"المهدي": المقاييس كافة التي تنطبق على الدولة الفاشلة متوفرة بدولة الجنوب ولكن…
“الصادق المهدي” و”الساعوري” و”محجوب محمد صالح” يصفون العلاج
في ندوة ساخنة.. أسباب استمرار الحرب في جنوب السودان وسبل الحل
تقرير ــ مهند بكري
تنذر الأوضاع بدولة جنوب السودان، حسب خبراء سودانيين وجنوب سودانيين، بوضع كارثي، وسط تخوفات من بروز اتجاه وأصوات دفعت بالقضية هناك نحو الانفصال سابقاً تشير بأصابعها إلى وضع حد عبر المجتمع الدولي للحرب الأهلية التي انطلقت إشاراتها بديسمبر من العام 2013م فاستعرت على نحو غير مسبوق على الصعيد الإقليمي.. وفي ندوة (دور السودان في تعزيز السلام والاستقرار في جنوب السودان) التي نظمها معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، بقاعة الشارقة، أمس (الخميس)، تحدث رئيس حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” والمحلل السياسي البروفيسور “حسن الساعوري” بجانب الخبري الإعلامي “محجوب محمد صالح”، والقيادي بدولة جنوب السودان د. “عبد الله دينق نيال” معقباً.
{ أسباب استمرار الحرب بالسودان تقبع بالجنوب
كل المفردات الأممية والأوضاع التي تثبت وجود عمليات للتطهير العرقي متوفرة بجنوب السودان الآن، وما يدور ينذر بتكرار تجربة الصومال.. بهذه العبارات طالب القيادي بدولة جنوب السودان د. “عبد الله دينق دانيال” الدول والحكومات على المحيط الإقليمي وخاصة الحكومة السودانية بضرورة التدخل كوسيط لاستضافة أطراف الصراع، الذي وصفة بالمركب لإنقاذ دولة الجنوب من وضع كارثي.
ووصف “دانيال” طبيعة الأوضاع والصراع المسلح هناك بالمليشيات التي تحارب لتحقيق أجندة تخص قياداتها، وقال إن ما يدور من حرب أهلية ومجاعة ولجوء معضلة لدول الجوار، وتابع بالقول: (جزء من استمرار الحرب في الشمال موجود بالجنوب)، موضحاً أن وقف الحرب الدائرة هناك يصب في مصلحة استقرار الدولتين. وانتقد “دانيال” شعارات الحركة الشعبية التي بنت عليها شعبيتها بالدولة الوليدة قُبيل الانفصال، بأن وضح لهم جلياً عقب وصولهم للحكم مزاعم أخرى على خلاف شعارهم القائل (أمة واحدة، شعب واحد)، ومضى بالقول: (أعتقد المشاكل في البنية الداخلية بالجنوب وهو ما زال قبائلياً وعشائرياً، والحرب التي دارت مؤخراً لم يشهد لها مثيل، والحركة الشعبية فاشلة وفاسدة والذي تسبب في الصراع هو الحركة الشعبية وإذا استمر هذا الوضع سنكون مثل الصومال الأولى).
وعدّ “دانيال” دولة السودان مؤهلة لحل قضية الجنوب، وقال إن رئيس دولة الجنوب “سلفا كير” وزعيم المعارضة هناك “رياك مشار” يحملان وداً خاصاً للرئيس “البشير”، مشيراً إلى مركزية السودان كدولة يمكنها استضافة الفرقاء جميعهم والوصول إلى سلام شامل لمصلحة البلدين خلال فترة زمنية حددها بأقل من عام.
وأعلن “دانيال” تبرؤه من (مجلس الدينكا) وقال: (أنا دينكاوي وما يقوم به المجلس ومنتسبو القبيلة في الحكومة وإدارتهم للفتنة هناك لا يمثلني).
{ مقاييس الدولة الفاشلة
تقول حكومة جنوب السودان إنها نفضت يدها عن الجناح المسلح للحركة الشعبية قطاع الشمال الذي كان يقاتل ضمن صفوفها بقوات (الجيش الشعبي)، إلا أن رئيس حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” يرى أن الأزمة الدائرة بالمنطقتين والقوات بالفرقتين (التاسعة والعاشرة) التي كانت تتبع للتمرد قُبيل الانفصال وتتبع حالياً للحركة الشعبية قطاع الشمال تتبع للجيش الشعبي، وقال “المهدي” إن ذلك التشابك حدث نتاج عدم اتفاق شامل بين الدولتين في قضايا الحدود والقوات في آليات الدمج والتسريح.
ووصم “المهدي” دولة جنوب السودان بالفشل، قائلاً: (المقاييس كافة التي تنطبق على الدولة الفاشلة من لجوء ونزوح وتفشي الفساد والإحساس بوجوده وسقوط الشرعية الدولية بغياب التداول السلمي للسلطة، متوفرة بالجنوب)، مشيراً إلى أن الذين لقوا حتفهم في الحرب الأهلية هناك بسبب الاقتتال الجنوبي الجنوبي أكثر من الاقتتال الذي دار بينهم والشمال، وقال “المهدي” إن نسبة الفارين من الأوضاع المأساوية بالدولة الوليدة نسبة كبيرة، إضافة إلى النازحين، والقبضة الأمنية للسلطات وغياب آلية سلمية للتغيير دفعت المجتمع الدولى إلى التهديد بفرض الوصاية على الجنوب، رغم ما وصفه بالإملاء الفوقي للمجتمع الدولي للاتفاقية التي تمخض عنها الانفصال.
{ درب الفيل غطى درب الجمل
انتقد “المهدي” عدم إشراك الحكومة للقوى السياسية ومشاورتها في اتفاقية السلام التي وقعت بين الحكومة من جهة والحركة الشعبية من جهة أخرى، ومضى قائلاً: (قلنا إن اتفاقية السلام لن تحقق السلام ولكن المجتمع الدولى أملى اتفاقية فوقية.. وهذا الموقف يشابه المثل القائل “درب الفيل غطى درب الجمل”).
وبخصوص الشأن الداخلي دعا “الصادق المهدي” الحكومة إلى ابتدار ملتقى قومي جامع للانتقال من ما وصفه بمنهج التمكين والإقصاء إلى منهج قومي يحقق السلام ويجنب تكرار تجارب الانتخابات السابقة، خلال الاستحقاق الدستوري عبر انتخابات 2020م.
{على غرار ما تم بكوسوفو
الموقف في الجنوب خطير، خاصة أن المجتمع الدولي يشعر بخيبة أمل بسبب ما يدور هناك، والولايات المتحدة الأمريكية التي صرفت (11) مليار دولار من العام 2005 إلى الآن، فالدولة الوليدة لم تحقق الدافع الذي قاد المجتمع الدولي لمساعدتها في تحقيق الحكم الذاتي.. بهذا السرد حذر الخبير الإعلامي والمختص في الشأن السياسي الأستاذ “محجوب محمد صالح” من أن تقود معطيات الأوضاع بدولة جنوب السودان إلى فرض وصاية أممية على الدولة الوليدة على غرار ما تم بـ(كوسوفو). وربط “صالح” الأزمة هناك بانعدام الخبرة السياسية لقادة الجنوب ما يعرض دولتهم للتشظي، وقال إن تحقيق السلام يتطلب تقديم تنازلات من قبل قادة دولة الجنوب، وتابع بالقول: (انفصال الجنوب لم يتم بانتصار عسكري على حكومة السودان، لكن عبر اتفاقية بها عيوب، وإذا تم تطبيق الاتفاقية بشكل مطلوب لتجنب الطرفان كثيراً من العقبات)، مشيراً إلى عدم التزام الطرفين بما اتفق عليه ما تسبب في نشوب مواجهات خلال الفترة الانتقالية ولم يستثمر الطرفان أية علاقة للأمام)، وعدّ “صالح” القضايا الأمنية من أخطر القضايا التي لم يتم حسمها، حيث كان من المفترض تسريح الفرقتين في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، بجانب عدم إعمال المشورة الشعبية حول القضايا وملف ترسيم الحدود، ورغم الخلاف السياسي بين الطرفين إلا أن أكثر من مليون جنوبي هربوا من الحرب هناك باتجاه الشمال.
{ الفرصة الأخيرة
وعدّ “صالح” المفاوضات المزمع عقدها في السابع عشر من الشهر الجاري، بين الحكومة الجنوب سودانية والمعارضة هناك بأنها المحاولة الأخيرة، في وقت قدم فيه الاتحاد الأفريقي مبادرة جديدة ترنو إلى تنشيط الاتفاقية السابقة لتحقيق السلام، إلا أنه انتقد اتخاذ منحى عبر الاتفاقيات الثنائية للحل الشامل، ومضى قائلاً: (لكن الاتفاق العالمي والإقليمي هو آخر فرص الحل السلمي لاتفاق السلام، ويحتم على السودان مساعدة النخب الجنوبية للضغط على القوى المعارضة والحكومة، خاصة أن هناك أزمة سياسية واقتصادية).
{ صراع استعصى على الحل
يرى المحلل السياسي البروفيسور “حسن الساعوري” أن طبيعة الصراع الدائر بدولة الجنوب معقدة، وتجمع ما بين الصراع السياسي وصراع السلطة والوحدة والانفصال وصراعات قبلية وأخرى سياسية تحولت إلى عسكرية، عادّاً هذه التراكمات قد قادت إلى استعصاء حل الأزمة القائمة، مشيراً إلى أن حالة عدم الاستقرار هناك تلقي بظلالها على التوترات التي تنشب في الشمال.
وعدّ “الساعوري” السودان أكثر دولة مؤهلة لأن تلعب دوراً إيجابياً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه بدولة جنوب السودان من الوضع الذي تسير فيه، ونوه إلى ضرورة استصحاب العلاقات التي تجمع المعارضة السودانية بالطرفين بجنوب السودان. وقال “الساعوي” إن علاقة الحركة الشعبية بأحزاب (الشيوعي، الأمة والاتحادي) وحركات دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال يمكن أن تُستغل بصورة إيجابية لإنهاء الصراع الدائر هناك.