بعد.. ومسافة
تبادل المصالح بين السودان ومصر
مصطفى أبو العزائم
زيارة السيد وزير التجارة “حاتم السر” الأخيرة إلى مصر، ولقاءاته مع وزير التجارة والصناعة المصري “طارق قابيل” بحضور سفير السودان في مصر “عبد المحمود عبد الحليم” وسفير مصر في السودان “أسامة شلتوت” كانت اختراقاً مهماً في العلاقات بين البلدين، وحملت من البشريات الكثير لدعم مجالات التعاون المشترك بين البلدين، في قطاعي الاقتصاد والتجارة، وجاءت مؤكدة على أن تنشيط العلاقات التجارية وتطويرها وزيادة حجم التبادل التجاري مع مصر تحتل مكانة متقدَّمة لدى القيادة السياسية العليا في السودان.. ونرى أن الأمر كذلك بالنسبة للشقيقة مصر، رغم الغبار الكثيف الذي يتحرَّكز بين حين وآخر ليحجب الرؤيا في سماء هذه العلاقات التاريخية والأزلية بين شعبي وادي النيل.
الحكومة المصرية وعلى أعلى مستوياتها تنظر للعلاقة مع السودان نظرة خاصة على اعتباره عمقاً إستراتيجياً وأمنياً لمصر، وقد قال السيد المشير “عبد الفتاح السيسي” رئيس جمهورية مصر الشقيقة قبل أيام أنه يتطلَّع لإحياء اتفاقية التكامل بين البلدين، ونعلم جميعنا أن تلك الاتفاقية كانت أنموذجاً للعلاقات القومية والمتينة التي تتقوى بالمصالح المشتركة للبلدين، وهي الأقوى والأمتن في المنطقة للتداخل الجغرافي والتاريخي والحضاري والاجتماعي بين البلدين الشقيقين.
وأذكر أنني التقيت بالمشير “السيسي” إبان ترشحه للرئاسة في مصر ضمن وفد صحفي وإعلامي يمثِّل عدداً من صحفيي دول حوض النيل المختلفة، وجلسنا إليه نحو ثلاث ساعات كاملة، أجريت خلالها حواراً صحفياً معه ركزت فيه على العلاقة بين السودان ومصر، ومطلوبات تقوية هذه العلاقة، وأشرت إلى اتفاقية التكامل بين السودان ومصر خلال فترة حكم الرئيسين الراحلين المشير “جعفر نميري” و”أنور السادات”، وقد وجدت أن المشي السياسي – المرشح الرئاسي وقتها – منفعل تماماً بذلك الحدث الكبير الغابر، وقال بصراحة شديدة إن تقوية العلاقات بين شطري وادي النيل يكون ضامنها الأوحد والأقوى هو المصالح والمنافع المتبادلة بين البلدين.
اجتماعات الوزير “حاتم السر” مع نظيره المصري “طارق قابيل” لم تقم على فراغ، بل استندت على تاريخ طويل من التعامل الاقتصادي والعلاقات التجارية وعلى كثير من الاتفاقيات الخاصة بتبادل المصالح، وإن كانت تلك الاتفاقيات تصطدم بين حين وآخر بعقبات (سياسية) تمنع التنفيذ أو تحد منه، وهو ما يتطلَّب إرادة سياسية قوية تعمل على تذليل كل معيقات نمو هذه العلاقات وتطويرها، ومن بين ما يمكن أن يتم الاعتماد عليه لتحقيق هذه الأهداف، تلك الآليات التي تم الاتفاق عليها، ونعني اللجان الفنية أو ما اصطلحنا على تسميته باللجان الفنية الوزارية التجارية المشتركة لمعالجة المشكلات القائمة بين البلدين.
بالأمس سألني الأستاذ “وائل محمد الحسن الحسين” في برنامج (خطوط عريضة) بالتلفزيون السوداني، والذي يحلِّل ويناقش بعض ما تورده صحف الخرطوم، سألني عما جاء على لسان بعض المسؤولين المصريين حول المنع الذي فرضته السلطات السودانية على بعض المنتجات الزراعية المصرية، فقلت إن الإعلام المصري الخاص لعب دوراً سالباً في هذه القضية، وأنها أصبحت ترتبط بصحة الإنسان في السودان، لذلك صدر القرار الخاص بالمنع والذي أحسب أنه لن يتم إبطاله إلا بالاتفاق بين جهات الاختصاص في البلدين، وهذا ما لم يتم حتى الآن.
ليت المسؤولين هنا وهناك جلسوا للتفاكر حول مصالح الشعبين الشقيقين بعيداً عن توترات السياسة وبعيداً عن حجب الشك التي تقلِّل من قدر الثقة التي يجب أن تتوفر حتى نعبر إلى بر المصالح.