في ندوة بعنوان (الآثار المترتبة على رفع العقوبات الأمريكية)
“غازي”: الحوار الأخير بين “واشنطن” و”الخرطوم” وضع البلدين في مسار حتمي وقهري
“غندور”: سنستأنف الحوار مع “واشنطن” في (نوفمبر) ولم نتفق على إبعاد هذا أو ذاك..
“عبد الرحيم حمدي” ينتقد “الركابي” حول تحصين السوق المالية عبر فرض الضرائب
رصد- ميعاد مبارك
وسط حضور إعلامي وسياسي كبير، جلس كل من وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” ووزير الصحة ولاية الخرطوم، دكتور “مأمون حميدة” ووزير المالية الأسبق “عبد الرحيم حمدي” أمس (السبت)، على منصة مركز الشهيد “الزبير” للمؤتمرات، مقدمين ندوة بعنوان (الآثار المترتبة على رفع العقوبات الأمريكية)، عقّب على الحديث كل من رئيس حزب الإصلاح الآن دكتور “غازي صلاح الدين” وسفير السودان السابق في واشنطن، دكتور “خضر هارون” والقيادي في حزب الأمة القومي دكتور “إبراهيم الأمين” والعميد السابق لجامعة الخرطوم بروفيسور “عبد الله أحمد عبد الله”.
وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” أكد في حديثه أن الحوار مع واشنطن، دعمته السعودية وتابعه ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، ودعمته كل من الإمارات وسلطنة عمان والكويت وأثيوبيا وروسيا والصين و”ثامبو أمبيكي” ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي.
وأضاف “غندور”: (في سبتمبر قبل الماضي الخارجية البريطانية والنرويجية التقتا بالخارجية الأمريكية وبعدها التقيت بهما، وكانت تلك بداية الحوار الأساسي لرفع العقوبات والذي استمر لستة عشر شهراً، مستنداً بتيم فني كامل والذي ساهم في الانفتاح على العالم)، وأضاف “غندور” (وجود العقوبات عطل انطلاقة السودان).
وقال الوزير (إن بعض المعارضين طالبوا باستمرار العقوبات الأمريكية على السودان، وبعد رفع العقوبات يحاولون العمل على عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب).
وزاد (رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان أهم من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأنها تؤثر على المواطن).
وأوضح “غندور” أن الحكومة تعمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو أولوية للسودان الآن، لأن البلاد بسببه محرومة من استيراد السلاح والمواد مزدوجة الاستخدام مثل القروض التنموية وإسبيرات الطائرات.
ونفى أن يكون قد بدأ في الفترة الحالية أي حوار مع واشنطن، وأنه سيبدأ في نوفمبر، وأكد أن أمريكا لها دور فاعل فيما يلي الديون، مشيراً إلى أن الحوار الوطني لعب دوراً كبيراً في رفع العقوبات، وطالب “غندور” بتمتين الوحدة الداخلية وإتمام السلام، لأن السلام يؤثر على ملف العقوبات، وقال إن منظمة “كفاية” تحولت للعمل في الكنغو لأنها فشلت في السودان.
ورد “غندور” على تساؤل حول مطالبة واشنطن بإقصاء الإخوان المسلمين من الحكومة قائلاً: (الإخوان جزء من أكثر من 26 حزباً ولهم نسبة ضئيلة جداً في الحكومة).
وواصل “غندور” في سرد تاريخ العقوبات (أول عقوبات فرضت على السودان كانت في فترة تولي محمد أحمد المحجوب وزارة الخارجية إثر خلاف بينه وبين نظيره الأمريكي وقتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأورد المحجوب ذلك في كتابه العدالة في الميزان).
وأضاف الآن هنالك سيولة في علاقات السودان الخارجية، والمتغيرات الدولية والمتغيرات الإقليمية تؤكد أن السودان يستحق لقب الدولة الأكثر استقراراً وأمناً في المنطقة، والفضل في ذلك يرجع للأمن القومي والقوة الناعمة التي يمتلكها السودان والتي لها تأثير قوي في تغيير النظرة للسودان.
وأشار الوزير إلى تحالفات السودان مع السعودية والإمارات، وأكمل (النظام الدولي ليس متعلقاً بأقطاب محددة أو تسميات محددة، فهو متغير، ومكامن القوة ولا أتحدث عن وسائل الضغط، أفضلها موقع السودان الجغرافي وقوة الدولة)، مشيراً إلى أهمية تمكين الوحدة الوطنية وتمكين السلام من أجل قوة أكبر.
وأكد وزير الخارجية أنه ليس هنالك أي بند تتحاور فيه الخرطوم وواشنطن خارج المسارات الخمسة، نافياً ما يثار حول اتفاق الطرفين على بنود سرية قائلاً (لم نتفق مع أمريكا على إبعاد هذا أو بناء علاقة مع ذاك).
مؤكداً أن الحوار حول مسارات خمسة أضيف لها فيما بعد الحريات الدينية وكوريا الشمالية.
وفيما يلي رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قال “غندور” (قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من الناحية الظاهرية، تبدو أسهل من رفع العقوبات).
مشيراً إلى أن نموذج السودان يقع بين نموذج كوبا وإيران ونموذج ليبيا، وأضاف (نحن بين هذا وذاك).
والنموذج الطبيعي فيما يلي رفع اسم بلد ما من قائمة الدول الراعية للإرهاب أن يكتب الرئيس للكونغرس، وإذا وافق الكونغرس عبر التصويت ترفع خلال (45) يوماً، وفي حال لم يوافق ترسل للمجلسين للبت في الأمر، وإذا رفضوا تكون هنالك مشكلة كبيرة، لذلك الأمر يحتاج لصبر.
وأكمل هنالك قضايا مرفوعة من مواطنين سودانيين تحاول تعطيل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي العام 2001 رأيت رسالة من الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” يخاطب الكونغرس فيها لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووضعت الإدارة الأمريكية وقتها (7) مطالب، منها مطلبان لا يمكن للدولة القبول بهما، القضية بها بعض التعقيدات.
وقال “غندور”(لازم الناس تصبر وتبطل الشفقة الشديدة).
}”حمدي” ينتقد سياسات وزارة المالية
أشار “عبد الرحيم حمدي” وزير المالية الأسبق، إلى قرار الخرطوم التوجه نحو الشرق بعد فرض العقوبات الأمريكية ووصفه بالقرار السياسي الهائل، وأكمل (أصلحنا تعاملاتنا مع الصناديق العربية).
وأضاف “حمدي” (كانت هنالك خطة أمريكية واضحة لتمزيق السودان من أطرافه، وفتحوا عليه جبهة شرقية هي الأقوى من نوعها بعد الجبهة التي فتحت على ادولف هتلر وقضت عليه، والسودان في فترة الحصار استطاع أن يتحصل على 30 مليار دولار من الصناديق العربية معظمها استثمار، في وقت كانت ديون السودان قبل الحصار الأمريكي 15 مليار دولار وصلت الآن لـ 50 مليار دولار بسبب الفوائد، وبالتالي تحصلنا على أموال أكثر بتوجهنا نحو الشرق)، وأكمل “عبد الرحيم” (وأذكر ما قاله لي محافظ بنك السودان السابق “صابر” إن “عبد اللطيف حمد” استطاع أن يشطب ديون السودان في الصناديق العربية في ساعتين).
وأكد الوزير الأسبق أنه ليس هنالك سلام كامل ولا استقرار كامل ولا وجود لشيء كامل إلا القرآن الكريم، وتحدث عن السياسة الاقتصادية أيام توليه الوزارة قائلاً (في تلك الفترة بنينا السودان وهنالك من أسمى ما فعلناه استهلاكاً، وفي فترة اتجاهنا شرقاً الاقتصاد السوداني ظل يتقدم بضعف التقدم في أفريقيا والعالم العربي، ما عدا فترة التضخم، حيث كانت تخنق السودان).
وأوضح “عبد الرحيم” أن قطاع الإنتاج هو الذي تضرر كثيراً من ارتفاع الدولار والسياسات المالية.
وانتقد “حمدي” حديث ووزير المالية الفريق “الركابي” حول تحصين السوق المالية عبر فرض الضرائب، وأن هذا الأمر غير منطقي ولا يمكن أن ينجح.
} الشركات
وأوضح “عبد الرحيم حمدي” أن فترة الحصار شهدت ارتفاع عدد الشركات المسجلة من (5) آلاف إلى (50) ألفاً، وزيادة قطاع الأعمال الذي يمثل الاقتصاد السوداني.
وفيما يلي الاستثمار قال “حمدي” (تم فتح الباب للمستثمرين سنة 90 لكن لم يأتوا، وفي العام 2001 عندما بدأ ضخ البترول بدأ المستثمرون في الدخول للسودان، لأنهم يحتاجون لحركة المال الحر، القطاع المالي نتيجة الانفتاح بعد سياسة التحرير والتضخم المحسوب، نحن وصلنا قصداً لنسبة تضخم (130%) ونزلنا لـ(9%)، أدرنا الاقتصاد وقتها بصورة جيدة ولكن سياسة التسيير الكمي حطمت السياسة المالية، وبدلاً من تحريك الاقتصاد خنقت الاقتصاد وأدت إلى الركود التضخمي وساهمت فيما بعد في ارتفاع الأسعار خاصة في ظل انفصال الجنوب.
