تقارير

"البشير" إلى القاهرة.. علاقة شائكة بانتظار نتائج مفاجئة

أثناء الانتخابات المصرية، سألت المتحدث الرسمي باسم حملة المرشح الرئاسي الدكتور “محمد مرسي” عن خلو برنامج (النهضة) الذي قدمه (حزب الحرية والعدالة) لحكم مصر من تقديم رؤية واضحة لعلاقة إستراتيجية أو متميزة مع السودان، كما أن الحملة الانتخابية ذاتها لم تتحدث بشكل واضح عن هذا الأمر، وكانت إجابة المتحدث وقتها بما يشبه النفي، لكن لم يختلف واقع العلاقة  والرئيس “مرسي” على سدة الحكم عن ما قبلها، فطائرة الرئيس المصري الجديد حطّت في المملكة العربية السعودية والصين وإيران وغيرها دون أن يلتفت إلى جارته القريبة ذات العمق الإستراتيجي مع ما يجمع البلدين من صلات اجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية.
وتبرز تساؤلات كثيرة فرضتها الزيارة المعلن عنها للرئيس “البشير” إلى القاهرة، في وقت توقع فيه المراقبون هنا أن يحدث العكس، فالسودان بالنسبة لكثير من الساسة المصريين يعدّ العمق الاقتصادي الإستراتيجي للاقتصاد والأمن القومي المصري، وسبق أن تحدث خبراء مصريون عن إمكانية تحقيق ازدهار اقتصادي تحققه إرادة سياسية مستقلة في البلدين، وهو ما توفر  للرئيس المنتخب “محمد مرسي” وحكومته التي جاءت بها ثورة 25 يناير الشعبية وأطاحت بنظام “حسني مبارك”، الأمر الذي خلق واقعاً جديداً في مصر أتاح لها إمكانية الاستفادة القصوى من جارتها المهمة السودان في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والمعادن وخلافها، لغرض إحداث طفرة اقتصادية تعود بالنفع على البلدين، وهو ما يحتاجه السودان المنهك اقتصادياً.
ويضع مراقبون احتمالات لتباطؤ الرئيس المصري الجديد في الاهتمام الواضح بالسودان وزيارته لتحقيق مثل هذه الأهداف الإستراتيجية، فمن ناحية يرى هؤلاء أن التركة الثقيلة لنظام “مبارك” ووجودها في أجهزة ما يسمى (الدولة العميقة)، حيث يعمل ما يسمى (الفلول) على عدم خلخلة الرؤية و(السيستم العتيق)  للنظام العسكري، وإبقاء الأمور على ما هي عليه، حتى أن أحد المسؤولين الحكوميين صرح لوسائل إعلام، بأن عدم الإفراج عن المنقبين السودانيين الذين أُلقي القبض عليهم على الحدود المصرية السودانية وأمر الرئيس “مرسي” بإطلاق سراحهم، وأُفرج عنهم لاحقاً، يعود إلى ما سماه (الفلول).
وفي السياق، يُرجع بعض هؤلاء المراقبين عدم زيارة “مرسي” إلى السودان إلى حسابات خاصة بالجانب المصري تتعلق بحسابات العلاقة مع دولة الجنوب لدواعي عدم توتيرها بعلاقة قوية وإستراتيجية مع السودان الشمالي، الأمر الذي يؤثر على مصالح مصر الحيوية في ما يتعلق بمسألة مياه النيل. فيما يرى البعض أن مجمل التباطؤ يتعلق بحسابات الحكم الجديد الداخلية وتركيزه على تحقيق مصالح اقتصادية يبحث عنها الاقتصاد المصري المنهك، وهو الأمر الذي دعا القيادة الجديدة للبحث عنها في (الصين).
 ووفقاً لصحيفة (اليوم السابع) المصرية، فإن الرئيس المصري استطاع في زيارته إلى العاصمة الصينية (بكين)، إحراز مجموعة من الأهداف المهمة تنوعت ما بين الاقتصادية والسياسة، أثمرت عن توقيع (8) اتفاقيات استثمارية كبرى بين الدولتين، بالإضافة إلى اتفاقيات بين رجال الأعمال المصريين والصينيين بقيمة تجاوزت (4.8) مليار دولار، كما حملت الزيارة رسالتين سياسيتين فى منتهى الأهمية، الأولى لها علاقة بالتأثير المباشر لدور الصين على الوضع في سوريا، باعتبار الصين وروسيا إحدى أهم القوتين الداعمتين لبقاء النظام السوري، والأخرى كانت تخص ملف حوض النيل وقناة السويس بمصر، وتأثير سياسة بناء السدود التي كانت تعتزم الصين بناءها على حوض النيل، بالإضافة لاستقطاب أكبر نسبة من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة من الصين إلى مصر، وزيادة حجم التبادل التجارى بين الدولتين.
بينما أتت زيارة الرئيس المصري إلى المملكة العربية السعودية كمؤشر لتوجه ودور جديد لمصر في سياق تعزيز دورها الإقليمي، وبالتأكيد فإن زيارته إلى السعودية ستحقق نتائج سياسية واقتصادية، الأمر الذي لم يفعله مع جارته السودان.
وكان رد المتحدث الرسمي باسم حملة “مرسي” إبان الانتخابات المصرية على سؤال طرحته عليه (المجهر) عن رؤية “مرسي” للعلاقة بين مصر والسودان، أكد وبشكل واضح أن السودان هو الامتداد الطبيعي لمصر، وأن علاقات البلدين علاقات تاريخية نرتبط بها لأشياء كثيرة، خاصة وأن النظام السابق لم يطورها بما يفضي إلى إحداث علاقات حقيقية، وأكد أن البلدين لابد أن يكون لهما دور مهم وقوي بحسبانهما بوابة أفريقيا، بالإضافة لمسألة تأمين مياه النيل، كما تحدث باسم “مرسي” وقتها.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية  “صلاح الدين عبد الرحمن الدومة”، أن زيارة الرئيس “البشير” إلى مصر لن تحقق شيئاً للسودان، ولن يخرج من القاهرة إلا بمجرد نصائح يقدمها له الحكام الجدد هناك، فهم كما يقول (براغماتيون) وعمليون اجتهدوا لإرضاء الرأي العام المحلي كما أرضوا القوى العالمية، حيث وقعوا معها اتفاقيات سرية، وذلك على الرغم من توجس القوى العالمية من وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر، إلا أنهم بالنتيجة غير مكروهين مثلما حدث لإسلاميي السودان.
ويضيف: (يوجد عدم تكافؤ ما بين الحكومتين السودانية والمصرية، وبمقارنة موضوعية نجد أن “مرسي” وحكومته أتوا عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة عبرت عن إرادة الشعب ووجدت قبولاً محلياً وعالمياً، لدرجة أن القوى الكبرى ضغطت على المجلس العسكري من أجل تسليم السلطة للحكومة المنتخبة بدلاً عن محاولتها فرض فوز الفريق “أحمد شفيق” عبر تزوير النتيجة لمصلحته، وبالمقابل نجد أن حكومة الرئيس “البشير” جاءت عبر انقلاب عسكري، كما أنها مطاردة من قبل القوى الغربية التي تزداد ضغوطها يوماً بعد يوم). ويقول “الدومة”: (لم يأت “مرسي” لزيارة السودان لعلمه بأن الحكومة السودانية هي التي ستأتي إليه، وهذه  سمة ظلت ملازمة للساسة السودانيين، إلا أنها وصلت لقمتها في عهد الإنقاذ، وبالتالي ستظل حتى الحقوق السودانية، مثل قضية حلايب، محل رجاء وليست مطلباً يمكن أن يقدمه الرئيس “البشير” بندية أمام الرئيس المصري، وبعكسها فإن، مصر ستحقق كل مطالبها في السودان).
ويختم بروفيسور “الدومة” عن علاقة مصر في التعاطي مع دولتي الشمال والجنوب فيقول إن الساسة الجنوبيين لديهم الذكاء السياسي أكثر من رصفائهم الشماليين، وأثبتت الدبلوماسية الجنوبية أنها الأذكى وهم، بالإضافة لذلك يستشيرون أصدقاءهم في الغرب، بعكس حكومة الإنقاذ التي لا تكترث للنصائح، ويلفت النظر إلى أن إغضاب الجنوب أمر تخشاه مصر لعلمها بأنه مسنود من الدول الغربية.
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية د. “صبحي صفوت فانوس”، إن لـ(الإخوان المسلمين) في مصر حساباتهم الخاصة، رافضاً الإشارة إلى النتائج المتوقعة لزيارة الرئيس “البشير” إلى مصر، وأضاف: (برأيي أن السبب الحقيقي لزيارته يعود إلى وجود مؤشر ما، أو بعض التحفظات لدى الحكومة المصرية أدت لتأجيل افتتاح الطريق البري بين البلدين على الرغم من اكتمال الترتيبات من الجانب السوداني، كما تأتي الزيارة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية التي تجعل من مصلحة السودان تكثيف وتعميق علاقته بمصر، فالخرطوم لديها مشاكل مع جوبا تحتاج إلى دور مصري، إضافة لمعطيات الأوضاع مع الجارة أثيوبيا عقب رحيل “زيناوي”، كما تطمح الحكومة السودانية إلى جلب الاستثمارات المصرية وفتح السوق المصري لصادر اللحوم السودانية والذرة، بالإضافة لعوامل أخرى كثيرة).
ويرجع د.”فانوس” ضبابية العلاقة بين الحكومتين الإسلاميتين في القاهرة والخرطوم إلى إدراك (إخوان مصر) لإظهار علاقات قوية مع إسلاميي السودان ورغبة (حزب الحرية والعدالة) في الوقوف على مسافة واحدة مع كل القوى السياسية في السودان، كما أنهم لا يريدون الدخول في عداء مع الغرب، وبالتالي تصنيف النظام المصري الجديد كجزء من العلاقات المأزومة مع السودان، فالجيش المصري تسليحه وتدريبه أمريكي، كما أن السياحة في مصر تتأثر بأية إشارة سالبة من الغرب، وأخيراً فإن حزب (الحرية والعدالة) يدرك بأن الظروف غير مواتية للدخول في حرب مع إسرائيل، فالرأي العام المصري يرغب في السلام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية