* ميل مصري للتهدئة في ظل صمت سوداني يلفه الغموض!
* ماوراء استدعاء سفير السودان في القاهرة..، ثم ماذا بعد؟!
* الحكومة تؤكد متانة العلاقة مع إريتريا وتنفي إغلاق المعابر الحدودية
# تقرير-ميعاد مبارك
رغم الحرص السوداني على توصيف العلاقات مع القاهرة بالخط الأحمر ، في ظل الصعود والهبوط المستمر في العلاقات بين البلدين، إلا أن السودان هذه المرة استدعى سفيره هناك “عبد المحمود عبد الحليم” للخرطوم للتشاور الأسبوع الماضي، لأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدين ، وربما في تاريخ الديبلوماسية السودانية ،فما مغزى ودلالات التصعيد في هذا التوقيت وما هي أسبابه ،وفي المقابل ما سبب صمت الحكومة المصرية ..؟
وهل يمكن قراءته كاتجاه للتهدئة ؟وهل ستقف خطوة السودان عند الاستدعاء وإرسال الرسائل التي ينطوي عليها الاجراء وغيره من إشارات ؟ وما علاقة سد النهضة بالتصعيد الأخير، وما موقع حلايب من هذا الزخم؟ أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة، حول اتجاه سير العلاقات بين الجارتين !
تقرير-ميعاد مبارك
مصدر دبلوماسي عليم رفض ذكر اسمه قال لـ (المجهر) ، إن استدعاء سفير السودان في القاهرة للخرطوم هو رسالة رفض وعدم رضا عن مواقف الجانب المصري تجاه السودان، السياسية والإعلامية ، وتعاونه مع بعض المنظمات للإضرار بالخرطوم ، فضلاً عن تحركات القاهرة العسكرية في أرتريا ، ومحاولة زعزعة أمن السودان عبر تشاد، وأهمها الموقف المصري الأخير ، فيما يلي سد النهضة ،وأكد المصدر إن نفي القاهرة لا يعني بالضرورة أنها لم تفعل.
# صمت مصري
ولعل اللافت في التداعيات الأخيرة هو الصمت المصري والميل للتهدئة ،وفي هذا يرى مصدر (المجهر) إن السياسة المصرية تعتمد التصعيد وفي حال تصعيد الآخر تميل للتهدئة، مشيراً إلى أن مصر في الوقت الراهن يجب أن تسعى للتهدئة ،لأن لديها عدد من المصالح المشتركة مع الخرطوم، وإن توتر العلاقات بين البلدين سيؤدي إلى خسائر مشتركة ، وإن القاهرة خاصة فيما يلي سد النهضة تحتاج وبشدة لوجود السودان على طاولة المفاوضات ، لأن انسحابها منها قد يعني انسحابه من اتفاقية مياه النيل والتوقيع على اتفاقية عنتبي ، والذي يناقض المصلحة المصرية ،وأضاف قائلاً: (الدعوة المصرية للأثيوبيين بإبعاد السودان المقصد البعيد منها أن تستميل القاهرة إثيوبيا ، وتمنعها من الإصغاء للخرطوم، لتخوفها من حلف سوداني -أثيوبي، ولكن لو عدنا للخلف فالسودان ساعد مصر كثيراً فهو الذي جعل أثيوبيا تعترف باتفاق مياه النيل).
وفيما يلي دعم مصر لإرتريا ، أكد الدبلوماسي إن ارتريا لن تدخل نفسها في حرب مع السودان أو أثيوبيا ،لأنها تعاني في نفسها ولن تخاطر وتستعدي إثيوبيا أو السودان ،وكانت الحكومة قد أكدت أمس على متانة العلاقات السودانية – الارترية ونفت إغلاق المعابر الحدودية بين البلدين.
وأضاف (فيما يخص الملف الليبي ليس من مصلحة القاهرة التي تدعم “حفتر والذي يدعم الحركات المسلحة ، أن يتدخل السودان الداعم للحل السياسي عسكرياً هناك).
وانه ليس من مصلحة مصر التصعيد في حلايب.
#تهدئة
الدبلوماسي شدد على إن المصالح المشتركة وعلاقات الجوار ستقود في النهاية للتهدئة، وعودة “عبد المحمود” للقاهرة ،وأن موقف السودان الأخير الهدف منه إيصال رسالة عدم رضا للقاهرة ،مشيراً إلى إن الرسالة قد وصلت وأن البلدين سيصلان لنقطة التقاء لأن الجارتين تتأثر مصالح إحداهما بالأخرى.
و ليس من مصلحة البلدين التصعيد لأنهما منهكين اقتصادياً وسياسياً.
فضلاً عن تعارض مصالح مصر مع التصعيد الذي قد يؤدي إلى إغلاق المعابر بين البلدين والتي تدر أرباحاً كبيرة على القاهرة.
ورجح الدبلوماسي عدم تطور الاستدعاء للسحب، لأن ذلك سيقتضي حسب العرف الدبلوماسي استدعاء القاهرة لسفيرها وسحبه .
# نظرة للوراء
وبالرجوع لتاريخ العلاقات بين البلدين ،رغم الصعود والهبوط المتوالي في العلاقة المتأرجحة بين البلدين فلم يتم استدعاء سفير السودان هناك إلا مرة واحدة قبل الاستدعاء الأخير “لعبد المحمود” ،و كانت الخرطوم قد استدعت في العام 1993 سفيرها في القاهرة، وقتها “عز الدين حامد” اعتراضاً على دعم القاهرة للحركة الشعبية والراحل “جون قرنق” ولم يعد “حامد” للقاهرة بعدها، إلى أن تم تعيين السفير “أحمد الطيب الكردفاني” ، أما في العام 1995 فبالرغم من الاعتداء على الرجل الثاني في سفارة السودان هناك السفير “بشير محمد” إلا إن البلدين تداركا الموقف ولم يتطور لاستدعاء.
#ضبط نفس
الملحق الإعلامي السابق للسودان في القاهرة الأستاذ “عبد الرحمن إبراهيم” قال لـ (المجهر) إن السودان مارس أقصى درجات ضبط النفس فيما يلي المواقف المصرية ،مؤكداً إن القشة التي قصمت ظهر البعير هي الطلب المصري من أديس أبابا بإقصاء السودان من الاتفاق، ومحاولاتها المستمرة لتسييس الحقائق الفنية وفرض تبعية الخرطوم للموقف المصري فيما يلي سد النهضة،لافتا إلى أن نفي القاهرة لطلبها من أديس أبابا دلالة على التخبط المصري الذي لم يتوقع أن تسرب إثيوبيا ما دار بين وزير خارجيتها ونظيره المصري ،حيث لا تثق إثيوبيا في مصر ،وبالتالي حسب رأي “عبد الرحمن” فإن القاهرة لم تدرس خطتها جيداً وإن الاستراتيجية المصرية التي تعتمد إضعاف الجيران ( مصر قوية، مقابل سودان وإثيوبيا ضعيفين) ، سياسة غير واعية وستقحمها في المزيد من العداوات واصفاً طلب القاهرة من أديس الغريب الذي ينسف تاريخ الاتفاقيات المبنية على التعاون المشترك وعدم الإضرار بالآخر،وأضاف المتحدث إلى أسباب الموقف السوداني الأخير ما اسماه تدخل القاهرة في السياسية الخارجية للسودان واخرها موقفها من زيارة اردوغان للبلاد .
وأكد “عبد الرحمن” إن السودان من جانبه احترم العلاقات الخارجية للقاهرة ولم يتدخل فيها على عكس القاهرة.
#ارتباك
ويرى المتحدث إن الصمت المصري لا يعني بالضرورة الميل للتهدئة ولكن هو لتقييم القرارات المصرية الأخيرة وموقفها الحالي والذي يعكس ربكة الحكومة هناك ، ونحا المتحدث إلى الميل إلى خيار التصعيد مؤكداً إن القاهرة غير حريصة على عدم التصعيد وتوقع إن يكون للموقف السوداني ما بعده وتوقعه بتجميد لجان التشاور المشتركة بين البلدين.
إلا أن “عبد الرحمن” أكد إن الاستدعاء لن يتطور لسحب لسفير الخرطوم في القاهرة.
# دراسة موقف
لعل اللافت أن الخارجية السودانية بعد إعلانها لاستدعاء سفيرها في القاهرة نحت للصمت وعدم التوضيح أو التعليق في وقت التزمت القاهرة الصمت أيضاً ما خلا بعض التسريبات الإعلامية على لسان مصادر بالخارجية المصرية أن مصر لن تتعامل بالمثل وتستدعى سفيرها في الخرطوم وان القاهرة تعمل على تقييم الموقف بشكل متكامل وستدرس الموقف من جميع الاتجاهات ولتتخذ قرارها في الصدد ، وأكدت التسريبات الإعلامية إن سفارة الخرطوم في القاهرة قد تلقت إخطاراً رسمياً من الخارجية السودانية بقرار استدعاء “عبد المحمود”.
وكان الإعلام المصري أيضاً قد قال نقل عن مصادر أن السفير “عبد المحمود عبد الحليم” سيعود للقاهرة يوم الثلاثاء، فهل تصدق مصادر القاهرة أم أنها إشارات لميل الحكومة هناك للتهدئة؟
وهل الصمت السوداني يعكس التوجه لعدم التصعيد لا أكثر من استدعاء السفير عبد المحمود؟
الواضح للمطلع على المشهد آن الحذر سيد الموقف وان الجارتين حريصتان على عدم فرط عقد العلاقات رغم بوادر الأزمة!
فما الذي يحمله الغد لمستقبل علاقات الجارتين، وهل تعود المياه لمجاريها أم أن السد سيقف حاجزاً دون ذلك؟!