بعد..ومسافة
“وداعاً روضتي الغَنَا”..
قبل كل شيء لابد من أن أتقدم بشكري الجزيل لأخي وصديقي الأستاذ “الهندي عز الدين”، رئيس مجلس إدارة هذه الصحيفة الثابتة رغم الأعاصير والهزات، ولكل أسرة (المجهر السياسي) وعلى رأسهم الأخ والصديق الأستاذ “صلاح حبيب”، وقد قضيت بينهم أياماً خصيبة أصبحت جزءاً من تاريخي المهني بعد أن اضطررت اضطراراً لإيقاف صحيفتي (السياسي) قبل نحو عام ونصف العام، وقد كان الأخ الكريم والصديق العزيز الأستاذ “الهندي عز الدين” أول من اتصل عليّ طالباً، أن اختار لنفسي ما أختار في (المجهر السياسي)، ورغم أن كثيرين من الزملاء والناشرين ورؤساء التحرير اتصلوا عليّ لأكون ضمن منظوماتهم الصحفية، في موقف لن أنساه لهم ما حييت، إلا أنني رأيت أن يكون مكان قلمي هو بين الزملاء في (المجهر السياسي) لأسباب عديدة، ليس لقوة العلاقة مع الزملاء داخلها فقط، بل لقناعاتي الشخصية والخاصة بأن الروح العامة للعمل أو للكتابة على صفحاتها هي أقرب للروح التي أنشدها في العمل.
وهناك قناعة أخرى خاصة بأن الأخ الأصغر الأستاذ “الهندي عز الدين” من أيقونات النجاح في صحافتنا السودانية، وذلك لحسه الصحفي العالي، ولقدرته الفائقة على التعبير عن القضايا العامة، وقد خبرته لسنوات وسنوات، وما كنت أتمنى أن تتفرق بنا السبل بعد أن اجتمعنا شركاء في إحدى الصحف التي انطلقت بسرعة الصاروخ لتحتل المركز الأول في الصحافة السودانية لخمس سنوات متتالية، هي صحيفة (آخر لحظة) التي شكل أستاذنا الكبير الراحل الأستاذ “حسن ساتي” أحد أبرز ركائز نجاحها مع (سيد الاسم) الوالد الراحل الأستاذ “محمود أبو العزائم”، لكن دائماً الأعمال الكبيرة تجد من يعمل على تحجيمها، فتفرقت السبل بالناس، وما كان ذلك ما نتمنى.
قبل ذلك التقينا في صحيفة (الوطن) الغراء وكنت نائباً لرئيس تحريرها أستاذنا الراحل “سيد أحمد خليفة”، وكان الأستاذ “الهندي” أحد أبرز كُتّابها رغم صغر سنه وقتها، وهي فترة خصيبة لن تنمحي من الذاكرة، ولن أنسى ما حييت عندما بدأنا في الإعداد لإصدار (آخر لحظة) أن جاءني أستاذنا الكبير “سيد أحمد خليفة” عارضاً عليّ وعلى “الهندي” الشراكة بالنسبة التي ترضينا لكننا كنا نحلم- كل بطريقته- بمشروع جديد وخاص.
ولن أنسى موقف الأخ الشقيق الأستاذ “عادل سيد أحمد” بعد أن توقفت صحيفة (السياسي) اضطراراً أن اتصل عليّ وعرض عليّ مقعد الرئاسة في الصحيفة ونسبة من الأسهم، ولكنني ما أردت ذلك وقتها رغم تقديري لمواقف (أولاد سيد أحمد).. وكذلك لن أنسى مواقف عدد من الزملاء الذين عرضوا عليّ أن أكتب لديهم فوراً بالشروط التي أريد، ومنهم أخي وصديقي الأستاذ “محمد عبد القادر” (ود الناظر) الذي ترجّل مؤخراً عن رئاسة تحرير (الرأي العام) الغراء، وكذلك موقف أخي وصديقي الأستاذ “علي حمدان” الذي جاء إليّ وهو يحمل سلسلة مفاتيح سيارة (بوكس دبل كابينة) وقال لي خذها وتصرف لحل مشاكلك.. ضحكت حينها وشكرته وقلت له: (ما للدرجة دي)، لقد كانت هناك مؤامرة تلوح في الأفق لتوريط صحيفة (السياسي) بالديون فاكتشفتها في حينها وأوقفت الصحيفة مع الإيفاء بحقوق العاملين كافة.. وقد كانت تجربة عظيمة يكتشف فيها المرء أصدقاءه الحقيقيين من غيرهم.
الآن أغادر (المجهر السياسي) رئيساً لتحرير صحيفة (الأخبار) اليومية التي تصدر غداً بإذن الله.. ولهذه أيضاً قصة، ربما نرويها غداً ولكن في أخيرة (الأخبار).
شكراً (المجهر السياسي).. شكراً لكل العاملين بها.. شكراً لكل القراء الذين ظلوا على تواصل مستمر معنا عن طريق الوسائط المتعددة.. و.. إلى اللقاء بإذن الله تعالى.