تعاون إستراتيجي بين البلدين وزيارة مرتقبة للعاهل المغربي للسودان
رحلة أيام الله السبعة في بلاد المغرب العربي
الشعب المغربي يكن ألفة ومحبة راسخة للشعب السوداني وللرئيس “البشير”.. والهلال والمريخ الأشهر لدى المغاربة
المملكة تسير بخطى حثيثة تجاه التنمية في قطاع البني التحتية والنظافة والأمن خط أحمر
فاس أقدم المدن المغربية تجسد التأريخ الإسلامي والصوفي بعباءة الوسطية الدينية
المجهر السياسي – المغرب: شريف أحمد الأمين
بدعوة كريمة من مجموعة أوزون للبيئة والخدمات المغربية قام وفد من محلية الخرطوم برئاسة معتمد المحلية الفريق ركن “أحمد علي عثمان أبو شنب” بزيارة للمملكة المغربية في الفترة منتصف أكتوبر 2017م، ولمدة سبعة أيام، بغرض الوقوف ميدانياً على إمكانات ومقدرات شركة أوزون في مجالات إصحاح البيئة والنظافة والآليات وتقنياتها المستخدمة في جمع ونقل وإعادة تدوير النفايات بغرض رفع كفاءة عمل الشركة بمحلية الخرطوم، وخلال مرافقتنا للوفد حظينا ببعض الانطباعات والإشراقات التي ترسَّخت في أذهاننا تجاه شعب المغرب والذي يكن ألفة غير معهودة للشعب السوداني ولرئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” وفريقا الهلال والمريخ وهما يشكِّلان لوحة وسفارة للنوايا الحسنة الرياضية للشعب السوداني بالمغرب برغم سخونة اللقاءات الكروية ومرارة الهزائم وهسترية أفراح الانتصارات بين الجانبين.
• في منتصف أكتوبر من الجاري قبل إن تحط بنا الطائرة الميمونة لخطوط الإمارات بمطار “محمد الخامس” بمدينة الدار البيضاء أو(كازبلانكا) كما يحلو لكثير من الناس إطلاق المصطلح الانجليزي على المدينة الحالمة والتي تتوسد المحيط الأطلسي كأخر أرض يابسة لقارة أفريقيا والوطن العربي على المحيط الممتد الغاضب، ومن الملاحظ في مدينة الدار البيضاء توحد الرؤية البصرية لجميع مبانيها التي تزيَّنت باللون الأبيض بطلاء جدرانها الخارجي في مظهر حضاري مميَّز.
• عندما شارفت الطائرة على الهبوط تجلت الطبيعة في أروع تفاصيل (كازبلانكا) من حيث الخضرة الممتدة على أسطح التلال والأودية المتعرِّجة والتي تحفها أشجار الزيتون كعقد نضيد.
• عند الساعة الثانية عشرة وخمسة وأربعون دقيقة، لامست عجلات طائرة خطوط الإمارات العملاقة (الايرباص 380) ذات الطابقين التي تسع (615) راكباً، أي ما يعادل سكان قرية كاملة لامست أسفلت مطار “محمد الخامس” الذي شُيِّد على نسق المطارات العالمية وهو من أفضل المطارات في العالم ويحتل المرتبة الأولى بين مطارات مملكة المغرب والرابع أفريقيا من حيث عدد استقبال المسافرين وعدد الرحلات اليومية، وبرغم أن المطار يعتبر من الموانئ الجوية القديمة بالمملكة المغربية بحكم إنشائه في العام 1943م، إلا أنه وجد تجديداً وتحديثاً غير مسبوق وصلت سعته الاستيعابية لـ (14) مليون مسافر، في العام ما مكَّنه من الارتقاء لمصاف العالمية إقليمياً ودولياً.
• وما أن دلف الوفد إلى صالة كبار الزوار بالمطار كان الاستقبال من قنصل السودان بالمغرب ببشاشة سودانية حاضرة ازدانت بترحاب مغربي من الشركة المستضيفة، ومن ثم توجه الوفد صوب العاصمة المغربية الرباط عبر أسفلت أفعواني تلتفه الخضرة الزيتونية من كل جانب وتحضنه حركة متسارعة من الأعمار المستمر ورهبة المحيط الذي يجاور مدينتَيْ الدار البيضاء والرباط، وبعد أن طوينا ما يزيد عن المائة وثلاثين كيلو متراً، هي المسافة بين المدينتين استقبلتنا مدينة الرباط (بجأش) وحميمة وخضرة وحضارة تسر الناظرين تؤكد إبداع الشعب المغربي وحبه للتنظيم والرقي الذي يختلط بين المزاج العربي الأصيل والحضارة الأوربية التي تجاوره ويفصلها عنه مضيق جبل طارق بمسافة تقل عن الربع ساعة بالبواخر السريعة كأقرب بلد عربي وأفريقي للقارة الأوربية العجوز.
• وصل الوفد السوداني إلى مقر إقامته بفندق (تور حسان) العتيق بوسط مدينة الرباط والذي يعتبر من الفنادق ذات الطابع الكلاسيكي الممزوج بالحداثة وهو منزل محبَّب لكبار الساسة على مستوى العالم مُهِّر بتوقيع وإعجاب الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون” ورئيسا وزراء فرنسا الأسبقين “فرانسو مترا” و”جاك شيراك”، فضلاً عن كبار الشعراء والمطربين العرب أمثال: “كاظم الساهر”-“هاني شاكر” – “وائل كفوري” – “نانسي عجرم” – “فضل شاكر” و”عمر دياب” وشاعرنا الكبير “محمد مفتاح الفيتوري”، له الرحمة، الذي آثر ثرى المغرب مرقداً أبدياً له، وما أن دلفنا لبهو الفندق تناهى إلى مسامعنا الترحاب السوداني الجهور من سفير السودان بالمغرب السفير “سليمان عبد التواب الزين” ومدير عام شركة أوزون المغربية “عزيز البدراوي”.
• وفي اليوم الثاني من الوصول للعاصمة الرباط استقبلنا الصباح بزخات من الأمطار الشتوية لمناخ البحر الأبيض المتوسط زادت من نشاطنا بعد الرحلة الشاقة عبر خطوط الطيران من الخرطوم وصولاً للحالمة دبي ومنها رأساً للدار البيضاء التي استغرقت ثمان ساعات، متواصلة بين طيات السحاب على مسافة (38) ألق من سطح البحر.
• خرج الوفد السوداني تدشيناً لمهمته الرئيسة للتعرف على التجربة المغربية في نظم إدارة وتشغيل ونقل النفايات بالعاصمة الرباط بكل من قطاعات (سلا وهرهورة وعين عتيق) وهما من أكبر البلديات أو المحليات بولاية الرباط العاصمة، حيث تعرف على نوعية الآليات المستخدمة في النظافة وتقنياتها وكيفية عملها والأسطول الكبير والضخم للآليات الضاغطة والشاحنات وآليات الكنس الترابي والورشة المركزية لصيانة وتأهيل الآليات، بجانب زيارة مواقع حاويات تجميع النفايات المخفية تحت الأرض والخاطفة عن طريق الرافعات وكيفية تشغيلها والتي تسعى الخرطوم لإدخالها ضمن عملية اختراق مجال النظافة عبر النظم والتقنيات الحديثة.
• في اليوم الثالث للزيارة توجه الوفد لمدينة فأس التاريخية التي تقع شرق مدينة الرباط على مسافة تزيد عن الـ (168) كيلو متراً، وبرغم بعد المسافة ومكوثنا في السيارات لفترة تناهز الساعتين، إلا إن روعة الطريق السريع والمناظر الخلابة على امتداده المحفوف بالتنظيم ووسائل السلامة المرورية قطعت في مخيلتنا حبل الانتظار الممل، حيث الطبيعة الجبلية للمملكة المغربية ومنحدراتها السحيقة إلا إن الطرق وجدت تشييداً متناسقاً وحماية وتسويراً من الجانبين لمنع دخول المواشي والحيوانات لحرم الطرق، وقد علمنا أن القوانين المرورية الصارمة التي حدَّدت السرعة القانونية للطرق السريعة والعقوبات الرادعة تجاه المتجاوزين والتي قد تصل لسحب رخصة القيادة والمركبة معاً.
• وبعد مرور ساعتين من انطلاقنا من مدينة الرباط العاصمة وصلنا لبوابة مدينة فأس القديمة التي تنسمنا فيها عبق التأريخ الإسلامي العتيق حيث يرجع تأسيس مدينة فأس إلي الرابع من شهر يناير من العام 808م، أي أن عمرها الآن يزيد عن 1206عاماً تقريباً، وقد تأسست هذه المدينة على يد “إدريس الثاني” وهو من أحفادِ الخليفة الإسلاميّ “علي بن أبيّ طالب” “رضيّ الله عنه”، الذي وصل إلى المغرب العربيّ في نهايةِ القرن الثاني للهجرة حيث جعلها في ذلك الوقت عاصمة للدولة الإدريسية بالمغرب، وكانت مدينة فأس قد احتفلت في العام 2008م، بعيد ميلادها الـ 1200م، وقد اشتهرت هذه المدينة بانقسامها إلى ثلاثة أقسام وهي المدينة القديمة، أما فأس الجديدة فقد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، أما المدينة الجديدة قام على بنائها الفرنسيون إبان فترة استعمار المغرب.
• بعد أن دلفنا داخل بوابة فأس القديمة قام بجولة تعريفية على طرق و(زنقات) الضيقة أشفقنا عندها على القائمين على تقديم الخدمات بالمدينة القديمة غير المخططة والتي تجاوزت الألف عام ولكن كانت المفاجأة في إخبارنا بأن المدينة بها شبكة للصرف الصحي فاق تشييده الـ (600) عام، أما عن نظافة المدينة فتتم عبر البغال والحمير لصعوبة دخول المركبات في الأزقة العتيقة التي يقل عرضها عن المتر في بعض الأحيان، لكن في ذات الوقت تنعم فأس الجديدة بنظم حديثة للنظافة ونقل ومعالجة النفايات، بل بالمدينة أكبر مصنع لتدوير النفايات واستخراج الطاقة الكهربائية من عصارة النفايات بأفريقيا.
• كان من الملاحظات المهمة بمدينة فأس القديمة جميع مبانيها يتم صيانتها دورياً، حيث تتألق في تقديم قوالب سياحية سلسة من القائمين على إدارة مطاعمها وفنادقها الشعبية بأدب جم وثقافة عالية ومعرفة عميقة للتراث والتأريخ الفاسي، وتزدان جميع المباني من الداخل بالفسيفساء العربية الأصيلة ذات البريق التأريخي التليّد، أما معالم المدينة والتي من ضمنها مسجد القرويين يعتبر من المَعالم الدينيّة والحضاريّة المشهورة في مدينةِ فأس، ويعودُ تأسيسهُ إلى عام 875 م، فكافة التصاميم المعماريّة الخاصة في المسجد مرتبطةٌ بفترةِ حُكمِ المرابطين للمغرب العربي، إضافة إلى مسجدي الطريقتين التجانية والسادة الأدارسة وهما من الطرق الصوفية ذات الصيت العالي بالسودان، ومن الملاحظ في مدينة فأس الوسطية والاعتدال الديني الممزوج بالمنهج الصوفي (المتزن) بعيداً عن التشدُّد والتعصب وغوغائية الإرهاب العقائدي الذي لا مجال لتسويقه بالمملكة المغربية التي تشهد انضباطاً أمنياً وإظهار قوة بائنة للعيان من جميع الأجهزة الأمنية التي تؤكد هيبة المملكة.
• بعد قضاء يوم وليلة في مدينة فأس التاريخية قفل الوفد عائداً إلى مدينة الرباط، حيث عقد اجتماع لتقيم الزيارة بمقر الشركة نوقشت من خلاله العديد من القضايا خلصت إلى عددٍ من التفاهمات ومخرجات العمل القادم شملت العديد من السمات للتعاون الإستراتيجي بين الجانبين السوداني والمغربي خلال المرحلة المقبلة تضمنت إحضار فرق عمل فنية لإجراء دراسات وتنفيذ مشروعات في مجالات رصف الطرق – الإنارة – الحدائق – الصرف الصحي بالخرطوم، والاتفاق على إنشاء مصنع متكامل لفرز النفايات بالخرطوم وتطوير المحطة الوسيطة القائمة الآن عبر خبرات الشركات المغربية في المجال، فضلاً عن الاتفاق على إحضار عربة لتخطيط الطرق وتحديد المسارات الأرضية الإرشادية، وزيادة عدد آليات النظافة العاملة بالخرطوم تمهيداً لرفع رقعة القطاعات التي ستعمل بها الشركة لرفع كفاءة وعمل خدمة النظافة بالخرطوم، وتوريد ماكينات تعمل لتشذيب الأشجار وإزالة مخلفاتها وإعادة تدويرها مع إدخال أنواع جديد من الأشجار تناسب بيئة الخرطوم، كما اتفق على ابتعاث مهندسين لتصميم وعمل ورش متكاملة لآليات النظافة وجميع الآليات الأخرى، مع توريد آليات للكنس الترابي وغسيل الطرق واستجلاب عدد مقدَّر من الحاويات الأرضية المخفية تحت الأرض لتوزيعها في عدد من المواقع، كما تم التوصل لإجراء دراسة لتطوير كورنيش النيل عبر الفريق الفني الزائر للبلاد الذي سيقدم أيضاً عروضاً للإسهام في إنشاء المرافق السياحية بالخرطوم.
• اختتم الوفد زيارته الكريمة إلى دولة المغرب بزيارة مقر السفارة السودانية بالرباط، حيث التقى سفير السودان بالمغرب السفير “سليمان عبد التواب الزين” الرجل المثقف والكاتب والقاص والشاعر والمثقل بالهموم الدبلوماسية، حيث تم اطلاعه على مخرجات الزيارة وآمن السفير على نتائج الزيارة ووعد بمتابعة الإجراءات المتعلقة بالتنسيق المشترك بين الجانبين، فضلاً عن الترتيبات الجارية لزيارة العاهل المغربي الملك “محمد السادس” للسودان لتعزيز العلاقات الإستراتيجية.
• إلى ذلك الحين استودعنا السيد السفير إلى بوابة السفارة بحرارة وغيث من أمطار الرباط الغزيرة التي رافقتنا حتى سلم الطائرة بمدينة الدار البيضاء.