بعد..ومسافة
ليلة سالت فيها الدموع..
مصطفى أبو العزائم
أمسية (الأربعاء) السادس من هذا الشهر (ديسمبر) التأم شمل كثيرين داخل القاعة الرئاسية في قاعة الصداقة بالخرطوم، المناسبة لم تكن حشداً سياسياً، ولا خطابياً، ولا يحمل أي أبعاد استعراضية، فالمناسبة التي جمعت الكثيرين من داخل السودان وخارجه، كانت إنسانية خالصة، توجهت فيها القلوب والنيات والأعمال لله سبحانه عز وجل، وقد دعت لها المؤسسة السودانية لذوي الإعاقة، والمناسبة كانت توزيع الجوائز على المشاركين والمتنافسين على جوائز الإبداع في كثير من المناشط الثقافية والفنية والأدبية والإعلامية التي دعت المؤسسة للتنافس عليها، ورتبت لها ترتيبات عظيمة وهيأت المناخ المناسب للتنافس والمشاركة والتقييم، وخلف هذا العمل الكبير كان يقف رجل كبير رأى أن يكون في الظل مرتين، الأولى عندما ابتعد وتنحى طوعاً واختياراً عن أرفع المناصب القيادية في الدولة، ليختار بعد التقاعد من العمل التنفيذي– ولا أقول السياسي– أن يتجه إلى العمل الإنساني الصرف.
أما المرة الثانية التي اختارها ليكون في الظل، فهي عدم ظهوره كقائد لهذا العمل الإنساني العظيم من خلال رئاسته لمجلس إدارة المؤسسة السودانية لذوي الإعاقة، ونشير إلى الأستاذ “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، وقد اختار الابتعاد عن الأضواء الرسمية ليبدأ مرحلة جديدة من حياته تستحق أن يقف عندها الناس كثيراً.
كانت الليلة مؤثرة وعظيمة، تجلت فيها عبقرية مولانا الأستاذ “عبد الباسط سبدرات” وتطويعه للمفردات لتصبح صورة حية، وهو يخاطب الحفل افتتاحاً من المنصة الرئيسية، وبين الحضور ضيوف كرام على مستوى رئاسة وقيادة المنظمات الإسلامية والعربية العاملة في جوانب دعم ذوي الإعاقة.. وتحدث بعده كثيرون، وتم تقديم فقرات خاصة بالفائزين.. فقرات مدهشة وحميمة، أسالت الدموع من مآقي كثير من الحاضرين، وقد كنت مجاوراً للبروفيسور “التجاني الكارب” وللأستاذين “الزبير عثمان أحمد” المدير العام للهيئة السودانية للإذاعة والتلفزيون و”حسن فضل المولى” مدير عام قناة النيل الأزرق، وآخرين.. وقد شهدت الدموع في الأعين تسيل وأشهدت من كان إلى جواري على ذلك، وقد انتقل التأثر حسبما عرفت بعد ذلك إلى خارج القاعة للملايين الذين شاهدوا الاحتفال منقولاً على الهواء مباشرة في بعض الفضائيات وفي مقدمتها قناة النيل الأزرق.
تغنى المغنون وأنشد المداح والمنشدون، وانفعل كثيرون من ذوي الإعاقة فصالوا وجالوا يتماسكون يسند بعضهم بعضاً.. ووقف أمامي “كمال البعيو” أشهر أقزام مدينة أم درمان، فاحتضنني وصوته لا يكاد يخرج من فرط التأثر، وقال لي إن أمنيته الآن بسيطة وهي امتلاك عجلة خاصة، فوعدته خيراً وقلت له إنني سأخبر الوزيرة “مشاعر الدولب” وقد كانت تجلس في ذات الصف الأمامي إلى جوار الوزيرة “سمية أكد” وقلت له إن طلبه لن يكلف كثيراً، لكن عملية الإخطار تلك لم تتم إذ لم أجد الفرصة لإخطار الوزيرة بهذا الطلب، لكنني أكتبه اليوم وأخاطبها عبر هذا المقال.
عندما بدأ تكريم بعض الشخصيات والرموز، همس البروفيسور “التجاني الكارب” في أذني يحدثني عن اهتمامات شيخ “علي” الإنسانية التي بدأت معه باكراً، وكيف أنه اقترب من هذا الملف كثيراً عندما تولى مسؤولية وزارة التخطيط الاجتماعي، وتحدث حديثاً كثيراً وطويلاً لا أملك أن أنشره، لأنني لم أستأذن صاحبه ولم أستأذن الطرف الآخر، لكنني تأكدت من أن محدثي هو من المقربين جداً للشيخ الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، ويعرف تفاصيل كثيرة وجوانب مهمة من حياته واهتماماته، وأن محدثي البروفيسور “الكارب” ظل يؤكد على هذا الجانب الإنساني العميق لدى الشيخ الذي اختار الظل بعيداً عن بريق السلطة والدنيا الزائف.
كانت الأمسية عيداً لأولنا وآخرنا ممن كان لهم وجود وصلة بالحدث، وشهدنا الفرحة في عيون ذوي الإعاقة حتى تلك العيون التي انطفأ نورها لكن قلوب أصحابها أضاءت.
اللهم تقبل منا صالح الأعمال، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين.. آمين.
.. و.. جمعة مباركة.