`رئيس حزب الامام الصادق المهدي في حوار الاستقلال مع (المجهر)
كنت طالباً في بريطانيا إبان الاستقلال و”الأزهري” عندما زارنا وقتها لم يكن قد حسم قرار الاستقلال
لهذه الاسباب (….) انحاز “الأزهري” لـ(السودان للسودانيين)
والنظام الحالي لعب دوراً في تهميش دور الحركة الاستقلالية
نعم قصة الهدايا من الانجليز صحيحة والسيد عبد الرحمن كان يتعاملمعها بمنطق التقية وتتقي شرهم!!
رئيس حزب الامة السيد الصادق المهدي التقيناه في حوار استثنائي عن كواليس الاستقلال في الاول من ديسمبر من العام 1956، ودور حزب الامة وقتها وعلاقة السيد عبد الرحمن بالانجليز .. واجاب دون تردد على سؤال عن سر تحول موقف الزعيم الازهري الداعم للوحدة مع مصر الى السودان للسودانيين.
المهدي تحدث عن تفاصيل لقاء الازهري بهم قبل الاستقلال بلندن وهو وقتها طالب، وكيف انهم سلموهوه خطاب كرابطة طلاب في انجلترا وايرلندا، يطالبون بالاستقلال.
مواقف كثيرة ساق الامام في حلقتين من الحوار الشيق، فالي مضابط الجزء الاول من الحوار
{ السيد “الصادق المهدي”.. بداية نرحب بك في صحيفة (المجهر) في ذكرى الاستقلال؟
_ أولاً أرحب بهذا التساؤل حول الاستقلال.. صحيح نحن في ذلك الوقت كنا طلبة وكانت أمامنا مشكلة أن هنالك خلافاً بين القوى السياسية السودانية، وأعتقد أننا بصرف النظر عن العمل الخاص بالأحزاب السياسية كنا نتحرك بصورة مستقلة من القوى السياسية والأحزاب حتى يتجه اتحاد طلاب جامعة الخرطوم نحو الانحياز بصورة واضحة لاستقلال السودان وأن يعلن ذلك، وكذلك قمنا بدور مهم بعد ذلك أثناء الخلاف حول المستقبل في بريطانيا لأنني كنت عضواً في اللجنة التنفيذية للطلبة السودانيين في المملكة المتحدة وأيرلندا، وكان الرئيس الراحل “إسماعيل الازهري” قد زارنا واللجنة التنفيذية كتبت خطاباً وضغطت، في ذلك الوقت الرئيس الراحل لم يكن قد انحاز للاستقلال بعد، لذلك كان الموضوع فيه خلافات، أيضاً قمنا بدور عبر اتحاد الطلبة لمناشدة الرئيس الراحل “إسماعيل الأزهري” أن ينحاز للاستقلال، كان ذلك بالنسبة لنا ولعلاقاتنا الأسرية الخاصة. لم يكن لديّ دور في ذلك الوقت في حزب الأمة، لكن الدور الذي أستطيع أن أقول قمنا به هو ما يتعلق بالضغط في اتجاه أن ينحاز اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ثم اتحاد الطلاب السودانيين في المملكة المتحدة، في الحالتين كان انحياز اتحاد الطلاب في جامعة الخرطوم وفي بريطانيا قد لعب دوراً مهماً في الحيثيات التي دفعت الرئيس المرحوم “إسماعيل الأزهري” أن يغير موقفه من المطالبة بالاتحاد إلى الانحياز لاستقلال السودان.
{ كنت سأسألك هذا السؤال في اللحظات الأخيرة انحاز “الأزهري” إلى (السودان للسودانيين)؟
_ “أعتقد في عوامل كثيرة”، أولاً الرئيس “إسماعيل الأزهري” شخص شعبي، يعني غير معزول من القواعد الشعبية وشعر بأن هناك حركة تدعو إلى الاستقلال خارج إطار الأحزاب السياسية، حركة شعبية كبيرة، شعر بها خلال طوافه في الأقاليم وأحس بأن هنالك تعبئة قوية نحو الاستقلال، هذه التعبئة قادها حزب الأمة والجبهة الاستقلالية، لكن كانت هنالك تيارات خارج هذا الإطار دعمت الحركة الاستقلالية وهو شعر بها.. ثانياً وهو الشيء الذي في رأيي أدى إلى إحساس الرئيس الراحل “إسماعيل الأزهري” بضرورة تغيير موقفه أن الحكم القائم في مصر كان حكماً عسكرياً بينما الحكم في السودان ديمقراطي، ولم يكن ممكناً للحكم الديمقراطي أن يستسلم لتوجيهات عسكرية. كانت الحكومة المصرية في ذلك الوقت خصوصاً عبر الرائد المرحوم الصاغ “صلاح سالم” الذي كان يقوم بدورٍ فيه تدخل، في رأيي كان في إحساس بأن القوة الديمقراطية المنتخبة لا يمكن أن تأخذ تعليمات من غيرها.. السبب الثالث كان في السودان عموماً في إحساس أن اللواء المرحوم “محمد نجيب” أول رئيس لجمهورية مصر بعد حركة 1952 وكان هناك خلاف داخل مجلس قيادة الثورة بين الرئيس محمد نجيب والرئيس جمال عبد الناصر وكان معروفاً ان الرئيس “محمد نجيب” يتبنى فكرة العودة للديمقراطية.. وعلى أي حال هو كانت لديه شعبية لأنه أصلاً والدته سودانية وعمل في السودان كثيراً، ولديه صداقات مع كل القوى السياسية السودانية تراهن على “محمد نجيب” باعتباره أقرب إليهم من كل القيادات الأخرى، لكن “محمد نجيب” عومل معاملة في رأي السودانيين في ذلك الوقت سيئة حتى أن “أحمد صالح” قال القصيدة وفيها: (لو هان مثلك يا نجيب فما الضمان أن لا نهان ونضطهد)، هذا عامل آخر، في رأيي هذه العوامل كان لها دور، ثم أنا في رأيي من الأسباب التي ساهمت في الموضوع أنه قد وقع خلاف داخل الحزب الوطني الاتحادي وشعر “الأزهري” أن القوى الاستقلالية لا تفكر في الانتقام منه، أو أن تسقط حكومته، يعني لو في تفكير حزبي ضيق كان يمكن أن يقولوا نحن نسقط “أزهري” وبعد ذلك نتجه نحو الاستقلال، ولكن قطعاً بقيادة الإمام “عبد الرحمن” وصلوا لنتيجة طالما “أزهري” انحاز للاستقلال ندعمه وتتحد الكلمة معه.. هذا كان تصرف في رأيي وطنياً وليس حزبياً ساهم في هذا الإجماع.. أنا أعتقد هذه هي الأسباب.
{ الناس في الشارع يتحدثون عن أن “أزهري” رفع علم الاستقلال.. أين أنتم من هذه المسألة؟
_ النظام الحالي في رأيي لعب دوراً ما في تهميش دور الحركة الاستقلالية، لأن أغلب قيادات النظام الحالي الذين لم يكونوا منتمين للحركة الإخوانية، كان آباؤهم وأخوالهم وأعماهم اتحاديين، أنا في رأيي نقدر نقول ضخموا دور الرئيس “إسماعيل الأزهري” في رأيي لسببين أساسيين.. السبب الأول أنهم هم أصلاً خلفيتهم اتحادية، والسبب الثاني أن هذا فيه نوع من الإضعاف لدور حزب الأمة، الذي يمثل الآن القاعدة الأكبر في المعارضة.. في رأيي هذان السببان أديا إلى أن يهمش دور حزب الأمة والإمام “عبد الرحمن”، وكما نرى في الشارع هنالك تهويم لدور حزب الأمة مع أنه إذا رجعنا للتاريخ نجد كل الحركة التي قامت بها القيادات المصرية لكي تفرض تقرير المصير للسودان، كان الرئيس “الأزهري” يصاحب الوفود المصرية إلى الأمم المتحدة ليقول موقفنا نحن ضد تقرير المصير في السودان مع الموقف المصري، صحب “النقراشي” إلى الأمم المتحدة وكان هذا دوره، وكان واضحاً أن الحركة الاتحادية تنسق مع الحكومات المصرية، وفي ذلك الوقت كله كانت الحركة الاستقلالية تدافع وتنافح عن استقلال السودان، وصحيح جاءت مرحلة أصبح فيها خوف لدى كثير من السودانيين أن حزب الأمة والحركة الاستقلالية يقفان مع بريطانيا في هذا الموقف، ولكن بعد أن قامت الثورة المصرية واعترفت بحق تقرير المصير للسودان تغيرت العلاقة بين حزب الأمة ومصر، وحصلت اتفاقية (المهدي- نجيب)، التي وضعت فيها الحركة الاستقلالية يدها مع مصر ما دامت مصر اعترفت بحق تقرير المصير للسودان.. في ذلك الوقت الإنجليز فكروا أنهم يجب أن يقيموا حزباً سياسياً لكي يدافع عن العلاقة مع بريطانيا، ولذلك أقاموا الحزب الجمهوري الاشتراكي وحشدوا لهذا الحزب أصدقاءهم وأتبعاهم من الإدارة الأهلية، وكذلك قام حزب اسمه (الكومنولث) أو حزب السودان بقيادة المرحوم “محمد أحمد عمر”، وكان ينادي بأن السودان يرتبط بـ(الكومنولث) ولكن كانت هذه تدابير ضد حزب الأمة، وهذا في رأيي خلق تناقضاً مع بريطانيا، لأن بريطانيا حتى لو قبلت استقلال السودان تريده أن يكون تابعاً لبريطانيا (الكومنولث).. المهم، ما في شك استطاعت الحركة الاستقلالية أن تواجه الحكومة المصرية، ثم صارت تواجه الحكومة البريطانية في كلا الحالتين لمصلحة السودان، للأسف الآن التناول الإعلامي بعيد عن هذا المفهوم، يهمش دور حزب الأمة والحركة الاستقلالية.
