رأي

مسامرات

مهرجان البركل!

{ يختلف مهرجان البركل عن غيره من المهرجانات الموسمية التي تقيمها بعض الولايات في الجزيرة والشرق والغرب.
{ ميزة المهرجان التي تجعله مختلفاً أنه يسعى في كلياته إلى بعث الحضارة السودانية العتيقة، باستخدام الإرث التاريخي والإنساني للمنطقة التي تحيط بالجبل الكبير، بالإضافة إلى لفت الانتباه إلى ما تحويه المنطقة إجمالاً من مناطق سياحية وجمالية وطبيعة ساحرة تصلح لأن تؤشر بأن البلاد بها مرافق سياحية يمكن استثمارها لتقدم بلادنا بشكل مختلف.
{ المكونات الجمالية لمنطقة منحنى النيل ساهمت في إنجاح النسخة الأولى من المهرجان الذي تم الإعداد له بشكل مرتب ورائع.. ولم يُترك شيئاً للصدفة.. ثم تراجع المهرجان بعد ذلك في النسختين الثانية والثالثة.
{ التفت الناس للقيمة الكبيرة للمهرجان ودوره الاقتصادي والسياحي والثقافي والفني لأبناء المنطقة، وسعوا عبر هذه النسخة إلى تقديم نسخة مزيدة ومنقحة ترفعه درجات عن النسخ السابقة.
{ نعم، سعت اللجنة الحالية إلى جعل المهرجان هذا الموسم مختلفاً.. لكن إرهاصات البدايات ربما تؤشر إلى غير ذلك.
{ بدأت النسخة فعلياً وإعلامياً بالترويج عبر ملصق كبير للمغني اللبناني “وليد توفيق” وهو يملأ مساحة البوست من بدايته وحتى نهايته، وفي مساحة صغيرة في الأسفل كانت صورة لجبل البركل.
{ هذا الملصق الإعلاني فتح على اللجنة نيران الهجوم بعد اعتباره مسيئاً لجبل بقيمته ورمزيته التاريخية بأن يوضع أسفل أقدام المغني اللبناني.. ثم ما لبثت اللجنة أن تنكرت للملصق وبدلته بآخر.
{ إذا تجاوزنا الشكليات فإن المهرجان في فكرته الفلسفية، حسب فكرتنا عنه، قدم المنتج السوداني من ثقافة وسياحة وفنون بمكونات محلية.. مكونات لديها الموهبة والإبداع، فالمنطقة غنية بالشعر والحكايات والموسيقى والطبيعة البكر والكرم.
{ ويصطدم هذا المكون الجمالي بمكون آخر مصنوع رأت اللجنة أنه يمكن أن يساهم في الترويج له.. بعد إعلان تعاقدها مع عدد من الفنانين العرب واللبنانيين.
{ ليعي القائمون على أمر المهرجان.. أن مساندتنا له لأنه يتحدث عن ثقافتنا وتكويننا ووجداننا وتاريخنا الضارب في القدم.. فليغنِ “عبد القادر سالم” و”محمد الأمين” و”النصري” و”السقيد” و”إنصاف مدني” و”ندى القلعة” و”حسين الصادق” و”طه سليمان”.. فهذه هي ثقافتنا التي تمثل إيقاعنا الداخلي.
{ لا أفهم كيف تتعاقد اللجنة مع مطربين عرب انحسرت عنهم الأضواء، وربما لا يفهمون شيئاً عن حضارتنا وتاريخنا.. وأن يتم استخدام أسمائهم التي أهيل على أغلبها غبار النسيان، فهذا تخبط إداري وقعت فيه اللجنة قبل بداية المهرجان.
{ افتحوا مسارح المهرجان لثقافتنا المحلية.. دعوها تتنفس وتعرض رقصات “الكمبلا” وإيقاعات “الدليب” و”التم تم” والجراري والسيرة.. فهذا هو نبضنا الذي نود أن نمنحه للعالم.. هذا هو اختلافنا الذي يميزنا عن بقية المهرجانات.
{ لا نريد مطرباً يتحدث بلهجة لا نفهمها.. هم لا يفهمون سوادننا ولا لكنتنا ولا لهجتنا ولا ثقافتنا ولا (حرقة نفسنا).. وهم بذلك أبعد ما يكونون عن ثقافتنا.
{ ثمة قائل إن المهرجان يهدف إلى التبادل الثقافي بين الدول وغير ذلك من المبررات الواهية.. ولكن حتى هذا التبادل يأتي من ثقافتين تعترف كل واحدة بالأخرى.. تبادل يبرز فيه عنصر الاختلاف الذي يقويه التبادل والتمازج.. وليس استقدام مطرب بعشرات الآلاف من الدولارات لانبهارنا اللزج به.. وقد وضح ذلك جلياً في طريقة وضع صورة المطرب اللبناني “وليد توفيق” أكبر حتى من صورة جبل البركل ذاته.
{ لقد بح صوتنا محذرين من مغبة التمسُّح بالأصول العربية وإظهارها بأنها الأصل.. رغم أننا سبقناهم بمئات الآلاف من السنوات.. فمتى يدرك القائمون على الأمر هنا أهمية هذا الاعتداد بالهوية وتجاوز الثقافة العربية الوافدة التي لم تورثنا إلا ما نحن فيه الآن؟
 } مسامرة أخيرة
 ومنك وين يا كاشفة عيني بي نور الإلفة ضيا الحنية
وحلم العالم الناس تتسالم والبني آدم صافي النية
والأطفال الناشفة ضلوعا
إطمن روعها وتبدأ تغني غناوي البكرة الكم مسموعة
حسيس طمبارة مع نقارة صفقة حارة ودارة تغني
فيا حلتنا عليك ترابك وإنت شبابك زينة الجني
أحلى عروس البلد اللتنا ولّا الغبش الرابة تهني
ولّا هدير المدن التصحى وتمحى ظلام الحاصل عني
“حميد”

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية