صرخة الميرغني!!
دعوة ” السيد محمد عثمان الميرغني” رئيس الحزب الاتحادي للحفاظ على وحدة ما تبقى من السودان القديم، صيحة حق من رجل عرف بعقلانية الخطاب السياسي بعيداً عن التهريج والشوفونية والمزايدة، وعفة مفردات الميرغني جعلته قريباً من قلوب كثير من السودانيين، رغم أن الحزب الاتحادي الديمقراطي مثله وبقية الأحزاب يعيش حالة من الضمور والانكفاء على الذات، لكن الميرغني الذي بعث بقافلة لدرء أثار السيول والفيضانات بشرق السودان، يسعى لإعادة الدور الوسطى للحزب الاتحادي تاريخياً، ويضخ في شرايينه أسباب البقاء إذا تبنى الحزب رؤية حقيقية، تنهض على سيقان فكرية وسياسات واقعية لجمع الصف المبعثر في السودان بعد ذهاب الجنوب لسبيله كدولة منشطرة عن وطن أم ما يزال تحيط به مخاطر التشرذم والانقسام إذا اعتبر قادته في الحكم والمعارضة (البندقية) هي من يقرر في حسم الصراع على السلطة.
” السيد الميرغني” أطلق دعوة نقلها على لسانه ممثله ووكيله الخليفة ” نزار محمد الحسن”، حينما خاطب جماهير منطقة (ستيت)، ولم يطرح رؤية شاملة أو مشروعاً لتوحيد ما تبقى من السودان، حتى يجد حظه من الحوار الجهير والمضي في (إقناع) السلطة بتبني المشروع قومياً، وطرحه على بقية القوى السياسية كترياق يشفي البلاد من أمراض (غشتها) في السنوات الماضية وأخذت تهدد وجودها.
حروب دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق أنتجت واقعاً جديداً، فالحرب تعزز النزوح واللجوء، وقد بلغ عدد اللاجئين السودانيين من دارفور ما يربو عن الخمسمائة ألف (تفرقوا) في أرض الله الواسعة من (تشاد) حتى (استراليا) ومن (جنوب إفريقيا) حتى (إسرائيل)، اللاجئون في الخارج يتأثرون بالخطاب العاطفي، وتحرضهم الحركات المسلحة على المركز، وتصور وجودهم في (المنفى) كثمرة لسياسات قصدية من الحكومة نحوهم، ولا تملك الحكومة خطاباً موجهاً للاجئين في الخارج، وهي لا تشعر بخطورتهم وأثر النزوح واللجوء على التماسك القومي وتجربة الجنوب عبرة لمن يعتبر.
وأفرزت أيضاً حرب (جبال النوبة) أوضاعاً أخرى، حيث تحتضن دولة الجنوب الآن الآلاف من النوبة والانقسنا، تطعمهم الأمم المتحدة وتحرضهم الحركة الشعبية وتغذي فيهم روح النزوع نحو الانفصال عن المركز، وفي هذا المناخ يطلق ( الميرغني) دعوته التي تبدو صادقة ومخلصة لكنها تمثل إعلان مبادئ لمشروع وطني منتظر.
الميرغني ما يزال بين (منزلتي) الحكومة والمعارضة، رغم أن أولاد الميرغني في حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية لم يشعروا بالارتياح طوال (23) عاماً في الحكم، إلا بدخول (المرشد) لساحة القصر، لكن (الميرغني) الذي له علاقات واسعة مع مشيخات وممالك الخليج العربي لم يبذل جهداً ينتظر منه لتقريب الخرطوم للعرب وتقريب العرب إليها، كما أن علاقة الميرغني بالحركة الشعبية تجعله مؤهلاً للجلوس على كرسي (أمبيكي) وتجسير المسافة بين (عقار) و(كمال عبيد)، لكن الحزب الاتحادي ومرشد الطريقة الختمية يقدمون (رجلاً) ويتراجعون خطوتين، وتبقى الدعوة لوحدة ما تبقى من الوطن شمعة في ظلام دامس نعيشه الآن!!