أمريكا واشتراطات المرحلة الثانية من الحوار
بعد أن تجاوزتها الحكومة في وثيقة الحوار
فاطمة مبارك
يبدو أن المرحلة الثانية من الحوار بين الحكومتين السودانية والأمريكية، والتي قيل إنها ستنتهي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حال نجاحها، انطلقت بزيارة نائب وزير الخارجية الأمريكية، وستشترط على الحكومة التزامات تتعلَّق بحرية الاعتقاد وحقوق الإنسان والقضاء على الإرهاب عبر محاربة التطرُّف، وكان ذلك واضحاً من خلال ما ورد في الإعلام حول أن نائب وزير الخارجية الأمريكي “جون سيلفيان” طالب بحذف وتعديل بعض المواد في القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية تضمَّنت حد الردة المادة (126) والتكفير مادة (125) والأعمال الفاضحة المادة (152) من القانون الجنائي، ومواد رعاية الطفل والميراث في قانون الأحوال الشخصية لسنة 1991م. وكان لافتاً أن يلتقي “جون سيلفيان” ببعض الأئمة ورجال الدين أساتذة من جامعة القرآن الكريم وأم درمان الإسلامية. عقد اجتماعاً داخل مسجد النيلين ركِّز فيه على أهمية الحريات الدينية والتعايش الديني في السودان. واعتبر أن هذه القضايا مهمة في الحوار مع الحكومة السودانية خلال المرحلة المقبلة لمنع الإرهاب، ما يؤكد أن الحكومة الأمريكية ستعتبر هذه المطالبات بمثابة شروطاً للمرحلة الثانية من الحوار بينها والحكومة السودانية مع الاحتفاظ بالشروط الخمسة الأولى، خاصة أن الحكومة الأمريكية ترى أن هذه القضايا لها صلة بقضايا الإرهاب، فهل ستوافق الحكومة السودانية؟
حتى الآن لم يصدر رأي رسمي حول مطالب نائب وزير الخارجية الأمريكي التي ركَّزت على الحريات الدينية وحقوق الإنسان، لكن هيئة علماء السودان أكدت أول أمس، تمسُّكها بالثوابت، وقالت إنها محل إجماع ولا تفريط فيها في سياق ردِّها على مقترحات أمريكية طالبت بعقد مائدة مستديرة حول الحريات الدينية. أشارت الهيئة إلى أن حفظ حقوق الإنسان وحقوق أهل الأديان من صميم منهج الإسلام الذي لم يعرف صراعاً دينياً وعقائدياً، رغم ذلك ليس بالضرورة أن تكون هذه هي القناعات النهائية لهيئة علماء السودان، لاسيما أن بعضهم كان حاضراً في لقاء النيلين أو كما تم تداوله في الأخبار.
كذلك بصورة عامة قد يكون هناك ضوء أخضر من الحكومة لتنفيذ المطالب الجديدة، كما تم تنفيذ الشروط الخمسة الأولى التي تم بموجبها رفع العقوبات الاقتصادية، وأول هذه الإشارات دخول المسؤول الأمريكي لمسجد النيلين وعقد اجتماعاً بالمسجد مع بعض الأئمة، فمجرَّد السماح له بدخول المسجد فهذا يعني وجود رضا وقبول لمطالبه من الحكومة، وليس مستبعداً أن يحزم هؤلاء الأئمة أمتعتهم بعد أيام ويتوجهون صوب أمريكا لمواصلة الحديث حول هذه القضايا مع المؤسسات المعنية بذلك.
هل تُقبل مطالبات “جون سيليفان”؟
حينما دفعت قبل ذلك أحزاب الحوار الوطني في مقدِّمتها حزب المؤتمر الشعبي بحرية الاعتقاد في وثيقة الحوار قال مجمع الفقه الإسلامي حينها في مذكرة تم تداولها، إن التعديل المتعلِّق بحرية الاعتقاد يخالف نص المادة (5\أ) من دستور 2005م، التي لم تعدَّل، وتنص على أن تكون الشريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشريعات التي تسن على المستوى القومي وتطبَّق على ولايات شمال السودان. وأوضح أن التعديل الوارد يؤدي إلى هدم الأعراف القائمة على الشرع، ما يقود إلى فتن في الأمن والسلم الاجتماعي، واعتبر التعديلات مخالفة للشرع ولا يجوز إقرارها أو إجازتها من البرلمان.
و”التعديل يبيح الكفر بالله والخروج عن الإسلام والتحلُّل من سائر الأديان، كما يقرر الرضا بالكفر ويشجعه ويقننه دستورياً، ما يؤدي إلى فوضى عارمة تقود لمزيد من التنافر والتحارب والاقتتال”. وينص التعديل المتعلِّق بحرية الاعتقاد على أن “لكل إنسان الحرية في اختيار رؤى يتَّخذها عقيدة دينية أو رؤية مذهبية وله أن يمارس أيما شعائر دينية أو احتفالات تذكِّر بها ويتَّخذ مواقع لعبادته ولا يكره أحد على دين معيَّن أو مذهب معيَّن ولا يحظر عليه الحوار والجدال فيما هو حق حسب إيمانه ورأيه”.
فيما قال وقتها ممثل مجمع الفقه الإسلامي وعضو البرلمان وعضو هيئة علماء السودان “عبد الجليل النذير الكاروري” في تصريحات صحفية إن “مجمع الفقه الإسلامي اعتبر بالإجماع التعديلات المقترحة من المؤتمر الشعبي مخالفة للشرع ولا يجوز إقرارها أو إجازتها”. واستفسر “الكاروري” قائلاً: “هل هذه التعديلات منبثقة من حوار سوداني- سوداني؟”، وقال: “هذا حوار دولي ويجب أن يكشفوا لنا إذا كان هناك حوار دولي.
الحريات والرجوع لوثيقة الحوار
من جانبه قال القيادي بحزب المؤتمر الشعبي “أبو بكر” في مهاتفة مع (المجهر)، إن حزبه سبق أن طالب في الحوار الوطني بإلغاء حد الردة المادة (126) من القانون الجنائي مستدلاً بالآية (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وأكد أن الآية تشير إلى أنه ليس هناك تجريم دنيوي ولا حساب، بل الحساب يوم القيامة. وقال قلنا البديل الإيجابي الذي يقدِّمه القرآن في مسألة الردة قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، وأضاف “أبوبكر” أن الله لم يكره أحد على الإيمان، لذلك لا يمكن أن يجعل نبي أو حاكم أو قاضٍ يكره أحد على الإيمان. قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وأشار “أبو بكر” إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقتل أحد بسبب ردة، وكل الذين قتلوا كانوا بسبب القصاص لقتلهم آخرين.
هذه الاستدلالات يمكن أن تساعد الحكومة في إجراء مراجعات للمواد الخاصة بحد الردة وحرية الاعتقاد وحقوق الإنسان طالما أن هناك حديث عن التزام بالحوار بين الطرفين وتحوُّلات سياسية طرأت على صعيد الحكومة السودانية جعلتها تعيد النظر في بعض المسائل الخلافية بينها وبين أمريكا، ففي مرحلة الحوار الأولى حدث اتفاق حول مكافحة الإرهاب فليس مستبعداً أن تستجيب الحكومة السودانية لمطالب المرحلة الثانية، وعقد الاجتماع بمسجد النيلين ربما جاء في إطار تهيئة الأئمة والدعاة للتطوُّرات القادمة.