حوارات

القيادي باتحاد (المسيرية) وأحد أعيان أبيي "موسى حمدين" في حوار الأسرار

والد “سلفا كير” تربى في منزل ناظر (المسيرية) وعمل سائقاً و”دينق ألور” كان مسلماً وارتد بعد انضمامه للحركة  
مغرضون قاموا بتسويق أن (المسيرية) حرقوا والدة “دينق ألور” وهذه هي الحقيقة…
هذه حقيقة ما يثار عن مشيخات “دينكا نقوك” الـ(9) وكيف حولتها الحركة لصالحها في التحكيم 
الناظر “بابو نمر” قام بـ(فبركة) لبقاء “دينق مجوك” في أبيي وأمر بالتصويت له لرئاسة مجلس ريفي (المسيرية)
جميع أبناء ناظر “الدينكا” درسوا في منزل الناظر “بابو نمر” وهذه قصة العلاقة…
حوار – مهند بكري
حوار مختلف أدرناه مع القيادي باتحاد عام (المسيرية) وأحد أعيان منطقة أبيي “موسى حمدين”، تناول قصة التعايش بين (المسيرية) و(دينكا نقوك) ومفارقات العلاقات الاجتماعية الراسخة بين ناظر (المسيرية) “بابو نمر” وناظر (دينكا نقوك) “دينق مجوك”، وخفايا وأسرار حريق الميرم الشهير، وحقيقة ما يثار عن اتهام “دينق ألور” للمسيرية بحرق والدته، وحقيقة خروجه من المسجد وارتداده عن الإسلام، وكيف استطاع الناظر “بابو” تحقيق وحدة الصف وتجنيب بطون “دينكا نقوك” الاقتتال.
“حمدين” حكى أسرار لقائه مع دكتور “جون قرنق” وتفكيره، وعن التسوية التى توصل إليها مع “دينق ألور” في كمبالا لطي ملف اتهاماته المتكررة، وفسر في ما يعرف بالمشيخات الـ(9) لـ(دينكا نقوك) وكيف حركتها الحركة الشعبية لصالحها، وحقيقة وجودها، بجانب محاور أخرى.. فإلى مضابط الحوار.    
{ أبيي تحوّلت من منطقة تمازج فريد بين (المسيرية) و(الدينكا) إلى قنبلة موقوتة وضعتها اتفاقية (نيفاشا)؟
_ أبيي كانت وحدة إدارية داخل حدود 56، وفي ذلك الوقت كانت مجهولة القيمة قبل اكتشاف البترول، وكان يتم التعامل معها كوحدة إدارية إلى أن تم تحويلها الى محافظة في عهد حكومة الإنقاذ الوطني، وتم ضم كل المحافظات إليها مثل المجلد والميرم والدبب، ونحن اعترضنا على ذلك بوصفها منطقة جدل بين (المسيرية) و(الدينكا) وليس من المفترض زيادة مساحتها، وذكرت هذا الحديث في العام 1996 واعترضت عليه في ديوان الحكم الاتحادي في عهد د. “علي الحاج”.
{ الجدل حول المنطقة من قبل مجيء حكومة الانقاذ؟
_ الجدل موجود منذ عهد الرئيس “جعفر نميري” وهو ليس جديداً، ولكن “نميري” كان رجلاً شجاعاً، لأنه قام باصطحاب “فرانسيس دينق” مسجلين زيارة إلى حدود المنطقة مع الجنوب، وقال لكل من  “فرانسيس” و”دينق ألور” (يا إما تقعدوا وتقبلوا بالعيش بهدوء أو تغادروا إلى الجنوب)، وحدثت بالفعل هدنة لكنهم فكروا في التمرد لشعورهم أن “نميري” بهذا الحديث قادهم إليه.
{ لمن تتبع أبيي في الأصل؟
_ أبيي شمالية، ونحن سكانها.
{ كيف سكنها (الدينكا) إذن؟
المشكلة كلها حدثت عندما قام الناظر “بابو نمر” وهو ناظر المنطقة بالذهاب إلى الحدود الجنوبية بين أبيي والجنوب للوساطة في الحرب الداخلية بينهم، وطلب من ناظر الدينكا “دينق مجوك” وقتها العيش بالمنطقة وسط (المسيرية) لفترة مؤقتة حتى تهدأ الأوضاع داخل الجنوب، وبالفعل تم ذلك واستقر الناظر مجوك بالمنطقة ووجد معاملة جيدة للغاية من الشماليين، الأمر الذي دفعه للاستقرار بالمنطقة، وعندما أراد الإنجليز إرجاعه إلى منطقته رفض العودة مجدداً، وقام بتسليم جميع أبنائه للناظر “بابو نمر” لتربيتهم والإشراف عليهم، وجميعهم درسوا في منزل الناظر وهو كان المسؤول عنهم حتى المرحلة الثانوية، حتى أن والد “سلفاكير” تربى في منزل الناظر وكان سائقاً له، وقام الناظر لاحقاً بإرساله لمصنع بابنوسة ليعمل  سائق ترحيل.
{ حدثت مصاهرة؟
_ نعم هناك مصاهرة لكن ليس مع أسرة “بابو” مباشرة لكن من (الدينكا).
{ كيف كان شكل العلاقة بين الناظر “بابو نمر” و”دينق مجوك” بعدها بوصف كليهما ناظراً وسيداً في منطقته؟
_ كانت علاقة طيبة جداً ولن يأتي ناظر في الوقت القريب يحل محل الناظر “بابو نمر”، لقد كان بدرجة حاكم وكل الصلاحيات مفوضة إليه من قبل الإنجليز، ولحرصه على أواصر هذه العلاقة وحرصاً على الأوضاع في الجنوب، قام بـ(فبركة) لبقاء “دينق” في أبيي، وذلك عندما قال لهم- أي العمد وأهل منطقة أبيي- في الانتخابات (لا تفوزوني وأعطوا أصواتكم لدينق مجوك ليفوز برئاسة المجلس الريفي دائرة المسيرية)، وبالفعل فاز “دينق مجوك” وأصبح رئيس المجلس في الفولة، وهذا ما جعله- “دينق”- حريصاً على ما وصل إليه من منصب.
{ هل استمرت العلاقة طيبة بينهما بعد ذلك؟
_ نعم استمرت إلى أن توفي “دينق”، لكن الأزمة أصبحت بعد ذلك في الأبناء.
{ لم يستطع الجيل الذي أتى لاحقاً المحافظة على العلاقة التي كانت بين الناظر و”دينق”؟
_ للأسف لم يحافظ عليها، وهناك أخطاء حدثت منا نحن في حكومة الشمال، ومجالس الشعب التي أنشأها “نميري” ولدت غبناً لدينا هناك، فعندما ضيقت حكومة “نميري” الخناق على “يوسف كوة” أحد أبناء النوبة وهو معلم وعلى “تلفون كوكو” وهو موظف في الزراعة قاموا بالتمرد، تمرد “كوة” بالفعل بعد أن ذهب للناظر وأخبره بأنه مغادر وبعد أسبوع لحق به “تلفون كوكو”، وبعدها غادر “دينق ألور” إلى مصر ومنها بدأت بوادر التمرد لكل من أبناء النوبة وأبيي، وكان يسعى لسحب أبناء (المسيرية) وكل أبناء “مجوك” ذهبوا.
{ يدور حديث عن أن ارتداد القيادي الجنوبي “دينق ألور” عن الإسلام بسبب حرقكم أنتم (المسيرية) لوالدته؟
_ ليس صحيحاً أن “دينق ألور” ارتد بسبب حريق أمه، فعندما ذهب متمرداً كانت والدته على قيد الحياة، والأمر ليس له علاقة بوفاة أمه، وبالفعل كان “ألور” مسلماً وكان يؤذن.
{ بماذا يتعلق الأمر إذن؟
_ الأمر برمته أنه لم يستطع التعامل بدينه واسمه (أحمد ألارـ المسلم) وهو متمرد بالخارج، لأجل هذا قام بتغيير لونه السياسي وديانته، ونحن كـ(مسيرية) متهمون فيها بالباطل فقط وليس لنا علاقة بها من قريب أو بعيد ووفاتها كانت طبيعية، لكنها صادفت أزمة في بابنوسة، وهي أن المواطنين كانوا متذمرين من تصرفات الإدارة الأهلية هناك ضد (المسيرية) على وجه الخصوص، لقد حاكوا ضدنا المكائد بجانب أخطاء وقعت فيها الحركة الشعبية عندما قاموا بقتل ما يفوق المائة من أبناء (المسيرية) في بحر العرب، الأمر الذي نتجت عنه إفرازات لدى مواطني بابنوسة فقاموا بقتل أي مواطن جنوبي لأخذ (التار).. الشرطة وقتها ارتكبت خطأ كبيراً وهو أنها قامت بالتحفظ على أي مواطن جنوبي في قسم الشرطة لحمايتهم من القتل من قبل العرب، لكن العرب اقتحموا أقسام الشرطة، وقام أفراد الشرطة أنفسهم بالانسحاب وتم حرق الجنوبيين داخل الحراسات، وعلى الفور قام المغرضون بتسويق أن والدة “دينق” كانت ضمن الأشخاص الذين تم حرقهم، مع أنها توفيت وفاة طبيعية.
{ هل يعلم “دينق ألور” بهذا الأمر؟
_ في العام 1997 التقيت به في كمبالا، كنت وقتها جزءاً من التجمع ومنسق حزب الأمة القومي مع الحركة الشعبية، فقلت له: (أنت عملت لينا إزعاج بوفاة والدتك محروقة من قبل المسيرية، وحتى نوقف هذا الإزعاج سنعطيك الدية كاملة 30 بقرة)، واتصلت بقياداتنا (المسيرية) وأخبرتهم بالاتفاق الذي تم بيني وبينه لقفل الملف حرق والدته، فرفض الزعامات، وقالوا هو شخص متمرد ولن نعطيه شيئاً إلا لو عاد إلى أرض البلاد، وتم قفل الملف على هذا النحو، واتفقنا أنه عندما يأتي السودان نتحدث في هذا الشأن وعندما أتي وأصبح  وزير مجلس الوزراء أنا ذهبت إليه وتحدثت معه في شأن والدته فطلب مني إرجاء الأمر ولم نتحدث فيه مرة أخرى.
{ على الرغم من الاتفاقيات التي سبقت انفصال الجنوب وبوصفك أحد أبناء المنطقة التي تشهد خليطاً بين العرب والجنوبيين.. هل شعرت أن الجنوب في طريقه إلى الانفصال؟
_ أيوة كنت عارف.
{ ما هي المؤشرات التي تولد عنها شعورك؟
_ (الدينكا) ديل ناسي وكنت عارف وقلت ليهم الجنوب في طريقه للانفصال لسببين، أولاً أن هناك جيلاً بأكمله نشأ في التمرد ولا يعرف غير لغة الانفصال، ناهيك عن أن الجنوب كدولة يحكم نفسه ذاتياً، وذكرت أن الجنوب في طريقه للذهاب.. وعلى خلفية حديثي هذا تم استدعائي من قبل السلطات المختصة.
{ تم التحقيق معك؟
استدعوني وقالوا لي أنت من زعماء (المسيرية) كيف تتحدث بهذا الشكل، فذكرت لهم أنني أشدّد على ما قلته وإن ذهبت إلى سجن (كوبر)، وبعد ثلاث ساعات من التحقيق أطلقوا سراحي، وذكرت لهم أن الجنوب بانفصاله سيحدث أزمة.
{ وحدث ما تنبأت به؟
_ نعم، أنا في انتخابات 2010 ذكرت للوالي “أحمد هارون” ذلك وطلبت منه أن يبلغ المركز بضرورة تأجيل الانتخابات في جنوب كردفان على أن يتم تكوين حكومة مؤقتة تجنباً لأي صراع، لأني عارف نفسيات الناس جيداً…
{ (مقاطعة).. نفسيات الجنوبيين ولّا نفسيات المؤتمر الوطني؟
_ جميعهم، طلبت تكوين حكومة مؤقتة لإقناع قطاع الشمال ونحد من توتر الجنوبيين، وقلت لهم أنا بتطوع في سبيل السودان، فقالوا لي سندخل الانتخابات والفيصل بيننا الصندوق فقط، وعلى الرغم من نيل  “الحلو” أصواتاً كثيرة جداً إلا أن الفائز كان موالانا “هارون”.
{ الفائز حقيقة هو “الحلو”؟
_ بالتأكيد كان هو الفائز الحقيقي، وهذا الأمر انتهى وأصبح في الماضي، لكن كما ذكرت لك هناك أخطاء، وهذه الانتخابات واحدة منها قادت إلى انفصال الجنوب.