{ هنالك حديث أن السيد “عبد الرحمن المهدي” له علاقة خاصة مع الإنجليز؟
_ هنالك كتاب مهم كتبه “حسن أحمد إبراهيم” وهو كان عميد التاريخ في جامعة الخرطوم، وهو من أولاد المتمة، أهله في المتمة، لكن الآن يعيشون في منطقة الدويم.. كتب في هذا الكتاب قال: أنا ومن معي من أهلنا كنا نعتبر السيد عبد الرحمن عميلاً للإنجليز وأنا ذهبت لكي أوثق هذا من دار الوثائق، وقال: فوجئت بالعكس تماماً أن السيد عبد الرحمن كان هو القوة التي كان الإنجليز يخشون بأسها ويخافون منها ويتعاملون معها بحذر شديد وكيف أن السيد “عبد الرحمن” خدع الإنجليز واستطاع أن يحقق أهدافه السياسية والدينية كاملة، بحيث إنه كان معادياً لهم، استطاع أن يجعل القوى السياسية التي يقودها أكبر قوى سياسية في السودان، لذلك قال: أنا الذي جئت من خلفية معادية له اقتنعت من الوثائق بأن هذا الموقف غير صحيح وأنه يجب أن يوصف بأنه أهم شخصية سودانية في القرن العشرين.. هذا الكتاب عنوانه (المهدية الثانية) بقلم “حسن أحمد إبراهيم”، وهو موجود الآن في السودان وكان منتدباً في ماليزيا، والآن هو محاضر بجامعة أفريقيا.. وأنا في رأيي شهادته مهمة، حقيقة الإنجليز عندما اكتشفوا أن (الإمام “عبد الرحمن” موقفه الحقيقي مش معهم ولكن مع السودان، طوالي قاموا عملوا ما سموه الحزب الجمهوري الاشتراكي)، وهو حزب ليس لديه صفة ثانية لأن أغلب المؤيدين له كانوا من أصدقاء الإنجليز أو زعماء العشائر المأمورين، لكن سموه جمهوري اشتراكي، لماذا جمهوري؟ بمعنى أن السيد “عبد الرحمن” يطمع أن يكون ملك السودان لذلك جمهوري قصاد هذه الدعوة، لكن الأمام أصدر بياناً أنه يريد نظاماً جمهورياً ولكن هم في الواقع وضعوا كلمة جمهوري قصاد تطلعات السيد “عبد الرحمن”.. ثانياً اشتراكي باعتبار السيد “عبد الرحمن” غني مع أن هؤلاء دخلوا ولا يعرفون عن الاشتراكية شيئاً وهم زعماء القبائل يديرون قبائلهم كـ(حاكورات) لكن (عملوا شعار اشتراكي) لمواجهة السيد “عبد الرحمن”.. أنا في رأيي الناس الذين عملوا الحزب الجمهوري الاشتراكي كان الفكرة الأساسية منه تعويق السيد “عبد الرحمن” والحركة الاستقلالية، لذلك (صار في ضرورة نحن كمواطنين سودانيين أن نراجع هذا الطريق حتى نعطي كل ذي فضل حقه).
{ لكن قصة الهدايا صحيحة؟
_ نعم.. أنا في رأيي أن فكرة الهدايا هي أن الإنجليز قدموها وفي رأسهم أن يقتلوا ويستأصلوا كل إنسان له صلة بالمهدية، قتلوا أغلبية “آل المهدي” والخلفاء والأمراء وبقي السيد “عبد الرحمن” وهو كان يدري أن خط الإنجليز هو استئصال، لذلك هو فكر بمنطق التقية أن يتقي شرهم، وهم أدركوا أن هذا الشخص مناسب لهم لأنه في الحرب العالمية الأولى كانت هنالك شبهة الخلافة الإسلامية وكانوا محتاجين لمن يقف معهم ضد الخلافة العثمانية لأنها كانت تقف مع الألمان في الحرب.. في رأيي هذا السبب الذي جعل لديهم رغبة في المهادنة مع السيد “عبد الرحمن” رغم أنهم حسب الوثائق كانوا يرتابون منه جداً لأن السيد “عبد الرحمن” أمه “مقبولة” وهي بنت عم “علي دينار”، و”علي دينار” كان واقفاً مع الخلافة ضد الإنجليز، لذلك قرروا يهاجموه وفعلاً هاجموا سنة 1916.. لكن المهم، لهذه الأسباب الإنجليز فكروا في ضرورة أن يتفاهموا مع السيد “عبد الرحمن” وهو نفسه كان يريد أن يتفاهم معهم ليتقي شرهم حسب ما أثبتت الوثائق التي تطرق لها البروفيسور “حسن إحمد إبراهيم”.