`رئيس حزب الامام الصادق المهدي في حوار الاستقلال مع (المجهر) 2-2
الرئيسان “نميري” و”البشير” عرضا عليّ المشاركة في الحكم و”الترابي” عرض تقاسم السلطة معَه
هذه حقيقة علاقة “محمد أحمد عمر” بقيادات حزب الأمة وهذا (….) ما قاد إسرائيل لدعمه مالياً
هذا (….) ما نقله “عمر” للإسرائيليين ولهذه الأسباب استغل اسم سكرتير الجبهة الاستقلالية
الاستقلال كان مُبرأ من أي عيب وهذه هي (….) الأخطاء التي ارتُكبت في تلك الحقبة…!!
مقدمة:
بالرغم من الكتابات العديدة والوثائق التي أرخت لاستقلال السودان في العام 1956م، لكن جرت العادة أن يتسابق الإعلام المحلي بأنماطه المختلفة لإحياء الذكرى من خلال الحصول على تفاصيل ما جرى من شهود على العصر من رموز البلاد في مرحلة الترتيبات الأولى التي سبقت إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955 التي شهدت اختلافات كبيرة حول خيار الاتحاد مع مصر أم أن يكون السودان للسودانيين، وفي النهاية تخلى الزعيم “إسماعيل الأزهري” تقديراً لرغبة الشعب بعد طوافه على مناطق السودان عن فكرة الاتحاد مع مصر.. (المجهر) أرادت التعرف على أدوار الأحزاب والمثقفين في تلك الفترة، وكيف تم الاتفاق في اللحظات الأخيرة بين حزب الأمة و”إسماعيل الأزهري” على تحقيق شعار (السودان للسودانيين)، وهل فعلاً قرر البريطانيون العودة إلى بلدهم أم أنهم رحلوا نتيجة المقاومة التي وجدوها، من خلال الاستماع إلى شخصيات عاصرت فترة مقاومة الاستعمار إلى أن تحقق الاستقلال، أو زعيم كان بمثابة شاهد عيان على ذلك اليوم التاريخي، وبمناسبة مرور الذكرى الثانية والستين لاستقلال السودان جلست (المجهر) مع رئيس حزب الأمة وإمام الانصار السيد “الصادق المهدي” الذي كان حينها طالباً في الجامعة ليروي لنا شهادته في تلك الحقبة لا سيما أن حزب الأمة وآل بيت “المهدي” كانت لهم أدوار فاعلة وثقها التاريخ، والجدل الذي أثارته علاقة “محمد أحمد عمر” بقيادات حزب الأمة ومسؤولين إسرائيليين، وحقيقة لقاءات قيادات سودانية بدبلوماسيين إسرائيليين في حقبة الخمسينيات، وما أثير عن تمويل لشخصيات نظير خلق علاقة لحزب الأمة بالكيان الصهيوني.. فماذا قال؟
حوار ــ فاطمة مبارك ــ مهند بكري
{ هناك كتابات تحدثت عن زيارة السيد “عبد الرحمن المهدي” لإسرائيل.. ما ردكم؟
_ قصة إسرائيل في رأيي ببساطة شديدة ترجع للعداوة بين حزب الأمة والمصريين التي وصلت درجة كبيرة وقتها وأصبحوا يرون أنهم يجب أن يستأصلوا حزب الأمة، مع أنهم عندما تفاهم معهم حزب الأمة وحصلت اتفاقية (المهدي- نجيب) حزب الأمة وقع مع المصريين اتفاقية سموها اتفاقية (الجنتل مان)، معناها ببساطة أن حزب الأمة يسعى للاستقلال، وكان الشرط أن مصر لا تتدخل في النزاع السوداني.
{ هل التزمت مصر؟
_ مصر خرقت الاتفاقية وجمعت الأحزاب الاتحادية في القاهرة ودعمت الحزب الوطني الاتحادي بالمال السخي، لدرجة كشف عنها الشخص الذي أُمن صندوق الحزب الوطني الاتحادي المرحوم “خلف الله الحاج خالد” وعندما حصل هذا أصبح هناك ناس داخل حزب الأمة يفكرون بمنطق لماذا لا نتعاون نحن مع أعداء مصر، وهذا ما جعل واحداً مثل “محمد أحمد عمر” يقترح ذلك اللقاء، وهو لم يكن حزب أمة، ولكن كانت لديه صداقة مع الإمام “الصديق” ومع قيادات حزب الأمة، وهو في رأيي التقى السفير الإسرائيلي في أديس أبابا أولاً، وعملوا له ترتيباً للقاء السكرتير الأول للسفارة الإسرائيلية في لندن “مردخاي جازيت”، و”عمر” بدوره اتصل بالإمام “الصديق” الموجود وقتها ببريطانيا في رحلة لتسويق قطن الدائرة، فاقترح له الأول أن يلتقي بالمسؤول الإسرائيلي وحصل اللقاء.
{ إلى ماذا أفضى؟
_ الحكومة البريطانية والحكومة الإسرائيلية نفسها قالت هذا اللقاء لا يمكن أن يمضي إلى الأمام لأن حزب الأمة لا يمكن أن يبيع الموقف الوطني العربي لصالح أي اتفاق مع إسرائيل، لذلك هذا الكلام ليس لديه مستقبل، وإن كان “محمد أحمد عمر” يقول كلاماً مختلفاً إن اللقاء مع “الصديق” ممكن يمضي للأمام لمستوى يحصل فيه تفاهم مع إسرائيل، في مواجهة منع التدخل المصري في الشؤون السودانية، عندما التقوا مع السيد “الصديق” قالوا له إذا حزب الأمة يريد تفاهم معنا ينبغي أن تكتبوا لنا هذا الموضوع.
{ حزب الأمة كتب لهم؟
_ طبعاً حزب الأمة كان لا يريد ذلك، ولم يسعَ لهذه العلاقة وبالتالي السيد “الصديق” عندما جاء ألغى أي كلام ورفض أي رد للإسرائيليين والموضوع مات.
{ ما حقيقة ما أثير عن تسلّم حزب الأمة أموالاً من إسرائيل بواسطة “محمد أحمد عمر”؟
_ نعم.. هم أعطوا تمويلاً لـ”محمد أحمد عمر” وهو أوهمهم أنه يستطيع أن يجر حزب الأمة لعلاقة خاصة مع إسرائيل، هذه المسألة فشلت تماماً، ليس فشلت فقط ولكن تقدير السفارة الإسرائيلية نفسه أن هذا الكلام الذي يبيعه “محمد أحمر عمر” واهم، لأن حزب الأمة لا يمكن أن يبيع القضية، لكن في رأيي أن “محمد أحمد عمر” بما لديه من علاقات مع حزب الأمة سوّق نفسه بمفاهيم واهمة، واعتقد أنه حسب العداوة بين مصر وحزب الأمة يمكن أن يبرم حزب الأمة علاقة خاصة بإسرائيل، لكن هذه المسائل كانت وهمية وماتت ولم يحصل بعد ذلك أي كلام من الإمام “الصديق” في هذا الموضوع، والوثائق موجودة.. لذلك أقول لك اللقاءان انحصرا في لقاءات فردية.. يعني صحيح تمت لقاءات لكن لم تحصل متابعة، لماذا؟ لأن هذه اللقاءات كانت معزولة وليست بقرار من الحزب.
{ حزب الأمة لديه دور في الاستقلال لكن لم نسمع بدور للسيد الوالد “الصديق” في الاستقلال؟
_ السيد الوالد كان رئيساً لحزب الأمة، وحزب الأمة كان قائد الجبهة الاستقلالية، لكن عندما جاء تعيين زعيم المعارضة تم اختيار السيد “محمد أحمد محجوب” مع أن السيد “محمد أحمد محجوب” كان استقلالياً ولكن لم يكن حزب أمة، ولكنهم أيدوا ترشيح شخصية مواجهة لـ”الأزهري” وهذا ما حدث، مع أنه لم يكن في ذلك الوقت حزب أمة، وهذه واحدة من المشاكل.
