رأي

بعد ومسافة

البراءة بعد تنفيذ حكم الإعدام!
مصطفى أبو العزائم

سألني صديق عزيز متابع للشأن السياسي ومهتم بأمر تاريخ الحكم في بلادنا، وقال بصراحة وجرأة وحزن إننا في السودان ندين أنظمة الحكم دون دراية بأصول المحاكمة السياسية، ودون معرفة بتفاصيل ما ورد في كتاب الحاكم من خلال فصول الإنجازات والإخفاقات والأسباب التي تقود لكل تلك النتائج، وإننا ننقاد بسرعة كبيرة لمن يخرج إلى الشارع هاتفاً بسقوط زيد أو عبيد، ويحركنا العقل الجمعي إلى أن يقع النظام وتقع الواقعة مثلما حدث بالنسبة لنظام حكم الرئيسين الراحلين الفريق “إبراهيم عبود” والمشير “جعفر محمد نميري” – رحمهما الله – ليتباكى ذات الذين تظاهروا ضد الأنظمة على نتائج هذه الثورات غير الراشدة.
وكان صديقي حانقاً ومستشهداً بما نشرناه هنا بالأمس، على ذات المساحة حول فترة حكم الرئيس “عبود” الذكرى الثالثة والخمسين لثورة أكتوبر 1964م، مع عرض لسجل الإنجازات الضخمة لنظام الفريق “عبود” وصحبه الكرام – رحمهم الله جميعاً – خلال ست سنوات إلا قليلاً هي فترة حكمهم، وقال الرجل إننا بحاجة إلى نشر الوعي السياسي وتكثيفه خاصة في مراحل التعليم العام، مثلما يحدث في كثير من بلاد الدنيا المتقدمة.. وقال الرجل إننا نحاكم النظام وندينه ونعدمه دون أن نعطيه فرصة الدفاع المنطقي عن الاتهامات الموجهة ضده، وهي في أغلبها اتهامات سياسية يطلقها خصوم نظام الحكم، ويستثيرون العواطف، ويدغدغون المشاعر الطيبة ويلهبون بها حماسة الشباب والطلاب لتخرج المظاهرات وتهز الهتافات كل أرجاء الوطن حتى يسقط النظام ويصبح حكم الإعدام نافذاً بإعلان حكومة الفترة الانتقالية التي تنقلنا إلى مرحلة جديدة تعود فيها ذات الوجوه القديمة بذات الأخطاء لإعادة إنتاج الأزمة.
وخلال يوم أمس ذاته، تلقيت محادثة هاتفية من الأخ الكريم سعادة اللواء الركن (م) “محمد زين الصديق عبد القادر بلول” أنبأني خلالها بصدور كتاب جديد له عنوانه (نميري.. مواقف ومواقف.. أمانته، تواضعه، مواقفه الإنسانية)، وكان قريباً جداً من مكتبي في وسط الخرطوم، ليشرفني بعد ذلك بزيارة كريمة منه قدم لي خلالها هدية قيمة هي نسخة الكتاب الصادر لتوه والمطبوع في ورق فاخر بأندونيسيا، وقال إنه يعرض الآن في صالة وزارة الثقافة بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب الذي أفتتح مؤخراً ويستمر حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
سعدتُ بالكتاب القيم وبكاتبه، وتصفحت الكتاب الجديد – كالعادة – وأنا أعلم أنه لا توجد أي علاقة قرابة أو صداقة بين الكاتب والرئيس الراحل “جعفر نميري”، ولا يربط بين الرجلين سوى الانتماء للقوات المسلحة السودانية، وقد سعدتُ لأن سعادة اللواء “محمد زين صديق” كتب لي إهداءً خاصاً قال في بعض سطوره إن كتابه ذاك يحكي مواقف الرجل العظيم، وقد ظل يعمل في تحقيقه وإنجازه وصياغته أربع سنوات كاملة، التقى خلالها بأقرب الأقربين للرئيس “نميري” من ذوي قرباه ومن الذين عملوا معه وآخرين كثر.
وجدتُ أن الذي قدم للكتاب هو أستاذنا وأستاذ الأجيال الكبير البروفيسور “علي محمد شمو” الخبير الإعلامي المعروف، وأحد الذين عرفوا الرئيس “نميري” – رحمه الله – وعملوا معه، وقرأت في الشكر والتقدير الخاص بالمؤلف أنه موجه لعدد من الرموز من بينهم اللواء “عوض أحمد خليفة” دفعة الرئيس “نميري”، واللواء “عمر محقر” مدير مكتب الرئيس الأسبق وأركان حربه عندما كان “النميري” يحمل رتبة العقيد في حامية توريت، إضافة للواء “إسماعيل البيلي” واللواء “محمد الحسن الفاضل” حرس الرئيس الخاص على مدى عشر سنوات، وهو رجل يحمل من اسمه الكثير، وقد عرفته شخصياً عن قرب، إضافة إلى آخرين كثر.
عدتُ إلى حديث صديقنا الحانق الغاضب وتساءلت مثله: هل نحن بالفعل نصدر حكم البراءة على حكامنا بعد أن نقضي بإعدامهم سياسياً، فنصبح على ما فعلنا نادمين؟.. أعتقد ذلك.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية