بعد..ومسافة
“البشير”.. لماذا دورة رئاسية جديدة؟
مصطفى أبو العزائم
عندما أطلقت جماعة الطرق الصوفية مبادرتها الجريئة قبل أسابيع بترشيح الرئيس “البشير” لدورة رئاسية جديدة، كانت تلك المبادرة عبارة عن أول طلقة في مضمار السباق الرئاسي قبل أن يبدأ، وقبل أن يتم تمهيد الميدان تماماً، وقد انتبه أهل السودان إلى هذه المبادرة بآذان مرهفة وأعين يقظة لما تمثله الطرق والجماعات الصوفية من ثقل مجتمعي داخل بلادنا، وربطوا ذلك بتأسيس حزب صوفي تتكون كل قياداته من المشايخ المعروفين، وإن كان البعض لا يرى ضرورة لتكوين حزب واعتماده لدى مسجل الأحزاب باسم الحزب الصوفي، مستندين إلى أن الأوعية السياسية كثيرة ومتعددة تمثلها الأحزاب والتنظيمات المختلفة، وتضم من بين عضويتها منتمين لأكثر من طريقة صوفية.
مبادرة الصوفية كانت الانطلاقة، ثم جاءت بعد ذلك مبادرة إحدى الدوائر الجغرافية في غرب ولاية القضارف، وهي الدائرة التي يمثلها الأستاذ “ياسر يوسف” وزير الدولة بالإعلام، وقد أجمع أهل الدائرة على ترشيح المشير “عمر حسن أحمد البشير” للرئاسة في دورة جديدة مع انتخابات 2020م القادمة، ثم تتالت المطالبات بإعادة ترشيح المشير “البشير” لدورة رئاسية جديدة من كثيرين في كسلا والجزيرة، ومن فئات عديدة نساء وشباب في الخرطوم وغيرها.. رغم أن هناك أصوت ظهرت حتى من قيادات محسوبة على المؤتمر الوطني، ظلت تردد أن هذه الدورة الرئاسية هي آخر دورة لـ”البشير” وفق الدستور، وغير ذلك من أحاديث تطايرت مثل خيوط الدخان في فضاءات السياسة.
قطعاً، إن قرار إعادة ترشيح الرئيس “البشير” لدورة رئاسية جديدة لم يكن من قبل قراراً شخصياً يتخذه المرشح بعيداً عن حزبه أو مكتبه القيادي، وشخصياً لا أرى أمامي غير أن يرشح المؤتمر الوطني المشير “البشير” للرئاسة لأسباب عديدة، أبرزها أن داخل المؤتمر الوطني الآن تيارات متصارعة كشفت عنها الخلافات التي استفحلت بين قيادات الوطني وبعض الولاة في الولايات التي ظن البعض أن بعدها عن المركز سيجعلها بعيدة عن الالتزام الحزبي الصارم الذي كان نهج وديدن المؤتمر الوطني منذ بداية تأسيسه.
ثم إن هناك قيادات في الحزب نفسه ابتعدت عن غرفة التحكم المركزي بالحزب لكنها لا تريد التنحي تماماً، فأخذت تحرك من كانوا معها أو أسهمت هي في ترفيعهم ليكونوا ظلاً لتلك القيادات، وهو ما قاد إلى هذه الانشقاقات التي تكاد أن توقف نمو الحزب بحيث يبقى شائخاً لا تتجدد خلاياه ولا عضويته.
وهناك سبب ثالث مهم وهو الإجماع الشعبي على الرئيس لا على الحزب، وهذا هو مربط الفرس لغير منسوبي المؤتمر الوطني، فالذين على رصيف المشهد من المستقلين يرتبطون بشخصية الرئيس الذي يرون فيه (ود البلد) الشجاع الذي تحدى الجنائية والاتهامات الظالمة، وتحدى حلف الغرب.. ثم انتصر في النهاية بأن تم رفع العقوبات عن السودان، ولم يبق إلا شطب اتهامات الجنائية الدولية في مواجهته، لذلك لن يسمح السودانيون– عموماً– بأن يجعلوا مصير رئيسهم مرهوناً بالرضا الغربي في ظل اتهامات ظالمة وتهم بائسة تنكشف سوءتها وضعفها حتى دون أن تتعرض لاختبار.
قطعاً، ليس كل الخارجين من القدامى يقفون ضد ترشيح الرئيس “البشير” لدورة رئاسية جديدة، فمن المؤكد أن هناك شخصيات ذات ثقل ووزن تؤيد ترشيحه لدورة رئاسية جديدة، لأنها ترى فيه صمام أمان للبلاد مع هذا التهتك الأمني وعدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه بعض دول الجوار الإقليمي.. لذلك يأمل الكثيرون– ونحن منهم– أن تبادر اللجان القانونية المختصة داخل الحزب الحاكم وداخل المجلس الوطني بإجراء تعديلات دستورية تسمح للرئيس “البشير” بخوض انتخابات 2020م لدورة رئاسية جديدة.