{ أي مشاكل؟
_ “محمد أحمد عمر” تكلم مع الإسرائيليين على أنه هو سكرتير الجبهة الاستقلالية، وهذا كان غير صحيح السكرتير كان “محمد أحمد محجوب”.. هذه كانت من الأكاذيب التي قيلت، والجبهة الاستقلالية كانت مجموعة أحزاب فيها الجبهة المعارضة للاستعمار وحزب الشريف “الهندي” وحزب الوطن، وهي كانت أكبر من حزب الأمة وحده، وفي رأيي حزب الأمة لعب دوراً مهماً، لكن أعتقد أن والدي كانت أغلب أدواره تقوم في إطار أنه اليد اليمنى لأبيه الإمام “عبد الرحمن”، وأنا كتبت كتيباً اسمه (جهاد في سبيل الديمقراطية) فيه دور الإمام “الصديق”، وكان في الحقيقة دور الإمام “الصديق” كرئيس لحزب الأمة ويد يمنى لوالده، وهذا ظهر عندما حصل انقلاب (17 نوفمبر)، لأنه إلى أن قام الانقلاب الإمام “عبد الرحمن” كانت كل قراراته تأتي عبر حزب الأمة، وهو أصدر بياناً بأنه ليس لديه فيتو على قرارات حزب الأمة وهو يتخذ قراراته وحده، ولكن الذي حدث أن الإمام “عبد الرحمن” بمجهود من المرحوم “عبد الله خليل” أيد الانقلاب، الانقلاب هذا كشف لنا إلى أي مدى كانت قرارات الإمام “عبد الرحمن” دائماً منسقة مع الإمام “الصديق”، لكن في هذه لم تكن منسقة، لذلك الإمام “الصديق” جاء غاضباً من الخارج وقال: لازم نلغي هذا الانقلاب الآن، ولكن الانقلاب كان قام وانتهى، لذلك هو عدّ هذا الانقلاب طعنة له من الخلف.
{ لكن هو لم يكن انقلاباً وإنما تسليم؟
_ هو تسليم.. “عبود” قال أنا ما كنت سأعمل انقلاب لولا طلب رئيس مجلس الوزراء، لكن العلاقة بين الإمام “عبد الرحمن” والإمام “الصديق” علاقة مشتركة، وكان هو يلعب دور اليد اليمنى لوالده، وهذا كتبه الإمام “عبد الرحمن” في وصيته، لكن للأسف في هذه اختلف، وهذه أظهرت لنا بوضوح كيف أنه اعترض على البيان الذي أصدره والده عن الانقلاب.
{ يقال إن هناك خلافاً بينك وبين “محمد أحمد المحجوب” ما طبيعته؟
_ تعرفين يا استاذة أصلاً ما كان بيني خلاف والسيد “محمد أحمد محجوب” وأنا لم أكن في البرلمان أصلاً، هو كان رئيس الوزراء وكان قد انضم لحزب الأمة ولم تكن هناك مشكلة، المشكلة نشأت بينه والنواب.
{ لماذا؟
_ السيد “المحجوب” رجل صفوي والنواب ناس شعبيين، ولم تكن له علاقة بهم، علاقاته كانت مع زملائه المثقفين والمفكرين فشعر كثير من النواب أن رئيس الوزراء لا يمثلهم، وطبعاً هذه في رأيي من أخطاء حزب الأمة لأنه كان يحضر أشخاصاً ويعطيهم دوائر لا علاقة لهم بها، وكان رئيس وزراء ليس له صلة بالقواعد، وكان ذلك في رأيي منعكساً على سلوكه مع النواب.. النواب كانت لديهم مشكلة تتمثل في إلى أي وزارة تربط هيئة توفير المياه، هيئة توفير المياه كانت مهمة لنواب حزب الأمة لأنهم يشكون في دوائرهم من مسألة المياه، السيد رئيس الوزراء لأن لديه علاقة خاصة مع الاتحاديين كانوا معه في الائتلاف، قرر إضافة الهيئة لوزارة الأشغال، وكان وزير الأشغال السيد “عبد الماجد أبو حسبو”، وكان مفروض حسب كلام النواب تضاف لوزارة الحكومة المحلية وكان وزيرها “عبد الله نقد الله” ووقع خلاف حاد بين النواب و”المحجوب”، وأنا في ذلك الوقت لم أكن عضواً في البرلمان لأن سني دون الثلاثين ولكن كنت رئيس حزب الأمة.
{ ماذا فعلت كرئيس لحزب الأمة؟
_ كونت لجنة برئاسة السيد “أمين التوم” ونائبه السيد “ميرغني حسين زاكي الدين” لتدخل وساطة بين السيد “محمد أحمد محجوب” والنواب وأنا نفسي لم أكن منحازاً، ولكن فشلت.
الهيئة البرلمانية قررت إسقاط السيد “المحجوب” لأنهم شعروا بأنه لا يمثلهم ولم أكن أنا، كان مفترض يكون “عبد الله نقد الله” أو “محمد إبراهيم خليل” ووقع خلاف حاد بين النواب و”المحجوب”، وأصبح الحديث من سيكون رئيس الوزراء لأنه يجب أن يكون نائباً وأنا لم أكن نائباً فاختلفوا هل يكون رئيس الوزراء “عبد الله نقد الله” أم “محمد إبراهيم خليل”.. السيد “المحجوب” قال للنواب (أنا غير مسؤول لكم أنا مسؤول للإمام، ولذلك ما دمت أنا مسؤول للإمام أنتم لا تحاسبونني ويحاسبني الإمام)، هنا أنا تدخلت وقلت: النواب هم الذين انتخبوك وبناء على تصرفاتك تحاسبهم قواعدهم، الإمام له الحق يقول رأيه ويوجه لكن في النهاية هم الذين يتخذون القرار.. لذلك الهيئة البرلمانية هي التي تقرر من يكون رئيس الوزراء، يعني الخلاف أصلاً ليس بيني وبينه ولكن بينه والهيئة البرلمانية، وهذا الكلام نحن أخرجناه في كتاب بعنوان (وثائق الانشقاق في حزب الأمة)، حتى التقارير المكتوبة عن الخلاف هي وثيقة موجودة في هذا الكتاب، والإمام “عبد الرحمن” سنة 51 أصدر بياناً قال فيه: أنا أرعى حزب الأمة ولكن لا أتدخل في قراراته، وهذا ما دفعني للاحتجاج. هو ذكر في مذكراته أن أشخاصاً جاءوا إليه ليستقيل ويصبح “الصادق” رئيس وزراء وهذا غير صحيح لأنني لم أكن في البرلمان في ذلك الوقت.
{ هناك رأي عام يقول إن الإنجليز أصلاً (كانوا طالعين) ولا يوجد حزب لعب دوراً في إخراجهم؟
_ لا هذا الكلام غير صحيح.. بعد الحرب العالمية كان هناك قرار باحترام تقرير المصير للشعوب لكن الصراع مع الإنجليز طويل جداً، قامت حركات “عبد القادر ود حبوبة” والسلطان “عجبنا” وحركة السيد “حامد”، وهي حركات مقاومة للإنجليز وقامت حركة 1924 وهذه كلها قبل أن تظهر نتائج الحرب العالمية الثانية، وكذلك جاء مؤتمر الخريجين سنة 1942 وقدمت مذكرة مطالبة بتقرير المصير والإنجليز في ذلك الوقت كانوا ضد فكرة تقرير المصير.. يعني ليس صحيحاً أن الناس أخذوا الاستقلال هدية.. بالعكس، أعتقد أن الإنجليز فكروا في مرحلة مهمة جداً وتفكيرهم كان ينصب حول أن يتركوا مصر تضم السودان حتى تسمح لهم بالاستمرار في قناة السويس، والأمريكان ضغطوا على الإنجليز حتى يوافقوا على اتحاد مصر مع السودان مقابل أن يسمح المصريون باستمرار الوجود البريطاني في قناة السويس باعتباره جزءاً من عملية دفاع الـ(ناتو)، هذا الكلام حصل عندما جاء “صدقي” واتفق مع “بيفن”، وفي المطار قال إنا جئت لكم بالسيادة على السودان في جيبي، لأنه اتفق مع “بيفن” والإنجليز يستمروا في قناة السويس، والمصريون يكافأوا بضم السودان لهم، وهذا أثار الموقف وقامت الحركة الاستقلالية بمواجهة قوية وأسقطت اتفاق “بيفن”، وكان فيه أن مصر تعطي بريطانيا استمراراً في قناة السويس وإنجلترا تعطي مصر السيادة على السودان، هذا كان نضالاً كبيراً حتى سقط بروتوكول “صدقي- بيفن”.
{ كان واضحاً الاختلاف بين القوى السياسية قبل وبعد الاستقلال؟
_ في رأيي الاستقلال كان مبرأ من أي عيوب والديمقراطية كانت سليمة جداً، لكن العيب في رأيي تمثل في شيئين..
{ ما مهما؟
_ الأول، كانت هنالك مشكلة في الجنوب، وافتراض أن الجنوب سيتصرف كأنه جزء عادي من السودان افتراض خطأ كان من الضروري الاتفاق مع الجنوبيين وهم كانوا يطالبون بنظام فيدرالي.. في رأيي المشكلة التي حصلت أنه لم تتم الاستجابة لمطالب جنوبية حقيقية، لأن الجنوبيين يعدّون أنفسهم مختلفين عن بقية السودان، وهذا كان يتطلب إرضاء الجنوبيين في إطار أن لديهم تطلعات مختلفة عن بقية السودان.
{ والثاني؟
_ العيب الثاني، الديمقراطية الليبرالية أخذت سنوات طويلة حتى تنضج في إنجلترا والغرب، هنا لم تكن سنوات طويلة للنضج، يعني من نظام ديمقراطي للإنجليز إلى نظام ديمقراطي كان هنالك ضرورة لمرحلة لأقلمة الديمقراطية من نواحٍ ثقافية واجتماعية واقتصادية.. يعني مثلاً الأقلمة الاقتصادية والتطور الاقتصادي الحديث في السودان كان يقوم على إنتاج القطن وليس فيه نظرة لتوزيع المنفعة الاقتصادية على بقية السودان، وهذا خلق التهميش والمهمشين والإحساس بأن مناطق معينة في السودان لم تنل حظها.. أنا في رأيي كانت هناك ضرورة قصوى في ممارسة الديمقراطية أن يؤخذ في الحسبان ضرورة التوازن والاعتراف بأن للجنوب وضعاً خاصاً، كما أن هناك مناطق في السودان لديها ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية محتاجة لمشروع لإدارة التنوع، وهذا لم يحصل بدون أخذٍ في الحسبان ضرورة رضا الحركة السياسية الجنوبية وبدون إدارة واعدة لموضوع التنوع في السودان.. أنا في رأيي هذه الظروف خلقت ضعفاً في الاستقلال بعد أن تحقق.
{ أحد الإسلاميين قال إن الرئيس الأسبق “نميري” عرض عليك المشاركة في السلطة لكن “الترابي” رفض؟
_ أنا لا أعرف هذه المعلومة، ولكن أعرف أن الرئيس الراحل “جعفر نميري” جاءني في هذا البيت ومعه المرحوم “فتح الرحمن البشير” وكان الكلام لي (يا فلان أنا نظرت في من حولي لم أجد شخصاً مؤهلاً ليقود السودان إلا أنت) هذا كلام “نميري”، (يا أخي تعال أعينك نائبي وخليفتي ونطوف أنا وأنت على السودان بهذه السفينة).
{ ماذا قلت له؟
_ كان ردي (أخي الرئيس إذا لم يتغير دستور السودان ويكون دستوراً ديمقراطياً أنا وظيفتك ما عايزا، لذلك الجواب لا)، أنا ما عارف التشاور الحصل بينه وزملائه في ذلك الوقت، لكن “نميري” لم يكن يستأنس برأي شخص، هو قرر وجاء لي كي أصبح نائبه وخليفته وأنا رفضت.
{ برأيك لماذا لجأ إليك؟
_ شوفي “نميري” لديه ذكاء فطري وهو شعر بأن نظامه يحتاج لسند شعبي ومشروعية شعبية، وفي رأيي هو عندما شعر بأن نظامه محتاج لمشروعية شعبية اتجه نحو الإسلام، وفاجأ الناس باتجاهه للإسلام لأن منطلقاته لم تكن إسلامية.. أنا في رأيي كان يبحث عن شرعية وهذا جعله يتبنى النهج الإسلامي بدون ما يكون هذا في بداية أمره مطروحاً.. وثانياً في بحثه عن الشرعية وأنا متأكد إذا كان “نميري” أو هذا النظام يعتبران أن لدينا شرعية شعبية، وليس هو فقط، الرئيس “البشير” أولاً مهما كان رأي “الترابي” كما قال “أحمد عبد الرحمن” أنا جاءني “الترابي” في بيت “خالد فرح” 1993م وقال لي: يا فلان تعال نتقاسم السلطة، هذا الكلام في حضرة د. “خالد فرح”، أنا قلت له: يا “حسن” نحن لا يمكن نشترك في أي نظام يقهر ويقمع الناس إذا لم نتفق على دستور ديمقراطي مشاركة مافي.. انا في رأيي أنهم يعتبرون أن لدينا شرعية شعبية أو تاريخية، المهم لدينا شرعية.. سنة 96 “البشير” بعد أن عمل انتخابات ولم يكوّنوا الحكومة بعد أرسل لي وعرض عليّ أن نتقاسم وأنا قلت له: نحن لسنا مستعدين ندخل في سلطة، ما اتفقنا على دستور يعطي الناس حقوقهم.. هذه الحصة الثانية أنا أقول: “البشير” أو “نميري” في مراحل مختلفة عرضا علينا نفس هذه العروض في إطار البحث عن الشرعية لنظاميهما واعتقدا أننا نعطيهما هذه الشرعية، وأفتكر “نميري” في بحثه عن الشرعية فكر في اختياري خليفة له، وفي بحثه عن الشرعية غيّر الاتجاه الذي كان يسير فيه إلى الاتجاه الإسلامي.