هل تصفية الحركة الإسلامية في الطريق؟
بقلم – عادل عبده
الكاتب الفرنسي الشهير “اندريه موروا” لديه حكمة عميقة مفادها (غير المتوقع يحدث دائماً) فالحكمة الواضحة من هذه المقولة الذكية أنه لا توجد حالة سرمدية في مناقب الطبيعة وحكم التاريخ والقاموس السياسي والجدول مهما كان دقيقاً ومنتظماً سوف ينكسر على وتيرة العواصف الشديدة ورياح التغيير العاتية والمؤسسات السياسية والرمزية، مهما ارتكزت على القدسية ولوازم الفخامة فإنها يمكن أن تنهار على أوتادها من علٍ، حيث إن الشواهد تؤكد بأن المتغيرات العادية والركائز المنطقية مرتبطة بدفقات الطموحات البشرية وفرضيات المصالح والمكاسب والنظرة البراغماتية والرهان على البديل الآخر.
مجالس السودانيين تتهامس الآن في استغراب شديد على معلومات متناثرة تعلو وتهبط وتيرتها، حيث تتحدث عن إمكانية قيام خطوة مفصلية تصم الأذان، تؤطر إلى تصفية الحركة الإسلامية من خلال برنامج مطبوخ على نار هادئة في سياق استبصار مرحلة سياسية مشرئبة على برنامج الإنقاذ لعام 2020م.
الخطوة ثقيلة وعاتية ولها فاتورة باهظة فضلاً عن أن مبررات قيامها تحاصر دهاقنة السُلطة من أجل تطبيقها على الواقع في إطار التماهي مع محفزات التغيير المنشود على ماكينة الحكم الذي لا ينظر بعين الرضا على الحركة الإسلامية.. مشروع الإنقاذ في هذا العصر الحاضر لا يريد أن يتعامل مع الحركة الإسلامية كحارس لأيديولوجية النظام، فالحركة الإسلامية لم تعد الآن تمثل المرجعية والروحية والمنهجية للسُلطة كما كانت في أيام الإنقاذ الأولى، فقط تجاوزتها الأحداث الكثيفة والمتغيرات الواقعية وطموحات القيادة، فالشاهد أن أهل التدابير قد ظهروا وهم ينخرطون في التعامل مع الصيغة الخليجية والغربية المبنية على انفتاح والمرونة ومحاربة الأصولية الإخوانية، مما يعني أن السُلطة الحاكمة تريد إيجاد الحبل الذي يمثل جسر الثقة ومع هذا الواقع الجديد الذي وضع الحركة الإسلامية في خانة التشفيف والتهميش والاختبارات الصعبة.
السؤال المركزي الذي يفرض نفسه.. هل تصفية الحركة الإسلامية ستكون في الطريق؟ الإجابة تكمن في أن الحركة الإسلامية لم تعد تحمل البريق اللامع والهالة الضخمة التي كانت موجودة في كنانتها، بل صارت تركض كثيراً كي ما تصل إلى ما مواقعها القديمة.. ويمكننا أن نتساءل ما هو دور الأمين العام للحركة الأستاذ “الزبير محمد الحسن” في الساحة وما هو تأثيره على ماكينة الحكم؟ بل لماذا استخدم الأستاذ “مهدي إبراهيم” رئيس شورى الحركة الإسلامية سلاح الاستقالة حتى يتوارى عن الأنظار وفي داخله الكثير من الآهات والآلام؟ فالإنقاذ القديمة وجدت نفسها في حاجة إلى الانطلاق على رحاب وشفافية ومعايير الليبرالية في حين تركت الحركة الإسلامية تعيش في محطة ثقل الجسد الأيدولوجي الذي يحتاج للخلاص من منهج وأفكار الأيام الخوالي، حيث إن السُلطة صارت مجبرة على مخاطبة الحركة الإسلامية بصورة مغايرة تتماشى مع عصر التجاوب مع رغبات التعايش مع موجة التغيير في العقلية السياسية الإنقاذية التي بدأت تستصحب قرارات رفع العقوبات الأمريكية عن البلاد والتطلع إلى التعاون الوثيق مع الغرب والخليج والقوة السياسية الداخلية بروح مواكبة وجديدة تتداخل فيها الإحساس بالمناخ المجافي للانغلاق والمنهج الغليظ.
يمكن القول إن الإنقاذ على مشارف الإصلاح والتحديث على بطارية سلطتها وسمكرة أيدولوجيتها قد تولد من ذلك وضع الحركة الإسلامية من ضحاياها فالتوازن الصحيح والتطلعات القيادية للسلطة خلقت اللحظة المواتية التي ساعدت على تدجين الحركة الإسلامية كتنظيم لا يقابل تحديات ومتطلبات المرحلة الحالية.
ومهما يكن فإن محاولة تصفية الحركة الإسلامية من الساحة ونعي وجودها يحتاج إلى الحسابات الدقيقة والقراءة المتأنية التي لا تسمح بضعضعة هذا الجسم الذي كان له وزنه وهالته في فترة الإنقاذ الزاهية، غير أن ذلك يقابله إحساس كبير وعزيمة صلبة من بعض البراغماتيين الإسلاميين الذين يريدون إبراز تذكرة الوداع للحركة الإسلامية.