حوارات

رئيس حزب التحرير والعدالة القومي، والنائب البرلماني د."تجاني سيسي"للمجهر

* انهاء العقوبات الاقتصادية ، وحده، لا يعني أن الاقتصاد السوداني سيتعافى.
* جمع السلاح سيخلق البيئة المواتية لتعود دارفور إلى سيرتها الأولى
* انصح قيادات الحركات : ليس من المنطق أن نحارب بلا جماهير!
* كلنا شركاء في الهم الوطني ، وليس بالضرورة أن نكون تنفيذيين
بعد صمت استمر لقرابة العام، وعزوف تام عن وسائل الإعلام، واختفاء كبير عن الساحة السياسية بعد انتهاء أجل السلطة الإقليمية لدارفور، واتفاق الدوحة للسلام. رحَّب الدكتور “تجاني سيسي محمد أتيم” بطلبنا محاورته، وكان شديد الصراحة كعادته، دبلوماسياً في إجاباته، وواضحاً في كثير من القضايا التي طرحناها أمامه، خاصة تلك المتعلِّقة بصميم تخصصه الأكاديمي كخبير اقتصادي قبل أن يكون سياسياً ورئيس حزب.  وأبدى تفاؤله برفع العقوبات الإقتصادية ، معدداً آثاره الإيجابية ،غير أنه أكد أن ذلك وحده لايكفي ، لخروج الإقتصاد السوداني من أزمته ، والماثلة ، بشكل خاص في عجز الميزان التجاري ، داعياً الى تحرك لمواجهة هذاالخلل ، واعادة النظر في سياساتنا الكلية للاقتصاد السوداني . وأكد أن الخلل  في الميزان التجاري لايمكن معالجته  إلا بالإنتاج والمزيد من الإنتاج .
حاورته: رشان أوشي

*السودان بعد التطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية ورفع العقوبات الاقتصادية..ما رأيك؟.
تفاؤل كبير، رفع العقوبات سيكون له أثر بلا شك في بعض المناحي، خاصة التي تتعلَّق بالتحويلات المالية، وتعزيز الثقة في النظام المصرفي السوداني، إعادة الثقة في بنك السودان وضماناته، التداعيات الإيجابية في سهولة التحويلات بالنسبة للسودانيين، خصوصاً المقيمين في الخارج، وتعلمين أنه في السابق كانت هنالك مشكلة كبيرة جداً بالنسبة للسودانيين المقيمين في الخارج، في مسألة التحويلات بالدولار، لأنها تتم عبر نيويورك، أي تحويل يتم عبرها من سودانيين يتم حجزه، ويخضع للمساءلة، الآن هذه القضايا أصبحت من الماضي، أيضاً سيكون لها أثر في تشجيع التدفقات النقدية، خاصة فيما يلي الاستثمار، والاستثمار الأجنبي المباشر، في الماضي كانت هنالك تحفظات كبيرة جداً من المستثمرين لأن العقوبات الأمريكية الآحادية، ولكن التزمت بها كثير جداً من الجهات التي تدير أعمالاً داخل الولايات المتحدة، بالتالي التزمت بها لكل البنوك، والحكومات والشركات، تذكرين أن البنك الفرنسي تم تغريمه (9) مليار، و (800) مليون دولار، لتعامله مع السودان، الآن كل تلك التحديات قد زالت تماماً، ولكن ذلك لا يعني قطعاً أن الاقتصاد السوداني سيتعافى، والشاهد على ذلك أن هناك كثير جداً من الدول تحتفظ بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعمها مالياً، أو عسكرياً، ولكن أيضاً تعاني من بعض الاختلالات الاقتصادية، وهذا الأمر ينطبق علينا، اعتقد أن ما يواجه الاقتصاد السوداني يحتاج لوقفة من جانبنا، وأيضاً هناك الكثير من الدول تعرَّضت لعقوبات، ولكنها استمرت، نعم، تأثرت، ولكن ليس بالقدر الذي وصلنا إليه نحن، نحن بحاجة لإعادة النظر في سياساتنا الكلية للاقتصاد السوداني، والكل يدرك أن هنالك مشكلة كبيرة تواجهنا وهي مشكلة العجز في الميزان التجاري، وهو الذي ينتج عنه الخلل الحالي، نصدِّر ما قيمته (3) مليارات، ونستورد (9) مليارات، وهو الذي خلق المشكلة الكبيرة في الاقتصاد، إذا لم يحدث تحرُّك داخلي لمواجهة هذا الخلل في الميزان التجاري ستستمر أزمة الاقتصاد السوداني.
*أنت كخبير اقتصادي.. في تقديرك متى سيظهر أثر رفع العقوبات الأمريكية عن السودان؟.
هناك آثار مباشرة تظهر في المدى القريب بدون شك، خاصة فيما ذهبت إليه من تحويلات مالية..الخ، وهنالك آثار تحتاج لوقت خاصة فيما يلي تشجيع الاستثمار الأجنبي، للدخول إلى السودان، الآثار التي تكون في المدى المتوسط البعيد وهي الأهم بالتأكيد، نحتاج لتغيير السياسات لتواكب مرحلة ما بعد رفع الحصار، علينا أن نراجع تلك السياسات والقوانين التي استنت لتواكب مرحلة الحصار، نحتاج لمرونة أكثر خاصة في قوانين الاستثمار، بالنسبة لنا نواجه مشكلة داخلية كم من الوقت يهدره المستثمر الأجنبي عندما يأتي إلى السودان ليتمكَّن من الفراغ من كل المعاملات الخاصة بإنشاء شركته أو مشروعه الاستثماري، وقت كبير يهدر وكثير جداً من المستثمرين هربوا، ونحن أينما نذهب نواجه دائماً بالشكاوى في هذا الموضوع من مجموعات ومن بعض الحكومات، ومشكلتنا الأكبر في البيروقراطية التي تعيق الاستثمارات الأجنبية في السودان، هذه المسألة لا نوليها اهتماماً، أعرف دولاً مجاورة تذهب أنت كمستثمر أجنبي خلال (48) ساعة، تنتهي من كل الإجراءات وتفتح حساباتك وتبدأ عملك، هنا (48) شهراً لا تكفي، وهذه معضلة كبيرة جداً.
*كيف يمكن معالجة عجز الميزان التجاري في ظل الأوضاع الراهنة؟.
لا نستطيع معالجة العجز في الميزان التجاري إلا بزيادة الإنتاج، إذا نظرنا للسودان وتاريخه الاقتصادي القريب نجد أنه كان يعتمد اعتماداً كبيراً جداً على القطاع التقليدي، من زراعة وغيرها، ولدينا بعض المشاريع الكبيرة مثل: مشروع الجزيرة وغيرها، وكان إسهامها لا يقل عن (60%) من الناتج القومي، ولكن المشكلة بعد اكتشاف البترول نحن أهملنا كل هذه القطاعات، وفجأة اكتشفنا أن (80%) من البترول ذهبت جنوباً بعد الانفصال، وخلقت الفجوة الحالية، والآن إذا رغبنا في معالجة هذا الأمر علينا أن ندعم القطاعات المنتجة في الزراعة والرعي، وحتى الصناعة التي تعتمد على الزراعة، وصناعاتنا جميعها تحويلية، وتبدأ هذه القطاعات بزيادة الإنتاج ويبدأ السودان بزيادة الصادرات حتى نستطيع أن نسد هذه الفجوة.
*في تقديرك هل من الممكن إعادة إحياء هذه المشاريع التي ماتت سريرياً للمساهمة في الدخل القومي أم أنها محض أحلام؟.
نحن لدينا الجزيرة المروية مساحات شاسعة جداً من الأراضي الصالحة للزراعة، ونحن دولة هل من الممكن أن نتفرَّج عليها لتصبح أرضاً بوراً؟، أم علينا أن نتحرَّك بأي كيفية للاستثمار في هذه المساحات لتكن منتجة، بأي كيفية سواء كان القطاع العام أو الخاص، أو يشترك فيها القطاعان العام والخاص، وعلينا أن نبدأ باستثمار هذه المساحات التي تتحدَّث عنها الدنيا كلها، هل من المنطق أن نتحدَّث بنهاية مشروع الجزيرة ونترك (2) مليون فدان، صالحة للزراعة، اختلف مع بعض الأخوة في قضية مشروع الجزيرة، الآن الدعم الذي يحظى به المزارع في الولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد في كافة الدول، مشروع الجزيرة لا تكمن قيمته في الربح المالي، بل لديه قيمة اجتماعية كبيرة جداً، وهذا هو الأهم، عندما نأتي لقياس مثل هذه المشاريع لا ننظر للقيمة المالية فقط ، بل للقيم الاجتماعية، كم من الأسر التي كانت تعتمد على مشروع الجزيرة، إذا قسنا القيمة الاجتماعية والقيمة المالية، نجد أن قيمته الاجتماعية أكبر من المالية، ينبغي ألا نترك هذه المساحات الشاسعة بدون استغلال، ويمكن مناقشة علاقات الإنتاج كيف تكون.
*في الآونة الأخيرة أصبحت سياسات البنك الزراعي تجاه صغار المزارعين غاية في السوء، نتج عنها إعسار وسجون؟.
إذا كان الأمر كذلك ليس من المصلحة أن تكون هنالك سياسات مالية ويكون هنالك إعسار، يجب مراجعة جملة سياسات البنك الزراعي، بما أتيح للبنك أن يقدِّم تمويل يمكن المزارع من سداد ما عليه من استحقاقات للبنك.
*الحركات المسلَّحة.. وقراءة لواقع دارفور الآن؟.
كنا نواجه مشكلة كبيرة في دارفور بعد الحرب، وهي قضية التفلتات الأمنية، نحن أول من نادى بضرورة نزع السلاح لإنهاء التفلتات وتمكين النازحين واللاجئين من العودة إلى مناطقهم وخلق بيئة يمكن أن نعيد دارفور إلى وضعها الطبيعي، والآن اعتقد أنه بدأت هذه المرحلة، كنت في دارفور قبل فترة قصيرة، وجدت أن كل أهل دارفور بلا استثناء يطالبون بجمع السلاح، ولكي ينجح يجب أن يكون شامل، وإلى الآن الناس تعمل وفقاً لهذا المبدأ، والخلاصة أن جمع السلاح سيخلق البيئة المواتية لتعود دارفور إلى سيرتها الأولى، بالنسبة للحركات المسلحة أصبح الواقع يشير إلى أن قضية الحرب التي كانت وسيلة  لتحقيق غايات، وبالفعل قضية دارفور وصلت وتم مناقشتها في محافل كثيرة جداً، ولكن التشققات التي حدثت في جدار الحركة المسلحة كان لها تأثير كبير جداً، والآن المجتمع الدولي مشغول بقضايا أخرى كثيرة، كـ(الربيع العربي، بورما، سوريا، اليمن، العراق)، إذاً قضية دارفور ظلت تتدحرج منذ العام 2003م، وحتى الآن، يجب أن يأخذ إخواننا في الحركات المسلحة أن أهل دارفور سئموا الحرب وأصبحت من الماضي، المخرج الوحيد الذي ظللنا ننادي به هو الحل السلمي.
*الآن أصبحت هنالك صورة ذهنية عن الحركات المسلَّحة وأنها مجرَّد مرتزقة لمجموعات في الجوار أو دول.. ما رأيك؟.
صحيح.. هذه هي الصورة الذهنية التي بدأت تنتشر عن الحركات المسلحة، وليست من المصلحة، لأنك أنت كحركة مسلحة وطارح قضايا معيَّنة ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الرأي العام ليس في دارفور فقط، بل في كل السودان، نعم صحيح قضية الدخول إلى ليبيا والحرب مع “حفتر” وربما مع الذين يقفون ضد “حفتر”، قضية جنوب السودان، كلها أدت إلى تناول القضية من هذا المنظور، أنا أنصح القيادات بأن هذه القضية كلما مر يوم ولم نستفد من الفرص التي تلوح لإحقاق السلام الكلي في دارفور، كلما فقدنا المصداقية، ليس من المنطق أن نحارب بلا جماهير.
*الامتداد “الحفتري” في دارفور؟.
لا وجود لـ”حفتر” في دارفور، يمكن أن يكون هناك دعم لبعض الجهات، وأيضاً هذا الدعم ليس لأجل مصلحة هذه الجهات وإنما لمصلحته  في ليبيا، وعلينا أن نفصل بين القضية الليبية والقضية الدارفورية، “حفتر” الآن لا يتحدَّث عن مصلحة دارفور، وربما تكون له مقاصد بإضعاف الحكومة السودانية.
*التدخل المصري في دارفور؟.
إلا إذا كان عبر دعمهم لـ”حفتر”، لكني لم أشهد تدخل مصري مباشر في دارفور.
*الحركات المسلحة هزمت عسكرياً وسياسياً، وبعدها تغيَّرت الخارطة السياسية في دارفور والتي خصمت كثيراً منها، هل تتوقع اتفاقيات سلام؟.
لماذا ننتظر لأن نهزم عسكرياً وسياسياً، وبالطبع ستكون لهم وجهة نظر أخرى في موضوع الهزيمة، اعتقد أن العمل السياسي فن الممكن، وأصبح لعبة توافق، أكثر منها لعبة قذرة، عليهم أن يحسنوا إدارة هذا التوافق عبر التواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي الذي ينشد الاستقرار في السودان، هنالك مبادرات إقليمية ودولية، هنالك منبر الدوحة المدعوم إقليمياً، ولجنة أمبيكي التي تعمل من أجل أن تجلس الحركات للتفاوض.
*كل الحركات التي وقعت اتفاقات سلام اختفت من الساحة السياسية بنهاية الاتفاقات المعنية، ما هو مصير حزب التحرير والعدالة القومي؟.
معظمها تحوَّلت من حركات إلى أحزاب، لا نتوقع أن هذا الكم الهائل من الحركات أن يكون لها دور فاعل وكبير، دائماً أقول لأبناء دارفور ليست هنالك اختلافات أيديولوجية بين هذه الحركات، ولكن الخلافات عبارة عن فيروس     ضرب الحركات المسلحة في دارفور ولها علاقة بمصالح شخصية، ومصالح القيادة، وليس في دارفور فقط، بل في كردفان، الشرق، والآن الحركة الشعبية قطاع الشمال، وعلينا أن نتجه لإحداث إصلاح سياسي كبير حتى نتمكَّن من إحقاق برنامج إصلاح الدولة، حزب التحرير والعدالة القومية، حزب موجود في البرلمان وسنستمر نحن كقوى سياسية في طرح برامجنا وآرائنا في كثير من القضايا الوطنية، وشاركنا في الحوار ووضعنا بصمتنا عليه.
*حاولت أن تجعل منه حزباً قومياً ولكنك فشلت؟.
العكس، عندما فرغنا من مؤتمرنا العام كانت الانتخابات على الأبواب وخضناها، النواب في المجلس الوطني ليسوا جميعهم من دارفور، كوَّنا مكاتب في (16) ولاية، وتبقت لنا ولايتان، أرجأنا الأمر لظروف خاصة بتلك الولايات، مشاركتنا الآن في السلطة مشاركة لمجموعة من دارفور وخارج دارفور، القومية بالبرامج والتوجه.
*اختيارك لبعض الأسماء والدفع بها صوب الشراكة في الجهاز التنفيذي .. كانت محل رفض وتذمُّر من بعض عضوية الحزب، وأعني اختيارك لـ”آسيا محمد عبدالله” وزيراً للتربية والتعليم؟.
لم ألحظ ذلك، “آسيا” مديرة مدرسة، ومسؤولة ملف الجامعات في السلطة الإقليمية لدارفور، وعضو المكتب السياسي للحزب، ورئيس القطاع السياسي، ما الذي يمنع أن تكون وزيرة.
*ماذا يعمل د. “تجاني” حالياً؟.
أعمل في البرلمان، أشارك بفعالية كبيرة، 3 أيام في البرلمان ممارسة للحياة البرلمانية، واشتغل في عمل خاص.
*وجودك في البرلمان كافٍ كعطاء منك في الساحة السياسية؟.
“لازم الواحد يكون في الجهاز التنفيذي يعني”، هذا خطأ كبير جداً يعتقده الناس، الهم الوطني كلنا شركاء فيه، وليس بالضرورة أن نكون تنفيذيين.
*لماذا رفضت المنصب الذي عُرِض عليك في حكومة الوفاق الوطني؟.
دفعنا بمرشحين غيري، كما أننا أحرار في اختيار من سيمثلنا في الحكومة.
*ما صحة ما شاع عن نيتك الترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2020م؟.
غير صحيح، لم أسمع بها إلا عندما قام صحفي بنشر هذا الأمر من باب الوقيعة قبل فترة، ولكن قرار الترشح لانتخابات 2020م، لا يتخذ قبل عامين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية