قانون العقوبات.. لا قانون الصحافة والمطبوعات!!
{ لا أظن أن تعديل قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2009، هو واحد من أهم أولويات حكومة الوفاق الوطني، خاصة إذا كانت التعديلات معيبة وخانقة وتؤدي إلى المزيد من الإضرار ببيئة الحريات الصحفية واستقرار مؤسسات الصحافة غير المستقرة أصلاً في بلادنا، بما يخالف مخرجات الحوار الوطني جملة وتفصيلاً!
{ مجلس الوزراء بقيادة الفريق أول “بكري حسن صالح” أمامه تحديات جسام، أهمها معالجة أزمة الاقتصاد المستفحلة، وليس من أولوياته الملحة حسبما نرى تعديل قانون الصحافة والمطبوعات، إذ لم نطالب نحن أهل الصحافة بتعديل هذا القانون، بل طالبنا كثيراً بتحرُّك الحكومة للسيطرة على الدولار واليورو والدرهم والريال ليطمئن الشعب السوداني ويرتاح في مطعمه ومرقده وعلاجه وتعليم أولاده.
{ التعديلات المقترحة معيبة وبالغة السوء في معظمها، ومن أقبح ما تقترحه الجهة التي وضعت القانون إلغاء التصديق للشركات (الخاصة) التي تملك (جميع) الصحف العاملة الآن في السودان بموجب قانون الشركات، لتحل محلها شركات (مساهمة عامة) في مخالفة واضحة للدستور الذي يكفل حق التعبير والنشر!!
{ والهدف من هذا التعديل- حسب تخطيط الجهة المشرعة- هو تكسير المؤسسات الصحفية القائمة حالياً، وحلها وسحب كل أصولها وممتلكاتها وأسمائها وتاريخها الطويل، وجهد وعرق مؤسسيها، لصالح شركات مطلوقة (على الشيوع) يديرها رئيس مجلس إدارة ومدير عام، بينما تضيع أموال صغار المساهمين بالمئات، وتعود الامتيازات لشخصين أو ثلاثة، هم في الأصل موظفون من قبل المساهمين!! ما الفرق إذن؟!
{ الفرق أن جهات حكومية وشركات شبه حكومية تريد أن تدخل بالشراء لامتلاك الصحف الناجحة والمنتشرة حالياً، بعد أن فشلت هي فشلاً ذريعاً في تأسيس صحف ناجحة تحت مظلة (الشركات الخاصة).
{ لقد جربت (الإنقاذ) الصحف التي تصدر عن شركات مساهمة عامة، وكان من بينها صحيفة (الأنباء) وكنت أحد العاملين بها في العام 2003م، وفشلت جميع صحف المساهمة العامة، وذهبت إلى مرقدها الأخير في دار الوثائق الحكومية!!
{ فهل تريد الدولة إزهاق ما تبقى من أرواح صحف (حية)، لتقضي عليها تماماً تحت ستار (شركات مساهمة عامة)؟!
{ في غالب دول العالم المتحضر، بما في ذلك الدول العربية، فإن الأمر مفتوح لمن أراد إصدار صحيفة تملكها شركة خاصة أو شركة مساهمة عامة، دون تحديد شروط وقيود، وهذا ما يحدث في مصر ولبنان والمغرب والكويت والأردن وغيرها من دول العالم، أما في “لندن”- حاضرة وحاضنة الحريات- فلست في حاجة لتأسيس شركة خاصة أو عامة لتصدر صحيفة، عليك إرسال فاكس أو إيميل يحوي طلب إصدار صحيفة للمجلس المسؤول يحمل عنوان مقر الصحيفة واسمها المقترح، ومديرها ورئيس تحريرها وتفاصيل هويته.. فقط!!
{ أما ما يتعلق بالعقوبات الجديدة في تعديلات قانون الصحافة، فيكفي أن تكون العقوبة للصحيفة في حالة الإدانة في شأن عام إيقاف (يوم) إلى (ثلاثة أيام) لا أكثر، على أن يكون سحب الترخيص في حالة تكرار المخالفات من سلطة المحكمة. ولذا فإن النص المقترح على عقوبة إيقاف لمدة (15) يوماً مع إمكانية سحب الترخيص مؤقتاً لـ(3) أشهر، هو إفراط غير مبرر في العقوبة، ما يعني أن هذه التعديلات تجعله (قانون عقوبات) لا قانون (صحافة ومطبوعات)!!
{ جميعها تعديلات معيبة وبالغة السوء.
{ إننا نطالب مجلس الوزراء- خاصة الوزراء المؤمنين فيه بأهمية وجود صحافة في البلد- بإسقاط جميع هذه التعديلات والإبقاء على القانون الحالي مع تفعيل نصوصه.
{ وإذا مرت هذه التعديلات بهذا القبح والسوء من مجلس الوزراء، إلى البرلمان، فإن التحدي الماثل أمام لجنة الإعلام برئاسة المهندس “الطيب مصطفى” أن تثبت اللجنة أن هناك برلماناً.
{ ولا حول ولا قوة إلا بالله.