أخبار

خربشات

(1)
الثقافة الأفقية الواسعة وعمق القراءة والتحليل.. جعل د.”منصور خالد” المثقف يكتب (قصة بلدين) وهي نبوءة مبكِّرة لانفصال الجنوب عن الشمال، وحينها كان الحديث عن حق تقرير المصير مدعاة لإغلاق الصحف واعتقال الصحافيين قبل أن يصبح الاحتفاء بتقسيم الوطن، ونحر الذبائح دليلاً على حب ما تبقى من الوطن.. د.”منصور خالد” ظل يكتب عن مخاطر انزلاق الوطن في أتون الحروب المجنونة، ولا يقرأ حكامنا وصناع القرار ما يكتبه الكتُاب، وإلا ما كان حالنا على ما عليه اليوم من بؤس وشقاء وعنت وفقر، وفساد وإفساد وتسلط وجبروت الحاكمين على المحكومين. وفي كتابه بلدين استوحى العنوان من رواية غربية شهيرة (قصة مدينتين).. وما بين مدن الغرب والشرق تباعد واختلاف.. وإذا كان د.”منصور” قد استوحى من ذلك العنوان قصة البلدين فإن الرجل فجع هو الآخر مرتين الأولى حينما انفصل الجنوب وتركه الجنوبيون الذين من أجلهم أهدر الوقت وبذل الطاقة وجمَّل وجه الحركة الشعبية وقائدها “جون قرنق”.. والفجيعة الثانية حينما فشل الجنوب في تأسيس دولة ناجحة.. ونعتت تجربة “سلفاكير” بالدولة الفاشلة والفجيعة مرتين هي أيضاً مستوحاة من عنوان للكاتب “جورج أمادو” ،وقصة الرجل الذي مات مرتين.. والمدينتين اللاتي أتى ذكرهما هنا.. ليستا بعيدتين عن مخيلة قارئ هذه المساحة.. المدينة الأولى في دولة المغرب والمدينة الثانية في غرب كردفان ،بوطننا السودان، فما وجه الشبه بين مدينة في المغرب وأخرى في السودان؟.
(2)
“محمد بن عيسى” وزير الخارجية الأسبق في المملكة المغربية لم تصرفه قضايا الصراع بين المغرب وجبهة البُوليساريو أو الجمهورية الصحراوية ومقاطعة المغرب لمنظمة الوحدة الأفريقية، قبل أن تصير الاتحاد الأفريقي ومشكلات الاتحاد المغاربي والهجرة.. والعلاقة بين الرباط وإسرائيل ، عن النظر لما هو أعمق من ذلك.. تدبر في شأن دوره كوزير جاء إلى السلطة من الريف المغربي الفقر.. وفي مخيلته القرية التي ولد فيها صوت الدواب وشقشقة العصافير ومظهر النساء القرويات يخرجن في الصباح بحثاً عن الحطب الجاف لاستخدامه في صناعة الطعام.. والزراعة التي تجف الأودية عامين وتسيل في العام الثالث.. كيف تنصف قريته أصيلة؟ لم يجد الوزير المثقف “محمد بن عيسى” إلا الثقافة والآداب كمدخل موضوعي لميلاد قرية أصيلة.. ولأن الوزير “محمد بن عيسى” مثقف وقارئ وليس مجرَّد وزير عابر تأتي به الأحزاب وينصرف دون وضع بصمته.. فكَّر في إقامة مهرجان ثقافي وأدبي عالمي باسم مهرجان (أصيلة) دعا إليه كبار الأدباء والشعراء.. والموسيقيين والمثقفين وشيَّد الاستراحات المتواضعة ونفخ في روح شباب قرية أصيلة دفق العطاء.. والعمل المشترك لجعل أصيلة منارة في الفضاء العربي والأفريقي والعالمي والمغرب بكل تراثها الإنساني وتلاقح الثقافات الغربية والشرقية في طنجة.. والدار البيضاء وفاس التي تحتضن قبر العالم الفقيه سيدي “أحمد التجاني” مثلما تحتضن مدينة حمص في سوريا قبر سيدنا “خالد بن الوليد” (سيف الله المسلول).. والمغرب هي “محمد شكري” و”سامي المحمود” و”ابن شريفية”.. و”بادو الزاكي”.. و”محمد بن عيسى” الذي جعل من أصيلة بقعة ضوء في نفق العرب المظلم ومنارة وسط بحر الظلامات الدامس.. وفي كل عام تزدحم مطارات المغرب بالمثقفين والكُتاب والشعراء وهم ييممون شطر تلك المدينة التي صنعت من حيث لا شيء وأصبحت اليوم نقطة ضوء باهرة تشع نضارة في المغرب والعالم بأجمعه.
(3)
إذا كان “محمد بن عيسى” وزير خارجية المغرب الأسبق قد جعل من مدينة أصيلة شيئاً في عالم اليوم فإن رجل أعمال ومقاول وسياسي سوداني قد صنع هو الآخر من أرض خالية من السكان وترتع في فلواتها قطعان بقر البقارة مدينة تنهض بعرق ذلك الإنسان الرائع.. إنها مدينة الدبب في غرب كردفان.. (أو دبب حسن صباحي) كما يقولون وحتى قبل 1996م، ما كانت تلك الأرض إلا نحو سبع قطاطي فقط، يقطنها الفقراء من بطون قبيلة المسيرية أولاد “عمران” الذين هم من أغنى السودانيين من حيث الثروة الحيوانية.. وكانت الدبب محطة لمياه الشرب (دونكي).. ثم حفرة أيام حكومة “عبد الرسول النور” في أخريات التعددية الديمقراطية 1986 – 1989م.. و(الدبب) تعني الأراضي المرتفعة وسط المنخفضات المائية.. وتقع الدبب في الجنوب الشرقي من مدينة المجلد عاصمة قبيلة المسيرية التاريخية ومقر نظارتهم القديمة ونظارتهم الجديدة، حيث أعاد الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” لآل “بابو نمر” حقاً أضاعته كثرة الإمارات المصنوعة من ثياب السلطة السياسية.. وقصة نهضة الدبب بدأت بالتعليم، وقد أنفق رجل الأعمال “حسن صباحي” على التعليم في قريته التي صارت اليوم مدينة ما هو كفيل بأن يجعل للرجل عمارات ذات طوابق عشرة وعشرين في قلب الخرطوم.. واتكأ “حسن صباحي” على الذراع السياسي الذي يمثله د.”عيسى بشرى” الرجل الذي له بصمة في كل  قرية ومدينة بولايات كردفان الثلاث.. وثالث الرجال الذين صنعوا مجد هذه القرية الأمير “إسماعيل حامدين” رجل الإدارة الأهلية صاحب الموقف والصرامة والشجاعة في قول كلمة الحق.. وسخر “حسن صباحي” علاقته بالرئيس “البشير” صديقه في أيام العسر قبل السلطة في دعم مشروعات توطين الرحل بمدينة الدبب التي كانت مدرسة واحدة مختلطة في 1997م، واليوم ثلاثة آلاف طالب وطالبة.. بكل المراحل الدراسية وجامعتين.. ومحطة كهرباء.. ومحلية.. واتحاد طلاب بالجامعات وصل عدد منتسبيه لمائتين وخمسين طالباً وطالبة.. ومدينة كبيرة وسوق عامرة بالناس والثروات ومزيج من أهل السودان قادمين من دارفور ومن دار الريح.. ومن الشمالية والجزيرة والدبب تحتضن الجميع في ألفة ومودة.. ومن قيادات تلك المنطقة د.”عبد الله محمد عبيد الله” وزير الدولة بالخارجية والفريق “حامد منان” وزير الداخلية الذي يمثِّل اليوم واحداً من صناع القرار في البلد.. واللواء “عبد الله محمد عمر” و”محمد الدوريك بخت” الذي خسره حزب الأمة وكسبه المؤتمر الوطني ومئات النجوم التي تملأ الأرض صخباً وعطاء.
(4)
آخر إشراقات “حسن صباحي” النائب البرلماني السخي بماله في خدمة أهله تعاقده مع عشرة من الأساتذة العالمين في تخصصات الأحياء والكيمياء والرياضيات لتدريس طلاب محلية الدبب، وتكفَّل “حسن صباحي” بحافز قدره (4) آلاف جنيه، لكل معلم وتكفَّل الأمير “إسماعيل حامدين” بإسكان المعلمين وتوفير ضروريات الحياة لهم من سكن وإعاشة كل ذلك حتى يرتقي التعليم العلمي في تلك المنطقة ويغزو الطلاب القادمين من الدبب كليات الطب والهندسة ما بين المدينتين أي أصيلة في المغرب والدبب في السودان تشابه.. في البدايات وكلاهما مدينتان محمولتان على أكتاف الرجال الأسود لا الرجال النياق أو كما قال “سيف الدين الدسوقي” في مدح “صدام حسين” بمهرجان (المربد).. وكل (جمعة) والجميع بخير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية