مسامرات
محمد ابراهيم الحاج
للكبار فقط..
{ إن كنت تريد أن تعرف كيف يمكن أن يكون الشاعر قائداً لمجتمعه.. نبراساً يهب الناس الضياء من خلف جدران عتمته.. وليس كشعراء الياقات البيضاء و(الكرافتات) المزركشة اللامعة، الذين يهدرون حبرهم في بيوت الشعر والشاعرات و(أفرابيا) و(ريحة البن) التي تفوح (نرجسية) ووجوهاً متأنقة (مفتونة بكونها شاعرة).. إذا أردت ان تعرف ذلك اقرأ رد الراحل “حميد” عندما سئل في أحد حواراته الصحفية عن أن شعره منح البعض ملاذات آمنة.. فماذا منحه هو كشاعر؟ كان رد “حميد”:
(إن كان ذلك كذلك فشكراً لأشعاري فهذا يعني عليّ أن أنسى أنها لخبطت بعضاً من نموي الطبيعي بين أقراني منذ أخريات صباي وبدايات شبابي وهي تحملني مسؤولية الشاعر كما أسلفت، عليّ أن أنسى أنها كانت سبباً مباشراً في طردي من المدرسة قبيل امتحانات الشهادة السودانية ومن ثم الاكتفاء بدرجة نجاح متواضعة عن مواصلة الدراسة، عليّ أن أنسى أنها تسببت في بقائي عاطلاً عن العمل ردحاً من الزمن لسوء سلوكي إبان نظام مايو، عليّ أن أنسى أنها عوقتني عن الترقي في العمل لهروبي الدائم إلى حيث تنتظرني المنابر الطلابية في وضح النهار، عليّ أن أنسى أنها كانت سبباً وجيهاً لاعتقالي وتشريدي ومن ثم فصلي عن العمل، عليّ أن أنسى كل تلك التلاتل التي لاقيتها منهم، عليّ أن أنسى مرارات الغربة الصح صح وليست تلك التي في أتبرا، عليّ أن أنسى أنني نسيت كل ذلك).
{ الموسيقار “أبو عركي البخيت” فنان بمواصفات خاصة فهو بالإضافة إلى سماته الإبداعية وتأثيره القوي على المشهد الفني، مصلح اجتماعي بمواصفات أخلاقية وإنسانية، بالإضافة إلى تخيره الانحياز إلى قضايا الناس واهتمامه الكبير بزملائه الفنانين والعازفين والشعراء وحتى الإعلاميين وجيرانه، نذوب أسفاً ونلتهم أصابعنا ندماً أن يصبح بعيداً عن صناعة الحدث في الساحة الفنية.. نعم “أبو عركي” الآن بعيد عن أن يكون له التأثير الذي يجب أن يفعله.
{ ثمة قائل إن حفلة واحدة من “أبو عركي البخيت” من شأنها أن تعيد الأمور في الساحة الفنية إلى نصابها الصحيح.. قد تكون أغنية واحدة مثل (بخاف) أو (واحشني) أو (عن حبيبتي بقول لكم) أو غيرها، يمكن أن تحيل أمسيات الخرطوم إلى حالة مزاجية نادرة يختلط فيها الشجن النبيل بالتنفيذ الموسيقي المتقن بالصوت المترع بالشجن، إلى قلعة حصينة تصفع بقوتها وجبروتها أغاني (الهبوط) و(السفح).
} مسامرة أخيرة
ﺭﻏﻢ ﺍﻟﺘﻌﺐْ
ﺷﺎﻳﻔﻚ
ﻋﻠﻰ ﺿﻬﺮ ﺍﻟﺒُﺮﺍﻕْ
ﺭﺍﺩﻑ ﺷﻬﻴﺪ
ﻏﻀﺒﺎﻥ ﻏﻀﺐ.
ﻭفي ﺍﻷﺭﺽ
ﻃﻔﻠﺔ
ﻣﺪﻯ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ
ﺗﺼﺮﺥ
ﻋﺮﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﻕ
ﻳﺮﺟﻊ ﺻﺪﺍﻫﺎ
ﻏﺮﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﻕ
ﺣﺮﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﺍﻕ
ﺗﻠﻬﺞ .. ﻋﺮﺍﻕ
ﺗﻨﺨﺞ .. ﻋﺮﺍﻕ
ﺗﺰﻫﺞ؟
ﺗﻌﻴﺪ
في ﺩﺟﻠﺔ ﻳﻠﻔﺤﻪ
ﻟﻠﺒﻌﻴﺪ
لي ﺿﻢ ﺷﻬﻴﺪ
ﻣﻦ ﺩﻡ ﻣﺮﺍﻕ
ﺗﻨﺪﻫﻠُﻮ
ﻳﻼّ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ
ﻧﺎﺱ ﺑﻴﺘﻨﺎ
ﻋﺎﺯﻣﻨّﻚ ﺣﻠﻴﺐ
بي ﺑﺴﻜﻮﻳﺖ ﻳﺎﻓﺎ
ﻭﺧﺒﻴﺰ ﺃمي
ﺍﻟﻠﺬﻳﺬ!!
ﻭﺃﻧﺎ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰ
ﻣﺸﻮﺍﺭ ﺑﺴﻴﻂ
ﻭنسة
ﻭﺣﺪﻳﺚ!
من قصيدة (حجر الدغش) – “حميد”