تقارير

"عاصفة حزم" ضد الفساد تطيح بالعشرات من الأمراء السعوديين وعشرات الوزراء السابقين

أثارت ردود فعل واسعة في كل أنحاء العالم
“الساعوري”: ما يحدث في المملكة إرهاصات ثورة قادمة تشمل تغييراً شاملاً للسياسة السعودية
الخرطوم – وليد النور
لم يكن هناك حديث، ربما في العالم كله، سوى الحديث عن القرارات المباغتة التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية بشأن محاربة الفساد، وكانت محل اهتمام وسائل الإعلام كافة في العالم، التي ظلت تتابع تلك القرارات بالتحليل وترصد ردود الفعل تجاهها، لأنها شملت إبعاداً من مواقع المسؤولية، وحبساً واعتقالاً لأمراء ووزراء سابقين بتهمة الفساد. وهو أمر يعزز اتجاه المملكة نحو التغيير بصعود الملك “سلمان” وولي عهده الأمير “محمد”.
وقد وجدت الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي “سلمان بن عبد العزيز” مساء أول أمس (السبت) الخاصة بمحاربة الفساد، اهتماماً كبيراً عكسته مئات الآلاف من التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي السعودية، وأهمها  (الملك يحارب الفساد ومحمد العزم يجتث الفساد)، وأشارت التغريدات المؤيدة للقرارات إلى ضرورة محاسبة كل بؤر الفساد بالمملكة، وتمثل القرارات المشار إليها حلقة في سلسلة من القرارات المؤثرة في واقع المملكة، ويدفع بها نحو تغيير كبير، فقد شهدت المملكة العربية السعودية خلال العام المنصرم انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية الأمريكية الذي شارك فيه الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب”، وشهد إعفاء الأمير “بندر” وتعيين “محمد بن سلمان” ولياً للعهد، وصدور قرارات اقتصادية، عُرفت بالخطة الإستراتيجية، قضت بفرض رسوم على المقيمين في المملكة. وفي سبتمبر من العام الجاري، أصدر الملك “سلمان بن عبد العزيز” أمراً بحق المرأة السعودية في قيادة السيارة واستند المرسوم الملكي إلى (ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك، مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها). وجاء في المرسوم أن أغلبية هيئة كبار العلماء في السعودية أفتوا بأن الأصل في قيادة المرأة للسيارة هي الإباحة، ونص المرسوم على أن يتم تنفيذ الأمر الملكي منتصف العام المقبل، بعد استيفاء المطلوبات كافة مع سلطات المرور، ثم أردفه بقرار آخر، سمح بموجبه للنساء بدخول دور الرياضة في كل من جدة والدمام والرياض، ومشاهدة مباريات كرة القدم.
وأعلن الأمير “محمد بن سلمان” عزمه على إعادة المملكة إلى الإسلام المعتدل المنفتح، في وقت أعلنت فيه المملكة عزمها على مراجعة وتنقية التراث الديني من الأفكار الحاضة على العنف والإرهاب.
وفي إطار قرارات الأمس الخاصة بمحاربة الإرهاب، احتجزت السلطات السعودية مستثمراً عالمياً كبيراً، ووزير الحرس الوطني، وقال مسؤولان سعوديان كبيران طبقاً لـ(رويترز)، أمس (الأحد)، إن الملياردير السعودي الأمير “الوليد بن طلال” رئيس شركة المملكة القابضة للاستثمار من بين المحتجزين وهم (11) أميراً وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين.
كما تم احتجاز الأمير “متعب بن عبد الله”، (ابن الملك السابق) وزير الحرس الوطني، الذي تم إعفاؤه من موقعه، ليحل محله الأمير “خالد بن عياف”، مما يعزز سيطرة الأمير “محمد” على المؤسسات الأمنية، التي ترأستها لفترة طويلة أفرع قوية منفصلة من الأسرة الحاكمة.
ووردت أنباء الاحتجاز في الساعات الأولى من صباح، أمس  (الأحد)، بعدما أصدر العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز آل سعود”، أمراً ملكياً بتشكيل لجنة عليا جديدة لمكافحة الفساد برئاسة الأمير “محمد” البالغ من العمر (32) عاماً.
وتتمتع اللجنة الجديدة بسلطات واسعة النطاق من بينها التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول.
وقال الأمر الملكي: (لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام). وتزامنت هذه القرارات مع إصدار العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز”، أوامر ملكية بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير “متعب بن عبد الله” من منصبه، وتعيين “خالد بن عياف” عوضاً عنه، وإنهاء خدمات قائد القوات البحرية الفريق “عبد الله السلطان” وتعيين “فهد الغفيلي” خلفاً له، وإقالة وزير الاقتصاد والتخطيط “عادل فقيه” وتعيين “محمد التويجري” بدلاً عنه.
وذكرت وسائل الإعلام السعودية أن لجنة مكافحة الفساد ستعيد فتح ملف سيول جدة (عام 2009)، ووباء كورونا. وتضم اللجنة في عضويتها كلاً من رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، رئيس ديوان المراقبة العامة، النائب العام ورئيس أمن الدولة. ويمنح الأمر الملكي اللجنة عدة مهام من بينها حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام. كما تتولى اللجنة مهام التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها.
وضمن صلاحيات اللجنة، أيضاً، اتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام. كما لها الحق في تقرير ما تراه محققاً للمصلحة العامة، خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها. وقضى الأمر الملكي بأن للجنة أن تستعين بمن تراه، ولها أن تشكل فرقاً للتحري والتحقيق وغير ذلك، كما لها أن تفوّض بعضاً من أو كامل صلاحياتها لهذه الفرق.
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور “حسن إسماعيل الساعوري” في حديثه لـ(المجهر) إن التغيير الذي حدث في المملكة العربية السعودية يعدّ تغييراً مفاجئاً وسريعاً وجذرياً للسياسات كافة، وهي تعدّ إرهاصات لثورة قادمة بمعنى أنها تعمل على تغيير السياسات في المملكة بنسبة (180) درجة، واتخاذ طريق جديد يتوقع أن يقابله رد فعل كما يقول علماء الفيزياء، لكل فعل رد فعل، وفي هذه الحالة ستكون ردة الفعل داخل الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، التي تتقاسمها عدة مراكز قوى، وستكون هنالك كفة راجحة إما تقبل القرارات أو ترفضها عن طريق الإعلان أو الاتصال. وتتباين ردود الفعل في حالة القبول إن لم تكن هنالك مشكلة، وحال رفضها هذا معناه اتخاذ إجراءات قانونية  حيالهم أو تقديمهم لمحاكمة أو إبقاءهم تحت الإقامة الجبرية في المنازل، حتى لا يؤدي ذلك لاضطراب سياسي.
{ إقالة متعب
أول من تمت إقالته هو الأمير “متعب  بن عبد الله بن عبد العزيز” رئيس الحرس الوطني، من مواليد العام 1953م وهو ثالث أبناء العاهل السعودي الملك “عبد الله بن عبد العزيز”، وهو وزير الحرس الوطني السعودي وعضو بمجلس الشؤون السياسية والأمنية بالمملكة العربية السعودية. وتلقى الأمير “متعب” تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في الرياض وجدة. والتحق بجامعة الملك سعود بالرياض لمدة عام دراسي واحد ثم قرر دخول المجال العسكري. التحق بأكاديمية “ساندهيرست” العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، وتخرج فيها برتبة ملازم، وعُيّن فيما بعد في مدارس الحرس الوطني العسكرية بالرياض.
وتدرج الأمير “متعب بن عبد الله” في الرتب العسكرية حتى حصل على رتبة عميد، ثم التحق بكلية القيادة والأركان في الرياض وحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية، ثم ترقى إلى رتبة لواء، وقد مرت مسيرته بالعديد من المحطات المهمة..
فبتاريخ 25 رمضان 1421هـ الموافق 21 ديسمبر 2000 أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك “فهد بن عبد العزيز آل سعود” القائد الأعلى للقوات المسلحة أمراً ملكياً باستحداث منصب نائب رئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية وترقية الفريق ركن “متعب بن عبد الله بن عبد العزيز” إلى رتبة فريق أول ركن وتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية.
وبتاريخ 25 جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 21 يونيو 2009 أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك “عبد الله بن عبد العزيز آل سعود” القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية رئيس الحرس الوطني أمرين ملكيين، بتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية بمرتبة وزير، وبإنهاء خدمته العسكرية.
وبتاريخ 11 ذو الحجة 1431هـ الموافق 17 نوفمبر 2010 أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك “عبد الله بن عبد العزيز آل سعود” أمراً ملكياً كريماً بإعفاء صاحب السمو الملكي الأمير “بدر بن عبد العزيز آل سعود” نائب رئيس الحرس الوطني من منصبه بناء على طلبه وتعيين الأمير “متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود” وزير دولة عضواً في مجلس الوزراء رئيساً للحرس الوطني.
 وبتاريخ 17 رجب 1434هـ الموافق 27 مايو 2013 أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك “عبد الله بن عبد العزيز آل سعود” أمراً ملكياً كريماً بتحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة باسم «وزارة الحرس الوطني» وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير “متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود” وزيراً للحرس الوطني.. وعرف عن الأمير “متعب” خدمته الصادقة للقطاع العسكري حيث ارتبط اسمه بالحرس الوطني ومساهمته الجادة لنقل وزارة الحرس الوطني للصفوف العسكرية الأولى والمتقدمة بالعالم.
{ رئيس الحرس الوطني الجديد
فيما عبر وزير الحرس الوطني الجديد الأمير “خالد بن عبد العزيز بن عياف آل مقرن”، أمس الأول، عن اعتزازه وسعادته بالثقة الملكية الغالية التي أولاها إياه خادم الحرمين الشريفين، الملك “سلمان بن عبد العزيز” بتعيينه، وعدّ “آل مقرن” هذه الثقة الغالية شرفاً عظيماً ووساماً يعتز بحمله، ومسؤولية ستكون بلا شك دافعاً إلى بذل المزيد من الجهد والعطاء لخدمة هذا الوطن الغالي ومواصلة التطور الذي تعيشه المملكة في جميع المجالات.
وشملت المراسيم الملكية إعفاء مسؤولين بارزين في المملكة وتعيين آخرين مكانهم. وطبقاً لوكالة الأنباء السعودية الرسمية، فقد (أعفي عادل فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط بالمملكة ليتمّ تعيين محمد التويجري مكانه). وكان “عادل فقيه” يشغل منصب وزير العمل، قبل أن يعيّنه العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” وزيراً للاقتصاد والتخطيط خلفاً لـ”محمد الجاسر”. وحسب سيرته الذاتية المنشورة (ولد المهندس عادل بن محمد فقيه في مكة المكرمة عام 1958، والده هو رجل الأعمال الراحل محمد بن عبد القادر فقيه، ويحمل شهادة جامعية في الهندسة الصناعية من جامعة الملك عبد العزيز في جدة). وتولى “عادل فقيه” العديد من المناصب، كان أبرزها تعيينه وزيراً للعمل منذ 18 أغسطس 2010 بعد إعفائه من منصب أمين محافظة جدة، وتم تكليفه- خلال فترة توليه وزارة العمل- القيامَ بأعمال وزير الصحة.
{ احتجاز “الوليد بن طلال”
في عام 2013 نشرت مجلة (فوربس) تقريراً وصفت فيه قصر “الوليد بن طلال” الفخم المكسي بالرخام والمؤلف من (420) غرفة في الرياض وطائرته الخاصة من طراز (بوينج 747) ومنتجعه على أطراف العاصمة السعودية على مساحة (120) فداناً وبه خمسة بيوت وخمس بحيرات صناعية ونسخة مصغرة من الأخدود العظيم (جراند كانيون) الشهير في الولايات المتحدة.
كما اشتهر عنه جرأته في إبداء آرائه في السياسة، واحتل تصريح له عناوين الصحف عام 2015 عندما وصف “دونالد ترمب بأنه” (عار) عبر (تويتر) خلال الحملة الانتخابية الأمريكية. وربما تصبح استثمارات الأمير “الوليد” الحالية والمستقبلية موضع شك بعد اعتقاله في تحقيق تجريه لجنة مكافحة الفساد .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية