مسامرات
محمد إبراهيم الحاج
حكايات الأربعاء
{ العاشقون لـ”عثمان حسين” دائماً ما تنتابهم حالة من التوهان الوجداني في دنياوات فالتة، يحرض أحزانهم إلى التحول لتسامح واعٍ.. ويحيلها إلى أن تبرق بوميض العاطفة (النبيلة).
“عثمان حسين” جعل للأغاني خواص الشم واللمس والشوف.. وبهذا كانت أغانيه الأكثر التصاقاً وتأثيراً على العاطفة الحية للناس، واستمدت سمر سرمديتها وذيوعها بين أجيال مختلفة لما (حوته) كلمات أغنياته المنتقاة بعناية فائقة من (شعراء) حلقت أشعارهم بحنجرته وسكنت في أفئدة الجميع، وكستها بلون الذهب فأبعدت الضجر في أحايين، وفي أخرى (باحت) تلك الأغاني بما تحويه من مناجاة مستترة أو مخفية لا فرق.
نحن في أشد الحاجة إليه الآن وفي هذا الوقت بالذات أكثر من غيره.. وفي حاجة ملحة لمثله، يمنح للوجدان حيزاً مما وطن فيه من مغنين يروجون بلؤم ويرمون بغدر سهماً نافذاً في خاصرة الكلمات النبيلة.
نحن في حاجة إلى (فنان) بقامة “عثمان حسين” نعشقه بفطرة سليمة رغم هدوئه وهيجان (شجنه) وحزنه يمنحنا رهف الإحساس ويغوص في (أسرارنا) دون أن نتضجر مما يلطمه فينا من تمدد القبح بكل أنواعه.. ويمنحنا قدرة الإحساس بالشعور النبيل.. ويجعلنا ننحاز ونحتمي به وإليه ساعة أن ينوء القلب بما يحمله ويتلفت في لوعة.
{ إذاعات الـ(FM) وعبثية الإعلام
ما زالت بعض إذاعات الـ(FM) تمارس بسبق إصرار وترصد طمس الملامح الثقافية والفنية الموروثة.. وتخوض في وحل تبني رسالة (إعلامية) مشوّهة.. وما زالت تتبنى في سفور غريب وتنزع عن نفسها صفة (السودانوية) بكامل الوعي والإدراك.
وحقيقة لا أدري هل هذا الإفساد (المتعمد) لأذواق القادمين والناشئة كان وفق خطط مدروسة معدة مسبقاً، جنّدت لها تلك الإذاعات كل طاقاتها المادية والبشرية وتمضي في دربها دون أن تقف في طريقة بثها مصنفات أو وزارة ثقافة؟ أم أن ما يحدث لا يعدو سوى كونه اجتهادات آنية، بحثاً عن أذن مستمعيها دون (تخطيط) سابق، وأن هذا (العك) الممارس آناء الليل وأطراف النهار عبارة عن ارتجال برامجي ليس سوى سحابة الصيف التي سرعان ما تنقشع لتفسح المجال لصفاء الأجواء واتساقها الطبيعي؟
وفي كِلا (الحالتين) فإن ضياع التخطيط أو عبثيته يشكلان حالة ينوء بها ظهر (الإعلام) المطلوق والمفتوح على مصراعيه.
{ النجومية الملغومة
“أحمد الصادق”، “طه سليمان”، “شكر الله عز الدين” وغيرهم من أبناء جيلهم لا يختلف اثنان على قدراتهم التطريبية العالية، وما يمتلكونه من كاريزما وقبول فرضا وجودهم على المشهد الغنائي الشبابي.. ولا أحد ينكر مدى ما يتمتعون به من جماهيرية واسعة وسط الشباب.. ولكن ما نود أن نهمس به في آذانهم هو أهمية أن يرجعوا بأذهانهم وتفكيرهم إلى من سبقوهم في هذا المجال.. بعضهم وضع (بداية) رجله في الطريق، وظنوا أنها توطّنت وثبتت ما أعماهم عن رؤية ما سيأتي بعد ذلك، ولم تلبث أن جرفتها هاوية النسيان من ذاكرة الناس حين ركنوا إلى تلك النجومية ولم يحسبوا حساب ما سيكون عليه مآل الحال.. فالاعتماد على أغاني الغير قد يكون سبباً في الظهور لكنه بكل الأحوال لا يمكن أن يكون معياراً حقيقياً للاستمرار وما لم يقدروا على فرض إنتاجهم الخاص فإن للنسيان سلطان لا يقاوم كما النجومية.. والأحرى لهم أن (يسمعوا كلام الببكيهم وما يسمعوا كلام البضحكهم)!!
} مسامرة أخيرة
يطــول الليـل علـى البيشيلــو يتوجــع
يقيف عجل الزمان تب فجرو ما بيطلـع
يزيـد الشـوق مـع نسماتـو يترعــــــرع
تبـكي الـزول قـدر ما قلبــو يتـشجــــع
وأنا أصلوا قليبي دايماً للهموم مشـرع