رأي

بعد ومسافة

 (دنقلا) الشباب
مصطفى أبو العزائم

مدينة ليست تلك المدن، كافة تعدّ إحدى أهم مراكز بلاد النوبة، وتعدّ من أقدم مدن السودان، وقد كانت وستظل جوهرة نفيسة وثمينة لأنها تتوسط منطقة هي الأغنى بالآثار في بلادنا، لكن الأغلى من آثارها تلك إنسانها الحي الخلوق المؤدب الذي يحمل كل الصفات الإيجابية المطلوبة، والمسنودة بالقيم العظيمة والموروث الأخلاقي الحميد في بلادنا.
عدت من (دنقلا) ظهر أمس بعد أن قضيت فيها أقل من أربع وعشرين ساعة، وقد توجهت إليها ضمن وفد الصندوق القومي لرعاية الطلاب الذي قاده الأمين العام للصندوق البروفيسور “محمد عبد الله النقرابي”، وضم قيادات الصندوق إلى جانب صديقنا الودود الدكتور “حسب الرسول أحمد الطيب بدر” وزير الدولة بوزارة الثقافة وآخرين من وزارات ومؤسسات شتى ليشهد الجميع ختام المرحلة الثانية للمسرح الطلابي السابع (القصة القصيرة والتألق المسرحي) الذي يرعاه الأمين العام للصندوق في إطار البرنامج الختامي لفعاليات المسابقة القومية لجائزة رئاسة الجمهورية للإبداع الطلابي الثالثة عشر في المسار الأول، وقد شرف الحفل الباشمهندس “علي عوض محمد موسى” والي الولاية الشمالية من داخل مسرح مهيرة الذي امتلأ عن آخره أمسية ذلك اليوم (الاثنين) الثلاثين من أكتوبر والطلاب والطالبات يقدمون نماذج من أعمالهم الفائزة التي نالت الإعجاب والتقدير بالفعل، وكذلك مشاركة شاعرنا الكبير الأستاذ “التجاني حاج موسى” في تلك الليلة البهيجة بنماذج من أعماله الشعرية، مثلما نال الإعجاب أيضاً وجود النجمين الكبيرين الدكتور “فيصل أحمد سعد” (كبسور) والأستاذ “مصطفى أحمد الخليفة” في لجان تلك المسابقة، فأخذ النجوم يصولون ويجولون محاطين بالشباب الذين كانوا يتسابقون في التقاط الصور التذكارية معهم.
أكتب “دنقلا الشباب” لأنها كانت ليلة الشباب بالفعل والقول، وكأنها بدلت اسمها القديم “دنقلا العجوز” الذي حملته منذ العصور الوسطى، ومنذ أن كانت عاصمة المقرة النوبية والتي يوجد بها مسجد من أقدم المساجد في أفريقيا، وأحسب أنه الأقدم في السودان، ويقصد بها المنطقة التي تضم الآثار القديمة لعاصمة مملكة المقرة المسيحية.. وقد كانت بحق مدينة الشباب، وحدثت بها تحولات كبيرة ملحوظة من حيث الطرق والمباني والمشروعات الزراعية المحيطة بها، وتنامت فيها مؤسسات التعليم العام والعالي، وتشهد في الرابع من نوفمبر 2017م افتتاح كلية عز الدين السيد للسياحة والفنادق، واستقبال الدفعة الأولى من طلابها في جامعة دنقلا.
والي الولاية الباشمهندس “علي عوض” مهموم بأمر تنمية الإنسان والشباب، فيبدو ذلك على سحنة المدينة ووجهها الطلق والابتسامة التي لا تكاد تفارق أهلها، وكنت قد التقيت بالوالي داخل مسجد المطار قبيل تحركنا إلى دنقلا، وكان ضمن ركاب طائرتنا الفوكرز (50) التابعة لطيران الدندر، وبدا لي هادئ السمت مطمئن البال كأنما أخذ من أهل المدينة والمنطقة والولاية صفتهم المميزة.
“دنقلا الشباب” لأن جاري علي مقعد الطائرة كان هو أمين الشباب بالمؤتمر الوطني الأستاذ “عصام محمد عبد الله” وقد فتحت معه أبواب حديث كثيرة، وتحاورنا حول كثير من القضايا طوال زمن الرحلة، وبعد الوصول، فوجدته متفهماً ومنفتحاً على الآخر من كل طيف أو لون أو انتماء سياسي، وقلت له ضمن ما قلت إن أنظمة الحكم الذكية هي التي تجعل الشباب يحكمون وأن يكونوا هم قادة الدولة ومخططو السياسات من خلال الاستماع إليهم والعمل على تنفيذ ما يرون أنه واجب، وهذا هو ما يجعل الشباب يلتفون حول القضايا العامة والوطنية المطروحة على الساحة.. ولم يكن الأمين السياسي للشباب ببعيد عما نقول وهو الأستاذ “النيل الفاضل” الذي يقوم بمهمة أخرى هي إدارته للمكتب التنفيذي للصندوق القومي لرعاية الطلاب.
نطمئن كثيراً عندما نرى شبابنا بخير، ونطمئن عندما نرى هذا التوسع الهائل في مؤسسات التعليم العام والعالي، ونطمئن أكثر لزيادة الوعي بين أبنائنا وبناتنا، لأن الوعي هو الذي يحميهم ويحصنهم من عاديات الزمن ومن مصائب الاستهداف بالمخدرات والتطرف أو الإلحاد.. ونطمئن أكثر عندما نرى ونسمع ونلمس برامج الدولة توجه نحو هذه الفئة التي تشكل أكثر من ستين بالمائة من نسبة السكان.. نحن دولة شابة.. افتحوا لهم الأبواب.. و.. دعوا الأزهار تنمو.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية