بعد ومسافة
لماذا القرار الأمريكي الجديد؟!
مصطفى أبو العزائم
القرار الأمريكي الجديد بتمديد حالة الطوارئ على السودان والذي صدر مؤخراً، كان مفاجئاً للمتفائلين خيراً بعد رفع العقوبات عن السودان، وهو قرار يضاعف ثقل وضع اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفيه إشارات سالبة – حسب قراءاتنا الخاصة – إلى أن التطبيع لن يكون كاملاً ومكتملاً بين واشنطن والخرطوم إلا في حدود ما ترى العاصمة الأمريكية، وذلك إما نتيجة ضغوط من مجموعات الضغط الأمريكية المناوئة للسودان، وإما نتيجة قرار منفرد من الإدارة الأمريكية لإخضاع الخرطوم لمزيد من التنازلات ليصبح هذا القرار ابتزاز سياسي جديد لتفكيك نظام الحكم في السودان الذي لا زال الإسلاميون يشكِّلون لحمته وسداه دون غيرهم من القوى السياسية الأخرى، والتي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسقاط النظام لصالحها، ولكن بعيداً عن الفوضى التي ضربت الجوار الإقليمي للسودان، عقب ما يسمى بثورات الربيع العربي، التي أنتجت ما يمكن أن نسميه (عبقرية الدمار).
ما أشرنا إليه هو واحد من السيناريوهات المحتملة، فالقرار صحيح، والجميع يعلم أن السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية تنقسم إلى ثلاث سلطات تنفيذية تتمثل في الرئيس، وتشريعية يمثلها الكونغرس الأمريكي بمجلسيه، وسلطة قضائية تتمثل في القضاء بمختلف درجاته، إضافة إلى المحكمة الدستورية، إذ يمكن لقاضٍ في محكمة ابتدائية إيقاف تنفيذ قرار رئاسي، لكن في حالات الطوارئ، ووفق الدستور الأمريكي يمكن للرئيس أن يتجاوز السلطة التشريعية بعد أن يقوم بإخطار الكونغرس في حالات معيَّنة حدَّدها الدستور.
أما قانون الطوارئ الأمريكي فينص على أنه يمكن للرئيس إعلان منطقة ما، خاضعة للطوارئ بحيث يتعامل معها الرئيس بسلطة تنفيذية أكبر، مثل حالة إعلان الطوارئ في السودان، ويقوم الرئيس ولا أحد غيره بإخطار الكونغرس كل عام قبل تجديد حالة الطوارئ، ويسمح للرئيس حسب قانون الطوارئ الأمريكي بممارسة سلطات تنفيذية دون الرجوع للكونغرس، وهو ما حدث بالنسبة للقرار الخاص بالسودان، والذي يعتقد كثير من المراقبين أن فيه تراجعاً عن قرار رفع العقوبات، بينما يرى آخرون أن ذلك فيه حفظ لسلطات الرئيس بكل ما يتعلَّق بالسودان، إذ لم يكن بوسع الرئيس الأمريكي رفع العقوبات عن السودان دون الرجوع إلى الكونغرس لولا قانون الطوارئ.
المراقبون الإستراتيجيون يرون في هذا التطوُّر السالب إشارة قاتمة في مستقبل السودان السياسي، إذا لم تتدارك القيادة السياسية الأمر بتغيير سياساتها والاستجابة للمطالب الأمريكية المدعومة من قبل بعض الدول القريبة أو الصديقة للسودان على اعتبار أن تمديد حالة الطوارئ القومية فيما يتعلَّق بالسودان (بسبب أن الوضع في السودان ما زال يشكِّل تهديداً غير عادي واستثنائياً للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية).
واشنطن لم تخفِ مطالبها التي سرَّبتها أكثر من مرة عبر وسائل الإعلام من قبل، وهي تتمثل في حل ما تسميه بالمليشيات العسكرية غير الرسمية، وحل كل الشركات التابعة للدولة وللأجندة الرسمية على اعتبار أنها المموِّل الرئيس لقوات لا تتبع للقوات الرسمية، وإنها تدعم نهج الإسلاميين الذين لا زالوا يشكِّلون السند الداعم لنظام الحكم، بل وتعتبر مراكز اتخاذ القرار الأمريكي أنهم المخطط والمنفِّذ لكثير من السياسات.. ولا تريد الإدارة الأمريكية الاقتناع بأن ما ذهبت إليه السلطات في السودان من انفتاح سياسي ومشاركة في السلطة من قبل القوى السياسية الأخرى وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لا تريد الاقتناع بأن ذلك حقيقي، خاصة وأن هناك تغذية سالبة من جهات لا تريد سوى تغيير نظام الحكم في السودان، منها المحلي في الداخل ومنها حركات مسلَّحة مناوئة لنظام الحكم ومنها جهات خارجية يهمها أن يتغيَّر نظام الحكم بما يضمن مصالحها دون تحسُّب لما يمكن أن يحدث ذلك من فوضى في كل الإقليم.