بعد ومسافة
التفكيك بالعملات الحرَّة
مصطفى أبوالعزائم
{ ليس لديَّ أدنى شك في أن خراب السودان أو ما تبقى منه ستقوم به الفئة الباغية التي ترى أنها فوق الآخرين، وأنها ليست منهم ولا مثلهم كأن أفرادها ما خرجوا من تراب ولا عاشوا عليه ولا إليه يعودون.
{ هي فئة إن أحسنا الظن بها لا نملك أن نقول سوى أنها لا تعلم ولا تدري أنها لا تعلم، ولا نريد القول بأنها فئة تعاني إحساساً بالنقص تجاه الآخرين وتحقد عليهم.. هي الفئة الممسكة الآن بمفاصل اقتصادنا تديره بلا معرفة ولا خطة ولا دراية ولا تعلم، إذ لم تستفد من تجارب الآخرين، وهي فئة – والله أعلم – إذا سئلت تبطئ ولا تجيب، وتخطئ ولا تصيب. بالله عليكم ماذا يمكن أن نقول على الممسكين بملف الاقتصاد السوداني غير ذلك (؟) هم يقودوننا كل يوم من بؤس إلى بؤس، تتضخم الأسواق والأسعار تحت سمعهم وبعدهم ولا يفعلون شيئاً حتى وصل الحال بعملتنا المحلية (الجنيه) الذي كان الناس يتغنون بقوته ويشيرون إلى أن (العريس الكلس) دفع (المية للمشاطة).. فأين جنيهنا اليوم من ذلك الزمان إذ لم تعد الخمسة وعشرين (ألفاً) منه تساوي دولاراً واحداً في حين أن الجنيه السوداني كان يساوي ذات يوم أكثر من ثلاثة دولارات وثلث (!).
حقيقة لا نعرف سبباً واحداً يجعل الحكومة تتمسَّك بهذا الفريق الفاشل الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه وعليه الآن (!) ..ويجب على ولاة الأمر أن ينتبهوا إلى الهاوية التي تساق إليها بلادنا من خلال هذه السياسات الاقتصادية الرعناء، التي تدلُّ على سوء إدارة الشأن الاقتصادي، وإعمال (التجريب) فينا رغم غنى البلاد وشرائها وثرواتها ومواردها الضخمة المتمدِّدة والعريضة من مياه وأراضي زراعية ورعوية ومواشي مختلفة ومعادن، وقبل كل ذلك بشر، أنعم الله عليه بكل شيء لكن القائمين بأمر إدارة مواردهم العظيمة جعلوا غالبيتهم يعيشون تحت خط الفقر.
نعجب كيف يطالبوننا بالإنتاج، ويضيِّقون على الناس بالضرائب والجبايات والرسوم، فغادر منتجو الصمغ العربي من السهول لضعف العائد من هذه السلعة الإستراتيجية إلى غيابات المناجم يحلمون بالثراء السريع من عائدات الذهب، والذي لم تنجح هذه الفئة الممسكة بملفنا الاقتصادي من جعله مورداً من موارد العملات الأجنبية لبلادنا.. وتتغيَّب هذه الفئة عمداً عن أسواق المحاصيل عندما تحدث الوفرة وتتدنى الأسعار ويصل سعر جوال الذرة الرفيعة إلى حدود المائة وخمسين جنيهاً، رغم أنه يصل إلى عشرة أضعاف هذا السعر إذا ما تم تصديره إلى الخارج وكذلك الثروة الحيوانية التي أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بأكثر من مائة وثلاثين مليون رأس منها، فنسقط في أول اختبار (مكشوف) تصدير الهدي إلى الشقيقة السعودية في موسم الحج، لأن الأطماع والجهل وسوء الإدارة يجعل الممسكين بالقلم لا يمنحون الإذن بالتصدير إلا بعد دفع رسوم تبلغ خمسين دولاراً، على الرأس، فخسر الموسم وربما المواسم القادمة.. وغير هذا كثير ومحزن ومؤسف.. وعندما تتم استضافة (خبير اقتصادي) في إحدى القنوات التلفزيونية وتتحدَّث معه مقدِّمة البرنامج عن الارتفاع الجنوني للدولار يتهيَّج الخبير الضيف ويغضب غضبة غير مبرَّرة استاء منها كل من شاهد الحلقة، ويتهم الشعب بالتواكل والتكاسل وضعف الإنتاج، ونحن نعلم والله سبحانه وتعالى يعلم قبلنا أن مواردنا لم تنضب، وأن شعبنا ينتج، لكن سوء التخطيط وسوء الإدارة هو ما نعانيه.. وإن ما تراجع من إنتاجنا – الصمغ العربي أنموذجاً – لم يكن بسبب انحسار مساحات “الهشاب” أو ” الطلح” وغيرها من الأشجار المنتجة للأصماغ، بل سبب الرسوم والضرائب والجبايات المركزية والولائية والمحلية.
نختم بما بدأنا به، وهو أن خراب بلادنا سيكون بأيدي الفئة الممسكة بملف الاقتصاد.. والله المستعان.