بيان أول
في الوقت الذي تجادل فيه القوى السياسية المعارضة حول كيف يمكن إسقاط النظام وهل العقوبات الاقتصادية التي تم رفعها من الولايات المتحدة الأمريكية من شأنها إطالة عُمر الحكومة أم لا؟ اتجه المؤتمر الوطني لإعداد نفسه وتهيئة قواعده لاستحقاقات الانتخابات القادمة، وقد تبقى الانتخابات اقل من عامين ونصف العام .
خلال أسبوعين بدأ نائب رئيس الحزب المهندس “إبراهيم محمود حامد”، طواف على البنية التحتية للحزب في ولاية الخرطوم، التي شكلت في الانتخابات الأخيرة نقطة ضعف كبيرة في جسد الحزب وثغرة تسرب من خلالها ضعف بائن في بنك أصوات الناخبين الذين صوتوا للرئيس، وكانت جولة “إبراهيم محمود” في محليات جبل أولياء وأم درمان وبحري قد كشفت عن تغيرات كبيرة ما بين الحزب قبل عامين والحزب الآن.
بفضل تناسق الأداء والوقوف مع المواطنين في قضاياهم اليومية فضلاً عن السياسة التي اتبعها الحزب في معالجة قضايا البلاد الكبرى من حوار وطني أفضى لتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة وحسم وصرامة مع التمرد في دارفور انهى التمرد العسكري وتبقى التمرد السياسي الذي خسر هو الآخر خطابه الذي كان يبثه في الإعلام وذلك بتجريد المؤتمر الوطني تلك الحركات من قواعد كانت تقف معها وتسندها عطفاً على القرار الهام الذي اتخذه الحزب بالإبقاء على مسارات التفاوض منفصلة ولكنها تحت إشراف مباشر لنائب رئيس الحزب الذي قاد ملف المنطقتين بنجاح على صعيد التفاوض المباشر مع حاملي السلاح والتفاوض غير المباشر وتماسك الأطروحة التي قدمت للوسطاء وشركاء العملية التفاوضية من الأفارقة والترويكا الأروبية.
مثلت هذه النجاحات عاملاً هاماً في توسعة دائرة القوى الاجتماعية المساندة للمؤتمر الوطني، وقد تمظهرت تلك المكاسب في مطالبة الصوفية والإدارة الأهلية بدارفور بإعادة ترشيح “البشير” لدورة انتخابية جديدة وتجاوز معضلة الدستور بإجماع الأغلبية بضرورة أن يبقى “البشير” في الحُكم لفترة خمس سنوات أخرى، حتى يحافظ على المكتسبات التي تحققت ويمضي بالانفتاح مع الدول العربية دون نكسات جديدة، وفي ذات الوقت يتجه بالتفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى آخر أشواطه.
في حواف وهوامش أزمة الجزيرة التي افتعلتها حكومة “ايلا” والمجلس التشريعي استغل البعض حالة السيولة التي تسبب فيها الوالي وأخذ بعض المتربصين بالمهندس “إبراهيم محمود”، يدعون لإعادة النظر في قيادة الحزب ومحاولة الاصطياد في حواف الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية لهؤلاء المتربصين، وهم ثلاثة فئات أولهم طامعين في الموقع الرفيع لإشباع نهمهم في السُلطة والسيطرة على الحزب بإدعاء الحقوق التي لا منشأ لها. والفئة الثانية هم من فقدوا مواقعهم بالتجديد ودورة الحياة الطبيعية من تبادل السُلطة وتغير الزمان وقديماً قيل الأيام بين الناس دولاً، ومن سره زمناً ساءته أزمان. الفئة الأخيرة التي أخذت تجهر بمواقفها هم من يعتقدون أن قيادة حزب كبير مثل المؤتمر الوطني، لا ينبغي لها أن تذهب للأطراف القصية في الشرق البعيد والشمال الأقصى والغرب البعيد لكن تجربة الرئيس “البشير” خلال سنوات امتدت لثمانية وعشرين عاماً علمته بأن السودان لن يستقر إلا بقسمة عادلة للسُلطة، كما هي الآن “بكري” من الشمال، و”حسبو” من دارفور، و”إبراهيم محمود” من الشرق، والشريف “بدر” من الجزيرة، ولكن القوى السياسية ضعيفة في قراءة الواقع وتبدو مترددة ومنشغلة بالنوافل ومتجاهلة للفرائض كما هو الآن.