ديل أهلي..!
يشبهني هذا الدفء حظ التوأمة.. الصباحات التي يختلج فيها الحنين وينتشر في جوها الوئام..
الوجوه التي تقفز لك ابتساماتها كلما أبصرتها بحياء..
البساطة التي تمشي على رجلين..
هنا وطني..
وهنا أنا أتنفس الود مع الأوكسجين.. وأُخرِج ثاني أكسيد الكربون محمّلاً بأسى الغربة والرحيل..
أنا هنا حيث (عوعاي الديك) صوت الأذان الذي يعبر الروح قبل السمع، ربما لأن السمع أقوى وأسرع الطرق للوصول إلى الروح..
أو لأن الأذن تعشق قبل العين أحياناً..
أحب هذا الوطن بشتى تفاصيله.. بكل ملامحه المفعمة بالتضاد.. الموغلة في الغرابة والدهشة من جميل أشياء..
أحب أهله الطيبين الذين (يتتالبون) الضيف قبيل أن يستريح..
حكى لي عمي ذات صفاء أنهم حلوا ضيوفاً على أصدقاء أصدقائهم بعد رحلة سفر مرهقة استمرت لأكثر من تسع ساعات، فاستقبلوهم بالترحاب والبشاشة كعادة السودانيين.. غير أنهم صُدموا بعد أن قدم لهم أهل البيت قدحاً واحداً كبير الحجم يحوي في جوفه (عصيدة بي ملاح ويكاب).
استحى بعضهم وكادوا يتهامسون لولا وجود بعض أهل البيت معهم، ولكنهم سلموا أمرهم لله وأكلوا وجبتهم وهم في غاية التعب ثم هموا بالنوم، غير أن مضيفيهم حالوا دون نومهم في أُنس طويل حتى اشتدّ جوعهم مرة أخرى.. وربما كان هذا هو المبتغى..
حينها انهالت عليهم اللحوم التي أقسم عمي أنهم لم يروا مثلها على الإطلاق.. إذ انهم ذبحوا لهم أكثر من ثلاثة خراف غير الحاشي الذي عرفوه من (كبدته).
فاختنقوا بالعبرات لسوء ظنهم بكرم أهل المنطقة الذين تباروا في إكرامهم لأنهم علموا مدى تعبهم فخشوا أن لا يأكلوا شيئاً بتلك الحالة ويهرعون إلى النوم.. فقدموا لهم (الويكاب) الذي عُرف بسرعة هضمه ليتم استخدامه كفاتح شهية.
هذا هو الكرم الذي أحب.. في الوطن الذي أحب.
} خلف نافذة مغلقة
شكرا ًمكتبة طيبة بأم درمان.. شكراً لـ”محمد الفاتح”.. وشكراً لكل القائمين على أمرها لإنسانيتهم التي تميزوا بها عن سواهم.
شكراً عميقاً لتعاملهم الراقي الذي رأيته مع غيري قبل أن يكون معي.