فيها.. وأثير السؤال الأكثر إلحاحاً بعد ذلك عمن يملك مقومات (النجم) الشبابي القادر على سد (الفرقة) التي خلفها رحيل “محمود”.. وتداعى وقتها إلى أذهان الناس كثير من الأسماء التي تملك الموهبة اللازمة.. وتملك الإمكانات التي تؤهلها لتحشد حولها عدداً لا بأس به من المعجبين، ولكن هل من الممكن أن يصل أحدهم إلى ما وصل إليه “محمود”؟
{ هذا هو السؤال الأكثر إلحاحاً الآن في الساحة الفنية.. جمهور “محمود” لا يكف حتى الآن عن ترديد (ما بطيق لغيرو أسمع). ولم تنقطع صلته بنجمه المحبوب لأن علاقة الاثنين لم تكن قائمة على شكل فنان ومعجبيه، ولكن (الحوت) كان يأكل معهم ويسامرهم في الأمسيات ويقضي حاجات أغلبهم، وكان باب منزله مفتوحاً على مصراعيه لكل أصدقائه في كل وقت وأوان، رغم نجوميته الطاغية التي لم يصلها أي فنان قبله، وهو ما جعل (الحب) السري يتمدد حتى الآن ويعمل جمهوره على إحياء ذكراه بتلاوة القرآن والمساهمات الاجتماعية والإنسانية.
{ ورغم كل ذلك، فلابد أن يأتي الدور على (نجم) متجاوز حتى ولو بعد حين، يملك سطوة امتلاك قلوب الشباب مثلما كان (الحوت) آمراً بـ(الحب) عليهم.
{ ثمة أصوات شبابية بدأت تظهر في الساحة بقوة.. أكثرها الآن تأثيراً هو فنان الطنبور “محمد النصري” الذي تجذب حفلاته آلاف الشباب، وهو ما لفت الأنظار إليه بقوة وجعل الشركات تتسابق لكسب توقيعه، ويمكن أن تكون ذات المعاني والأفكار التي كانت مضمنة في أغاني الراحل (الحوت) دق على إيقاعها “النصري”.
{ لكن يبقى الكثير من المشوار أمام “النصري” ليصبح النجم صاحب الكاريزما التي كان يمتلكها “محمود”.
{ هناك بعض الفنانين يمكن أن يكونوا مؤثرين لما يملكونه من موهبة و(جمهور مخزن) يمكن أن يتضاعف في حال تعاملوا مع مواهبهم بالتزام وجدية، ومنهم “طه سليمان” الذي يمضي بخطوات جيدة رغم هناته.. و”جمال فرفور” و”حسين الصادق”.. لكن أن يصل كل هؤلاء إلى المرتبة التي نالها (الحوت) فذاك ما لا يمكن التكهن به، وهو مرهون بظروف كثيرة أولها (صدقهم مع جمهورهم) الذي كان أبرز صفات (الحوت).