مصر والسودان مراجعات لا بد منها
فاطمة مبارك
رغم الحديث عن أزلية العلاقة بين مصر والسودان لكن ما يحدث فعلياً من جانب الحكومة المصرية تجاه بعض الملفات السياسية التي تخص البلدين، يدعو إلى مراجعة هذه العلاقة والنظر إليها وفق ما يدور ويحدث، وما حدث خلال الأيام الماضيات كافٍ لتقييم هذه العلاقة التي يريدها الاعلام المصري أن تكون متأزمة بينما حاول السودان مرات عديدة تجاوز ما يحصل من قبل مصر، فإعلامها تعود على إساءة السودان لدرجة دعت وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” في وقت سابق، إلى وصف ما ينشر في الصحافة المصرية بالغريب، وقال إذا أخذت حكومة السودان ما يكتب محمل الجد، سندخل فيما لا نريد لكن لا نأخذها بجدية ونعتمد فقط على المواقف الرسمية، لكن هل التزم الجانب الرسمي المصري بما يساعد على متانة العلاقة بين السودان ومصر؟
حديث الرئيس “البشير” في مايو 2017 أجاب على هذا السؤال الذي ظل مطروحاً منذ فترة طويلة حينما أكد وقتها في كلمة له بمناسبة تكريم قدامى المحاربين، أن قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية صغيرة استخدمها متمردو دارفور في الهجوم على ولايتي شرق وشمال دارفور، مؤكداً حينها أن القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان وليبيا على متن مدرعات مصرية، وقال قاتلنا (17) عاماً ولم تدعمنا مصر رغم أننا حاربنا معهم في أكتوبر 1973، وكان لافتاً هذا الحديث الذي جاء على لسان أعلى سلطة في الدولة وهو الرئيس “عمر البشير” كما كانت المرة الأولى التي تتهم فيها الخرطوم مصر صراحة.
وزير الخارجية “إبراهيم غندور” من جانبه رفض التراجع عن تصريحات حول تورط مصر في نزاع دارفور، مما يشير إلى رفض السودان لهذا السلوك المستغرب، لكن يبدو أن سلطة مصر سعت لإخراج السودان من مفاوضات سد النهضة حسب ما تم كشفه من جانب أثيوبيا التي رفضت قبول هذه الخطوة، تريد فتح جبهة جديدة في إريتريا تحاول عبرها تكرار موضوع دعم الحركات المسلحة كما فعلت في دارفور، وحسناً فعل السودان باتخاذه إجراءات إغلاق الحدود مع إريتريا بجانب إعلان التعبئة العامة.
الطريقة التي تتعامل بها السلطات المصرية مع السودان ابتداءً بقضية حلايب السودانية ومروراً بقضية سد النهضة التي ظهرت للعلن من جديد بعد أن قال “إبراهيم غندور” وزير الخارجية في تصريحات رسمية، إن مصر استخدمت لسنوات طويلة جزءاً من حصة السودان ومنزعجة لأنها ستخسر تلك المياه عند اكتمال بناء سد النهضة لكونه سيمكّن السودان من حصته بالكامل، بجانب موضوع جزيرة سواكن الذي أثاره الجانب المصري مؤخراً عقب زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وحديثه عن تطوير سواكن، واتخذته مصر مدخلاً لتأليب بعض دول الخليج على السودان.
ما جرى خلال الشهور والأيام الفائتة، يؤكد ضرورة إجراء مراجعات في ملفات وقضايا أساسية ومهمة، ومن بين القضايا التي ينبغي أن تعطى أولوية في هذه المراجعات إلى جانب ما ذكرناه، اتفاقية الحريات الأربع لمعرفة ماذا جنى السودان من هذه الاتفاقية وكيف تعاملت الحكومة المصرية معها خاصة أن هذه الاتفاقية مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وخلال هذه الفترة التزم السودان بتنفيذ الاتفاقية فيما ظل الجانب المصري يتنصل من تطبيق أهم بنودها، وكان ذلك واضحاً في كثير من الممارسات التي تمثلت في القبض على المعدنين ومصادرة ممتلكاتهم ولا زال بعضهم في السجون المصرية، ورغم كل المحاولات التي قام بها السودان مع النظام المصري لكن لم تجد أذناً صاغية، كما قامت السلطات المصرية خلال العام 2017 بإرجاع سودانيين من مطار القاهرة، وكان مفاجأة توقيف سلطات الأمن المصري بعض الصحفيين السودانيين وإرجاعهم السودان دون مراعاة ظروف أسرهم الصحية، وهذا كله يدخل ضمن اتفاق الحريات الأربع.
وعلى ضوء هذه التجاوزات كيف يستقيم أن نصف العلاقة مع مصر بأنها تاريخية وأزلية، لكن بالمقابل تظل علاقة الشعوب مرتبطة بالتاريخ والجوار ولن تتأثر بممارسات السياسيين في مصر.