نذر مواجهة ساخنة بين السلطة والصحافة
تعديل قانون الصحافة يغضب الصحافيين والمجلس يتوعد بتمريره باعتباره قرار دولة
“الرزيقي”: عقوبة سحب ترخيص الصحف بدعة غير مقبولة وهي أشبه بلعب العيال
“الباز”: قانون الصحافة المقترح يمكن أن يفعل بالصحفي كل شيء ويمكن يقطع رأسه
“البلال”: “مسألة العقوبات لا تخيفنا وما عندها أي قيمة والتعديل (أحمد وحاج أحمد)
الخرطوم ـ سيف جامع
أعلن الصحافيون رفضهم القاطع لمشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2017م (تعديل)، ودعا اتحاد الصحافيين أمس، الصحافيين إلى اتخاذ موقف موحد لإجهاض المسودة، وتواثق الصحافيون على العمل على إسقاط القانون في موقف يعتبر الأول من نوعه بأن يواجه الاتحاد الذي انتخب في 2014م بصفته كياناً محسوباً على السلطة، لكن بالأمس، حوّل قيادات العمل الصحفي الاتحاد إلى منصة خطابية صاخبة خرجت منها تحذيرات قوية للسلطة حال تم تمرير القانون الذي وصفوه بالمعيب وغير المناسب مع المرحلة الحالية، ويضم التعديل الذي تعتزم الدولة إجراءه على قانون 2009، تعديلات صادمة تشمل إيقاف الصحفي عن الكتابة للمدة التي يراها مجلس الصحافة والمطبوعات مناسبة، والإنذار بتعليق صدور الصحيفة وسحب الترخيص مؤقتاً لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ومنح مجلس الصحافة والمطبوعات سلطة الترخيص لمزاولة النشر الصحافي الإلكتروني.
وكان قد أمهل مجلس الوزراء القومي فترة ثلاثين يوماً، للجهات ذات الصلة في المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحافية والاتحاد العام للصحافيين السودانيين، لإجراء مشاورات مع رؤساء تحرير وناشري الصحف حول مسودة التعديلات على قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009.
}اتحاد الصحافيين يدعو أهل الشأن لاجتماع مهم..
ولمواجهة الأمر دعا اتحاد الصحافيين أمس، إلى اجتماع مهم أبرز المتحدثون فيه “أحمد البلال الطيّب” رئيس إدارة شركة اليوم وناشر صحيفتي الدار وأخبار اليوم، و”عادل الباز” رئيس تحرير موقع الأحداث نيوز، والصحافية والكاتبة “سمية سيد” ودكتور “خالد التيجاني” ناشر صحيفة إيلاف الاقتصادية، وقدم رئيس اتحاد الصحافيين “الصادق الرزيقي” في بداية الجلسة، تنويراً قال فيه إنهم دُعوا إلى اجتماع مفاجئ بمجلس الوزراء في الأسبوع الماضي، ليجدوا أن تعديلات تمت على قانون 2009، وأوضح “الرزيقي” أنه رفض القانون وطالب بمزيد من الوقت حتى يتم عرضه ومناقشته من قبل الصحافيين، مشيراً إلى أن وزراء الحوار الوطني رفضوا إجازة القانون، لكن وزير الإعلام “أحمد بلال” أصر على إجازته في فترة أسبوعين، لكن وزير الصناعة “موسى كرامة” من حزب المؤتمر الشعبي، طالب بإعطاء الصحافيين مهلة شهرين لمناقشته.
}جلسة عاصفة!!
جلسة أمس، التي احتشدت بالصحافيين في القاعة الضيقة بمقر الاتحاد بالمقرن، جاءت عاصفة وشهدت مداخلات قوية لرؤساء التحرير أكدوا فيها رفضهم القاطع للتعديلات، وقال رئيس اتحاد الصحافيين إن وزارة الإعلام لديها إصرار لإجازته، لكن وزير الصناعة عن حزب المؤتمر الشعبي “موسى كرامة” طلب فرصة شهرين للاتحاد، وأوضح “الرزيقي” أن أبرز التعديلات المثيرة للقلق تتعلق بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة وهي تمثل الديباجة والسمة الأساسية.
وأشار “الرزيقي” إلى أنه ضد عقوبة إيقاف الصحيفة، متهماً بعض الجهات في لجنة التعديل طالبت بمدة إيقاف لشهر كامل لكنها ظهرت في القانون المقترح (15) يوماً، وشدد بأن هذه الفترة أيضاً لا يوجد مبرر لجوازها، واصفاً إياها بأنها حكم بالإعدام.
وقال إن عقوبة سحب ترخيص الصحف بدعة غير مقبولة وهي أشبه بلعب العيال، معلناً رفض الاتحاد القاطع للعقوبة المقترحة في قانون الصحافة الجديد بتعليق صدور الصحف لمدة (15) يوماً، وحذر “الرزيقي” من أن أي قضية تخص حرية الصحافة، لن نوافق عليها إذا كانت تتعارض مع عملنا ومع المعايير الدولية والحقوق الأساسية، متوعداً بالوقوف ضدها ولن نتنازل عن حقنا الأصيل في المجلس من حيث تمثلينا بالعدد باعتبارنا أصحاب المصلحة.
ورأى “الرزيقي” أن العقوبات في المجلس والقانون تحتاج لنقاش عميق، لأن بها جوانب مجحفة للصحافيين، فعبرها يمكن محاكمة الصحافيين بقانون الأمن الوطني.
أما الأمين العام لمجلس الصحافة دكتور “عبد العظيم عوض” قال إنه لم تتم دعوته للنقاش إلا أنه اعتلى المنصة ليفاجأ الحضور بحديث غير متوقع، حيث قال إنه يمثل الدولة، مشيراً إلى أن تعديل القانون هو (شغل دولة) والدولة من حقها تدافع، ومن حقها تُقوّم الصحافة وتنظمها، مبيناً أن هذه التعديلات لم تأتِ فجأة كده على حد تعبيره، وإنما كانت ضمن توصيات مؤتمر الإعلام.
ورد الأمين العام للمجلس بحديث أكثر تريقة، حيث ذكر (التعديلات ما جات بهوى زول وإنما عبر توصيات أهل المهنة أنفسهم)، وقال هنالك تعديل في 2014 لم يمشِ لقدام وتعديل في 2016م أيضاً ما مشى، لأن الاتحاد غيّر رأيه وتنصل عن اتفاقانا معه وتوقف التعديل، مبيناً أن هذه التعديلات يجب أن تمر وتتم إجازتها، وشدد دكتور “عبد العظيم” على ضرورة تمرير التعديلات بعيداً عن الأجندة السياسية، الأمر الذي قابله الصحافيون بالرفض القاطع وتعالت الأصوات (يمر ليه وكيف، ورينا ـ لن يمر بطريقتك دي”.
ومضى “عبد العظيم” بأن مجلس الصحافة يمثل الدولة، والاتحاد يمثل الصحافيين والمجلس يهمه عدم تراجع المهنة، ونبه إلى أنه من حيث المبدأ لا بد أن يعدل القانون الحالي ليتسق مع متطلبات المرحلة، لأن التعديل تجمد في السابق أكثر من مرة بسبب خلافات حول سجل الصحافيين، لذا نرى أنه لابد من طرح الأمر لنقاش أوسع كما وجه مجلس الوزراء، لنصل إلى تعديل تتوافق عليه كل الأطراف، وغادر رئيس المجلس منصة الاتحاد قبل أن يستمع إلى مداخلات الحضور.
ويبدو أن الكثير من الصحافيين تفاجأوا بالتعديلات من بينهم الصحفي المخضرم “أحمد البلال الطيّب” رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، حيث نفى علمه بالتعديل والقانون الجديد، وأوضح أنه عضو في مجلس الصحافة وصحفي لأكثر من (40) عاماً، لكن “ما عارفها”، وتساءل: “هي دي دولة شنو ذاتها”، وأضاف “وإذا جئنا للتوقيت هي الصحافة ذاتها وينا مش بتلفظ في أنفاسها، وإنما لفظتها وانتهت”
وقلل “البلال” من أهمية التعديلات وقال متحدياً “مسألة العقوبات لا تخيفنا وما عندها أي قيمة، والتعديل هو (أحمد وحاج أحمد)”، لكن رجع وقال “لكن الترزية شطار يمكن يلبسوك بدلة وينتقصوا منها بعض الحاجات”.
وأعلن “البلال” عن تأييده لموقف اتحاد الصحافيين ووصفه بالموقف المشرف، وحذر بأنه إذا لم يتحرك الصحافيون بطريقة فعالة التعديلات ح تمشي بطريقتها دي.
واعتبر رئيس صحيفة إيلاف الاقتصادية الأسبوعية دكتور “خالد التيجاني النور” التعديلات المقترحة، أنها لا تستند إلى دستور، وقال “ليس من حق مجلس الصحافة والمطبوعات أن يقرر بمصادرة الصحف أو توقيفها عن الإصدار”، داعياً إلى ضرورة الاحتكام إلى القضاء في حالة الشكوى والمخالفات، مشيداً بموقف رئيس مجلس الوزراء الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” لتصرفه بمسؤولية وحصافة، وقال إذا لم يؤجل مجلس الوزراء إجازة القانون لما كنا سمعنا بالقانون، لكن أيضاً نلوم اتحاد الصحافيين لكونه طرفاً في إجراء التعديل الذي دبر بليل، وأشار دكتور “خالد” إلى أن المرجع في قانون الصحافة الدستور وليست توصيات مؤتمر الإعلام، والدستور به وثيقة الحقوق، وأضاف “لماذا لا تثق الحكومة في القضاء ومحاكمة الصحافي يجب أن تتم أمام القضاء وليس بعقوبات قانون الصحافة، وإلا إذا كانت هذه الحكومة لا تحترم القضاء.
وشن “خالد التيجاني” هجوماً لاذعاً على المجلس وقال إنه أصبح شغال جبايات وعقوبات حتى أكشاك الصحف أصبحت محاربة، والصحف تصادر وتخسر عشرات الملايين من الجنيهات.
أما الصحافية والكاتبة “سمية سيد” قالت ينبغي على الاتحاد توزيع مسودة القانون موضوع التعديل على الصحافيين، لكن “الصادق الرزيقي” رد عليها قائلاً “أنحنا في الاتحاد لا شفنا قانون ولا ورقة غير النسخة الشفناها في مجلس الوزراء”.
وواصلت سمية “القانون به الكثير من التناقضات ويا ليت لو تركونا في قانون 2009″، مشيرة إلى أن التعديل به تشوهات واعتبرته ردة عن الحريات ولا يتناسب والجو السياسي العام، واعترضت “سمية سيد” ضم السوسشال ميديا ضمن قانون الصحافة.
ونبه رئيس موقع الأحداث نيوز الإلكتروني “عادل الباز” إلى أن مجلس الوزراء يريد أن يدخل الصحافيين إلى مناقشة التفاصيل للتقليل من سقف التفاوض، وأضاف “هذا القانون لا نريده ويخص جهات أخرى”.
واقترح “الباز” على الصحافيين تعديل القانون بأنفسهم وتسليمه لمجلس الوزراء.
وزاد: تعريف الصحافة الإلكترونية في القانون، تعريف متخلف “الصحف تحاكم بخمسة قوانين على فعل واحد ونطالب محاكمتها بقانون الصحافة حتى لو يقطع رقابنا، قانون الشكاوى والقانون الجنائي 1991م وقانون الأمن الوطني وقانون مجلس الصحافة”، لافتاً إلى أن هذه ليست عدالة، وأعلن أنه في حال تمت إجازة القانون المعدل لن نتعامل معكم، “لا ح نمشي محكمة ولا مجلس صحافة”.
ووصف “الباز” المشرع بالذكي، فقد أراد توريط الصحافيين في الانشغال بالقضايا الهامشية في التعديلات المقترحة على قانون الصحافة، ومضى قائلاً “الحديث عن إلزام الصحف الإلكترونية بالحصول على ترخيص من مجلس الصحافة غريب، لأنها تنطلق من سيرفر خارجي ويعمل بها صحافيون خارج النطاق الجغرافي للمجلس، مؤكداً أن قانون الصحافة المقترح يمكن أن يفعل بالصحافي كل شيء ويمكن يقطع رأسه، وختم حديثه قائلاً “التعديلات المقترحة على قانون الصحافة ستنتج قانوناً يستحق أن نسميه (بقانون بغم)”، وانتقد “الباز” دمج الصحافة الإلكترونية مع قانون الصحافة الورقية.
ودعا الكاتب “حيدر خير الله” اتحاد الصحافيين إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء لرفض التعديلات المقترحة على قانون الصحافة، وقال من حيث المبدأ لا بد أن يعدل القانون الحالي ليتسق مع متطلبات المرحلة، لأن التعديل تجمد في السابق أكثر من مرة بسبب خلافات حول سجل الصحافيين، لذا نرى طرح الأمر لنقاش أوسع كما وجه مجلس الوزراء، لنصل إلى تعديل تتوافق عليه كل الأطراف.
وأبرز ما خرج به اجتماع اتحاد الصحافيين مقترح رئيس الاتحاد “الصادق الرزيقي” الذي أعلن أنه سوف يقوم الاتحاد بصياغة مذكرة بمشاركة الصحافيين يعلن فيها رفضهم للتعديلات المقترحة على قانون الصحافة تسلم لرئيس مجلس الوزراء الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”.