خبراء يتوقعون أن يفضي الاجتماع الطارئ إلى تعويم الجنيه
استباقاً لتدخل رئاسة الجمهورية عبر اجتماع طارئ اليوم
هبوط مفاجئ للدولار إلى (22.6) جنيه وتجار يعدونه انخفاضاً وهمياً
قرارات جريئة مرتقبة للسيطرة على الوضع الاقتصادي
تقرير- نجدة بشارة
ظلت الوسائط الإلكترونية تتداول منذ يومين، ورقة تظهر معدل تغييرات سعر الدولار على رأس كل ساعة، توضح أن السعر يرتفع تدريجياً، حتى وصل نهاية اليوم إلى (28) جنيهاً، في حين أكد تاجر لـ(المجهر) قال إنه ظل لفترة طويلة يعمل بالسوق الموازي، أنه لم يشهد طوال فترة عمله ارتفاعاً لسعر الدولار بهذه الوتيرة، وقال إن في نهاية الأسبوع المنصرم بدأنا البيع في العاشرة صباحاً بمبلغ (25,5) جنيه، وفي الثالثة ظهراً ارتفع الى (27) جنيهاً للبيع، و(27,3) جنيه للشراء حتى وصلت عمليات البيع في السوق الموازي إلى (28.2) جنيهاً للدولار بعد الثالثة ظهراً.
وكان وزير الزراعة الأسبق د. “عبد الحليم المتعافي”، قد حذر في وقت سابق، من احتمال أن يصل الدولار إلى (30) جنيهاً، إذا سارت الأمور بهذا التجاهل، على حد تعبيره، للتدهور المريع لسعر العملة المحلية مقابل الدولار.
ولعل من الطرائف التي تداولتها المواقع الإسفيرية أن سعر الدولار أصبح نديداً لسنوات حكم الإنقاذ، وعلق آخرون بأنه ربما يسعى ليكون في عمر إعلان استقلال السودان، فيما تندر البعض بأن رفع العقوبات الاقتصادية زاد من شراهة العملة الأجنبية للارتفاع خاصة وأنه عند إعلان رفع العقوبات الاقتصادية كان سعر الدولار لا يتجاوز (18) جنيهاً
{ هبوط مفاجئ للدولار إلى (22.6) جنيه
كشفت جولة لـ(المجهر)، أمس (الأحد) ببرج البركة عن انخفاض كبير في سعر تداول الدولار، حيث بلغ سعر البيع (22.6) جنيه والشراء (22.5) جنيه، وإذا عُرف السبب ربما بطل العجب، فقد عزا تجار في سوق العملة الانخفاض المفاجئ إلى (الحملات الكثيفة) على السوق، وأكدوا أن الانخفاض لا يعدو كونه وهمياً، وقد يعاود سعر الدولار الارتفاع مجدداً حال زوال السبب (الحملات)، فيما عزا آخرون الانخفاض إلى الاجتماع الطارئ المزمع عقده اليوم بالقصر الجمهوري برئاسة المشير “البشير”.
{ اهتمام رئاسي
ارتفاع قيمة الدولار المطرد وغير المسبوق أمام الجنيه ظل محطّ اهتمام رئاسة الدولة بأكملها، مثلما كان محل اهتمام المواطن العادي الذي يشفق من انعكاساته على معيشته. في وقت يتساءل فيه الجميع، وبلسان واحد، عمّا إذا كان ارتفاع الدولار سيستمر، أم أنه ستوقف عند سقف محدد، وهو سؤال ظل معلقاً بلا إجابة.
وفي ظل هذه التطورات الدرامية في سوق العملة، تشير مصادر مطلعة إلى أن الحكومة السودانية وعلى أعلى مستوياتها، بدأت تحركات جدية لإصدار قرارات ترمي للسيطرة على الوضع الاقتصادي بالبلاد، في أعقاب التراجع الكبير لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
وينتظر اليوم انعقاد جلسة طارئة بالقصر الجمهوري لبحث إجراءات ضبط سعر الصرف. ويتوقع أن يرأس الاجتماع الرئيس “البشير”، بحضور النائب الأول رئيس مجلس الوزراء الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”، ووزير المالية “الركابي”، ووزير الدولة بالمالية د. “عبد الرحمن ضرار”، ومحافظ بنك السودان، ووزير الدولة برئاسة الجمهورية، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ووزراء آخرين.
{ قراءة لنتائج الاجتماع
يتوقع خبراء أن يخرج الاجتماع، اليوم، بقرارات جريئة وسياسات طارئة تساهم في استقرار سعر الصرف، وأن يقود التداول لتقديم حلول تساهم في خفض الدولار آنياً، فيما ذهب مختصون إلى التكهن بأن يفضي الاجتماع إلى مزيد من السياسات التي وصفوها بالعقيمة والتي لا تقدم حلولاً جذرية نسبة لعدم وجود موارد حقيقية، أو عائدات للدولة حتى تساعد بنك السودان في ضخ العملة للمصارف وبالتالي استقرار سعر الصرف.
ويرى د. “إبراهيم” أن الحكومة ربما تسعى لإعادة ترتيب البيت من الداخل، ومعالجة مشكلة الطلب المتزايد بتوجيه بنك السودان لضخ مزيد من العملة الأجنبية للصرافات، بالإضافة لإيجاد بدائل لإيرادات عاجلة، وخفض سعر السلع الاستهلاكية، وحظر استيراد مزيد من السلع، لأن ارتفاع السلع يزيد من شراهة شراء الدولار واتخاذ سياسات حاسمة تجاه المضاربين بالدولار والعملات الحرة، بالإضافة إلى وضع سياسات تشجع الصناعات المتنوعة وعدم الاعتماد على الإنتاج الزراعي باعتباره موسمياً وخاضعاً لتقلبات الطقس، والتوجيه بتصدير الخدمات.
{ خبير يتوقع التعويم
من جانبه، توقع خبير اقتصادي- فضل حجب اسمه- أن يفضي الاجتماع إلى إعلان تعويم الجنيه. وقال في حديث لـ(المجهر) إن الحكومة مهدت بارتفاع سعر الدولار والعملات الحرة لتعويم سعر الجنيه السوداني ورفع الدعم عن السلع لتتنصل عن مسؤولياتها في دعم الشرائح الضعيفة. فيما توقع أن تصدر قرارات بزيادة حوافز تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية، وأضاف إنه إذا أصبح السعر مشجعاً، فإنه سيجذب مزيداً من التحويلات، وبذا تزيد حصيلة البنك المركزي من العملات الأجنبية، وإصدار قرارات بخفض الواردات ووقف الاستيراد العشوائي.
{ لماذا يرتفع الدولار؟
مع كل سؤال يُطرح بأذهان العامة عن الأسباب المستمرة لرفع الدولار، يجيب مختصون بصوت خافت، أن السبب الحقيقي للارتفاع يتمثل في نضوب الدولة من الموارد الحقيقية ذات العائدات، بالإضافة إلى ضعف الصادر، وكثرة الوارد، ويرون أن هنالك تآكلاً للاحتياطي النقدي، وتعرض البلد لحالة الانكشاف الاقتصادي المزمن الحرج، مما يجعل الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها (شراء الواردات)، وتجاه نفسها (المشتروات الحكومية)، وتجاه المستثمرين الأجانب و(تحويل أرباحهم بالعملات الصعبة لبلدانهم)، والطلب على الدولار من العامة الذين يشترونه كمخزن للقيمة، وطلب المسافرين للعلاج بالخارج والدارسين بالخارج، ويرى الخبير الاقتصادي، ووزير المالية السابق دكتور “عز الدين إبراهيم”، في حديثه لـ(المجهر) أن تزايد الطلب الموسمي وراء الارتفاع، وقال إن الشركات الأجنبية العاملة بالسودان تسعى لتحويل أرباحها نهاية العام إلى خارج السودان، مما يزيد الطلب على العملة الأجنبية.
{ المركزي يبرر بالمضاربات
من جانبه، عزا محافظ البنك المركزي “حازم عبد القادر” في تصريح صحفي الارتفاع في سعر الدولار إلى مضاربات تجار العملة، ونفى أن يكون السبب هو تزايد الاستيراد. وكانت وزارة المالية قد كشفت عن وجود سياسات جديدة للإصلاح الاقتصادي، قالت إنه سيتم اتخاذها في الفترة المقبلة، وأكد الوزير “الركابي”، من جهة أخرى، على المضي قدماً في سياسة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، غير أنه لم يفصح حينها عن السياسات المتوقعة لكبح جماح الدولار. وفي ظل المفاجآت التي يتبعها البنك المركزي السوداني لإرباك المضاربين على العملة، وتكبيد تجار سوق الصرف خسائر كبيرة، سرت تكهنات بأن (المركزي) سيتخذ أساليب مختلفة من سياسة تعويم الجنيه، ولعل هذه التكهنات هي التي جعلت الأوساط الاقتصادية والمالية تغلي من فرط التوقعات بمآلات الخطوة، قبل أن تكتمل للعيان، رغم أن وزير المالية قد أكد لاحقاً بأن وزارته لن تتجه نحو تعويم الجنيه بعد أن تجاوز سعره في السوق الموازية (السوداء) (25) جُنيهاً مقابل الدولار.
{ الركابي يقدم دفوعاته غداً
وفي السياق، ينتظر أن يمثل وزير المالية الفريق “محمد عثمان الركابي”، غداً، أمام لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان لاستجوابه بخصوص ارتفاع سعر الدولار بصورة غير مسبوقة من قبل، فقد ارتفع خلال اليومين الماضيين لأكثر من (28) جنيهاً، في وقت يتوقع فيه اقتصاديون مزيداً من الارتفاع.
{ صدمة رفع العقوبات
عدت الحكومة بقطاعاتها المختلفة والمختصون وحتى المواطنون أن يساهم قرار رفع العقوبات الاقتصادية في هبوط سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية، وذلك ما حدث لفترة زمنية محدودة قبل لن يعود الدولار أكثر ارتفاعاً، ويرى د. “عز الدين” أن إجراءات رفع العقوبات كانت ناقصة، وأن أمريكا أعطتنا باليمين وأخذت بالشمال-على حد تعبيره- بإبقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقال إن ذلك يقلل من فرصه، خاصة في جانب تعامل البنوك الأجنبية التي يتم تحذيرها من التعامل مع دولة راعية للإرهاب، وبالتالي يتضح أن رفع العقوبات قد لا يقدم حلولاً ناجعة لمشكلة الاقتصاد ككل وسعر الصرف بصفة خاصة، على الأقل، في الوقت الراهن.