مسامرات
برافو (سودانية 24)
محمد إبراهيم الحاج
{ نظرة واحدة سريعة إلى قنواتنا الفضائية القديمة منها والجديدة كفيلة بأن تجعلك توقن أن إعلامنا الفضائي يتأخر بسنوات ضوئية عن نظيره العربي، ومئات الفراسخ عن مثيله العالمي.. تقهقر نلمسه كل صباح ومساء.
{ فالقنوات الفضائية لدينا لا تتعامل مع الأحداث السياسية والرياضية والاجتماعية بالمنهجية الإعلامية المعروفة التي تشير إلى أن دورها الأساسي والمهم هو تقديم المعلومة وتحليلها.. وشرح حواشيها ومتونها.. ومتابعة صدى الخبر السياسي والاجتماعي والرياضي بدقة وسرعة ومهنية عالية.
{ وهذا الأمر تحديداً ظلت تعاني منه المؤسسات الإعلامية السودانية رغم ريادتها وسبقها لأغلب القنوات العربية الموجودة الآن في الساحة.
{ وهذا التأخر لقنواتنا عن نظيراتها قذف بها بعيداً.. وجعلها ضئيلة التأثير.. وليس لديها القدرة على منح المعلومة الكافية للمشاهدين داخل البلاد، وهو الأمر الذي جعل أغلب السودانيين يمسكون بالريموت كنترول ويهربون إلى قنوات مثل (الجزيرة_ العربية_ الحرة وغيرها من الفضائيات العربية).
{ وأغلب تلك القنوات الفضائية تنقل الخبر برؤيتها ومنهجيتها.. وربما تدس كثيراً من سم إستراتيجيتها الإعلامية في (دسم) الخبر.
{ عدم ثقة المشاهدين السودانيين في المؤسسات الإعلامية في تعاملها خاصة مع الخبر السياسي واكتفائها بنقل ما يرد إليها عبر المؤسسات الرسمية فقط جعل أغلبها كسيحة.. فاقدة لأهم مقومات رسالتها الإعلامية.
{ وظللنا ننتظر لوقت طويل أن تأتي فضائية قادرة على اختراق الحواجز التي هي في غالبيتها موجودة في أدمغة مديري تلك البرامج.. لأن العمل الفضائي لا تختلف مساحة الحرية فيه عن الموجودة في الصحف التي تنتج الخبر السياسي وتتابعه بهامش حرية أكثر من الموجود في الفضائيات.. وذات هامش الحرية الموجود في الصحف يمكن أن يتوفر للفضائيات.. ولكن مديري إدارات برامجها لا يريدون ذلك.. لا يريدون أن يقدموا خدمات مهنية لأنهم مجرد موظفين يعتقدون أن أي خروج عن المسار الذي حدد لهم سيهدد وظيفتهم.
{ لم يتعاملوا مع العمل الإعلامي كشكل من أشكال الإبداع.. لكنهم (حنطوه) كوظيفة.
{ قناة (سودانية 24) كسرت هذا الحاجز عبر بعض البرامج التي خاطبت القضايا الحية والملحة في السياسة والاجتماع والفنون.. استطاعت أن تتحرك بحذاقة مهنية في هامش الحرية الممنوح للعمل الإعلامي في السودان وقدمت حلقات تحدثت فيها بحرية أكبر في الاقتصاد والسياسة، وحوارات ساخنة في قضايا الفنون والمجتمع.
{ أمس الأول أذعنت (سودانية 24) للمهنية الإعلامية واستضافت قائد قوات الدعم السريع “حميدتي” الذي وضع الحقائق كاملة أمام الناس.
{ الفضائية تحركت بسرعة وبمهنية واستضافت “حميدتي” في البرنامج الذي يقدمه مديرها “الطاهر حسن التوم”.
{ كنا حتى وقت قريب نلوذ بالفضائيات العالمية والعربية لنعرف ما يجري في كل الأحداث في السودان.. ففضائياتنا وإذاعتنا ظلت (محنطة) يديرها موظفون وليس مبدعين.. ينتظرون الإذن من رؤسائهم للتحرك.. فالأوامر مثبتة في أدمغتهم.. والحواجز الإبداعية تتخلق في تفكيرهم.
{ برافو (سودانية 24) لأنها قدمت شكلاً مهنياً كان مطلوباً بشدة في الفضاء الإعلامي السوداني وكنا نفتقده بشدة.
} مسامرة أخيرة
{ للأسف، الحقيقة التي يجب أن لا نتعامى عنها، أن معظم إعلامنا بات يصوب عرقه وإمكاناته نحو صناعة مذيعات ومقدمات برامج لا يعرفن شيئاً سوى (الهوامش).. لا يعرفن سوى الإكسسوارات الجديدة، والثياب التي عادة ما تكون أكثر لمعاناً من عقولهن.. باتت الهوامش هي ما تتحكم في أصول اللعبة الإعلامية، وصار إعلامنا فقط منتجاً ومحتضناً وراعياً وناقلاً أميناً لتلك الهوامش التي حسبناها مع الأيام هي أصل الأشياء.