{ لو تحدثنا عن “قرنق” ومعروف عنه وحدويته.. هل تعتقد لو أنه كان على قيد الحياة لن يحدث انفصال؟
_ “قرنق” كان لديه خطابان، خطاب في الميدان مع الجيش يختلف (توتلي) عن الخطاب السياسي، وذات مرة سألته عن هذين الخطابين فقال لي: (أنا سويت لي جيش في الميدان وميزان قوة ولو ما راعيت ليهم نفسياتهم ح يشردوا مني)، وذكر لي أنه في حال وصلنا إلى سودان موحد فإنه قادر على تغيير هذا المنهج، وقال: أنا سأحكم السودان نفسه، وقلت له: لن تستطيع، فقال لي: لماذا؟ هل تقصد المسلمين باعتبارهم كثر والمسيحيين أقلية؟ فقلت له: نعم، فقال لي: ما بتعمل حاجة، أنا سأجعل العالم الخارجي يقف إلى جواري، أنا ليس لديّ مشكلة مع الأسلام والصلاة والمساجد، أنا سلطة فقط العايز يمشي الكنيسة يمشي والعايز يمشي الجامع يمشي.
{ برأيك.. هل التعامل مع المتمردين كان بحاجة للحكمة وهم يشعرون بالتعالي معهم ما أدى إلى الانفصال؟
_ نحن كشماليين لم نُجد التعامل مع نفسيات المتمردين، وتعاملنا معهم كان فعلاً بتعالٍ.
{ كيف تتوقع مستقبل أبيي.. هل تعدّها قنبلة موقوتة؟
_ أبيي الآن ليست في يدنا لا الشمال ولا الجنوب، ليست بيد الرئيس “عمر” ولا “سلفاكير”.
{ بيد من القرار إذن؟
_ القرار بيد من وضعوا البرتوكولات، أبيي الآن عملوا ليها سياج وهو خط اسمه خط (10) وهو من محلية الدبب (40) كيلو فقط، ودا توسع وأنا من زمان بعترض عليه، والحل هو إقناع واضعي  البرتوكول وترفيعها إلى ولاية بدلاً عن إشرافية.
{ ولاية يحكمها من؟
_ تكون ولاية مشتركة برأيي، وذكرت هذا لـ”حسن علي نمر” رئيس الإشرافية، وقلت له أبيي لابد أن تكون ولاية مشتركة بين الشمال والجنوب وليس بين (المسيرية) و(الدينكا).
{ هل يمكن أن تصبح نقطة تحول وتعيد الوحدة بين البلدين مرة أخرى؟
_ يمكن في حال أنها أصبحت ولاية مشتركة ترعاها الدولتان وتنقسم المصالح بينهما، ولا يشترط أن يكون الوزراء (مسيرية) “إن شاء الله يجيبوا جعلي من المتمة” لكن التحدث دائماً عن أن أبيي (مسيرية) لم (يخدم لينا غرض) وأحدث مشاكل.
{ ماذا عن المشيخات التسع وهم الآن مستندون إليها- أي (الدينكا)- في التحكيم؟
_ المشيخات دي زمان مافي، وسووها ناس “دينق ألور”.. أصبح ذكياً وخدع بها الحكومة.
{ كيف؟
_ ما في حاجة اسمها المشيخات التسع، لقد كانت عبارة عن قرى كان المسؤول عنها الناظر “دينق مجوك”، لكن “ألور” أصبح ذكياً وقام بتحويلها إلى مشيخات لأنه كان يرمي لبعيد جداً، وتحدثت إليه لكنه لم يستمع لي، وكانت هذه الضربة الحقيقية للحكومة والمفترض أن لا توقع الحكومة على البروتوكولات، لأن ليس لديها أي علاقة بالجنوب، وهناك على فكرة توجد مشكلة ثانية وهي لقاوة، موقع عليها ببروتوكول سويسرا على أنها جزء من جبال النوبة، والموقع عليه فيها الناظر “حريكة عز الدين” والآن من الممكن ناس “الحلو” يتمسكوا بالأمر إن لم يتم تغيير هذا المسلك.
{ تعدّها قنبلة موقوتة؟
_ بالضبط قنبلة موقوتة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية