مأزق الأطباء
تعيش بلادنا ظروفاً اقتصادية في غاية السوء وتتردى الخدمات الصحية في الولايات والمدن الكبرى يوماً بعد الآخر، إما بسبب نقص الأطباء أو الكوادر المساعدة من ممرضين.. ومساعدين طبيين وحتى (قابلات) مما أضطر والياً مثل “أحمد هارون” لتدريب المعلمات على (التوليد) رغم احتجاجات نقابة المعلمين في إضافة مهنة جديدة للمعلمات، قد تأخذ من مهنتهن الأصلية الكثير ولا تضيف إلا حوافز التوليد من مبالغ زهيدة وقطع من لحم الضأن والماعز.. وأمس أعلن والي شمال دارفور وهي ولاية خرجت لتوها من عنق الحرب.. والصراع باعتبارها المسرح الأول لحرب دارفور، أعلن حوافز مالية اعتبرها الوالي مغرية في حدود إمكانيات وقدرات ولايته، (20) ألف جنيه لكل طبيب يرتضي العمل في محليات الولاية خارج الفاشر، إضافة لراتبه القليل من وزارة الصحة وعائد العيادة المسائية وهي محاولة من الوالي “عبد الواحد يوسف” لإغراء الأطباء للانتقال من الفاشر لمحليات كبكابية التي لا يعلم الكثيرون أن مستريحة “موسى هلال” هي إحدى إدارياتها، وإلى محلية الكومة في الشمال والطينة وأم برو.. وبالطبع الوالي “عبد الواحد” لم يخاطب الأطباء المرابطين في شارع الدكاترة بأم درمان ولا أطباء المستشفيات الخاصة في الخرطوم، لأن هؤلاء يقبضون العشرين ألف جنيه في ليلة واحدة فقط، فما الذي يدفعهم للذهاب بعيداً للحصاحيصا والقطينة دع كارنوي والطويشة في آخر الدنيا.
بعض الولايات لجأت لتحسين أوضاع أطباء كليات الطب وإغرائهم بالبقاء في الجامعات وحل مشكلة نقص الأطباء في تلك الولايات مثل جامعة الدلنج التي تفتقت عبقرية وكيل الجامعة د.”أحمد عثمان خالد”، لمضاعفة حافز الطبيب بكادقلي لثلاثين ألف جنيه في الشهر.. وتكفل الوالي بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه أخرى وقد يبلغ جملة عائد الطبيب بجامعة الدلنج كلية الطب أكثر من أربعين ألف جنيه في الشهر.. ورغم ذلك بعض الإحصائيين يتمسكون بالبقاء في الخرطوم حيث المال أوفر والحياة أكثر رغداً ورفاهية.. وقد نجحت جامعة الدلنج في حل مشكلة نقص الأطباء بكادقلي وتطيب رأس الوالي من صداع أقعده طويلاً.. وقد شيدت الحكومة بالدلنج مستشفى حديث.. أنفق عليه مليارات الجنيهات ولكنه لم يفتتح بعد لنقص المعدات فأصبح كالوردة بلا عطر.
وحتى في الخرطوم يشكو البروفيسور “مأمون حميدة” وزير الصحة من نقص الكوادر المساعدة.. ويطالب الجامعات بالتوازن ما بين الأطباء.. والكوادر المساعدة في الاستيعاب.. لكن الوزير يغمض عيناه عن حقيقة هامة تتمثل في الهجرة اليومية للكوادر المساعدة لبلدان الخليج.. وأوروبا.. مهنة التمريض.. والتخدير.. واختصاصيي المعامل.. والأشعة بمثابة العُملة النادرة.. والطبيب في البلدان الأوروبية يتراجع دوره بسبب التقنية التي جعلت كل شيء ميسراً.. انتهى زمان الطبيب الشاطر الذي يكتشف داء المريض بنظرته الفاحصة وتقديراته الذاتية.. أصبح التشخيص يحدد كل شيء.. وعلى الطبيب النظر لهاتفه فقط ليجد الدواء الذي تحتاجه الحالة.
لكن في السودان يمثل شح الأطباء في الولايات مشكلة استعصى حلها.. واستنزفت القدرات الشحيحة والإمكانيات المحدودة لذلك تلجأ الولايات لما أقدم عليه “عبد الواحد يوسف” و”عيسى أبكر”.