وأكمل الوزير الأسبق (السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف نعمل من أجل المستقبل، واعتقد أن ذلك لن يكون إلا بترتيب الأولويات بصرامة والحكومة ما عارفة تعمل حاجة فيما يلي زيادة الأسعار والمواطن لا يستطيع الاحتمال، وإذا أردنا المستقبل علينا التخلي عن سياسة الانكماش المالي الخاطئة والمطلوب الانفتاح المالي والإنفاق حتى تحدث حركة مالية).
}”حميدة”: القطاع الصحي لم يتأثر كثيراً بالعقوبات
وزير الصحة ولاية الخرطوم، دكتور “مأمون حميدة” قال في حديثه بالندوة التي نظمتها “كرام الصحفيين الثقافية”، (يجب أن نقر بأن العقوبات الاقتصادية الأمريكية كانت خانقة ولها آثار مباشرة وغير مباشرة على قطاع الصحة والتعليم، مشيراً إلى أن العقوبات الأمريكية أثرت على السودان في علاقاته مع دول أوربا أكثر منها مع أمريكا نفسها، خاصة في مجال استيراد الأجهزة الطبية، حيث إن الشركات الأوربية خوفاً من موقف الولايات المتحدة، قاطعت السودان أيضاً في وقت لم نكن نحتاج من أمريكا سوى جهازين)، مشيراً إلى توجهنا نحو الشرق، وأكمل “حميدة” (الضرر الوحيد أننا كنا نحصل على أجهزة أقل جودة بنفس السعر، وبعض شركات الأدوية المنقذة للحياة توقفت عن التعامل مع السودان خوفاً على شراكاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن شركات الدواء التي لا تبيع للولايات المتحدة لا تستطيع أن ترجع تكلفة الدواء، وبذا حرمت السوق السودانية من المنافسة الحقيقية.
وفيما يلي التعليم توقف التعاون بين الجامعات السودانية والأمريكية والأوربية إلى حد ما وبرامج المنح).
وأكد “حميدة” أن آثار العقوبات الأمريكية على القطاع الصحي ليست كبيرة، مشيراً إلى الأدوية التي يتم التبرع بها من الدول المانحة والتي لم تستطع واشنطن منعها، فضلاً عن ضمان مركز كارتر لبعض الأدوية الأمريكية.
وأضاف “مأمون” (لأن أوربا خافت من الولايات المتحدة الأمريكية الأدوية كانت تأتي على استحياء)، مؤكداً أن الدعم التنموي هو الذي تأثر حقاً، حيث كان كبيراً على حد قوله، ولكنه جف تماماً في السنتين الأخيرتين.
وأضاف “حميدة” (المقاطعة الأمريكية أثرت نفسياً بشكل أكبر على القطاع الصحي)، منوهاً إلى أن قطاع التعليم تأثر بشكل أكبر من الصحة وتأثرت صيانة الأجهزة الطبية بسبب مشاكل التحويلات المالية، وأكمل الوزير(عموماً في الجانب الصحي عانينا من المقاطعة الأوربية أكثر من الأمريكية، وفي التعليم توقف دعم الجامعات وتأثر البحث العلمي والتعاون مع الجامعات الأمريكية والأوربية بشكل شبه كامل).
}”غازي”: الوصول لحل أصبح حتمياً وقهرياً
– رئيس حزب الإصلاح الآن د.”غازي صلاح الدين” افتتح حديثه في الندوة قائلاً (العلاقات بين الشعوب مهما زعمت أنها أخلاقية، هي غير أخلاقية، والعقوبات الأمريكية كانت في جزء كبير منها، الغرض منها التشفي، ولم تتأثر منها الطبقة الحاكمة، بل تأثر المواطن والشباب في الجامعات الذين لا يستطيعون تحميل برنامج من الانترنت بسبب العقوبات).
وأكمل “غازي” (لقد أدركنا أن الحديث العاطفي لا يجدي في الحوار مع واشنطن).
وأكمل رئيس حزب الإصلاح الآن (كنت متشائماً من الحوار مع واشنطن)، ووصف شكل الحوار بين الخرطوم وواشنطن في السابق قائلاً (كان حواراً بين طرفين أحدهما لا يأبه والثاني كأنه لا يتذكر).
وأكد رئيس حزب الإصلاح الآن أن الحوار لم يستجد بين الطرفين إلا بسبب ظروف عالمية والتحولات التي حدثت بين روسيا وأمريكا، لافتاً إلى أن الحوار مربوط بالإرادة الأمريكية أكثر من الإرادة السودانية، ووصف الحوار قبل وضع أجندة بين البلدين بالحوار (الشختك بختك)، واستشهد بقول رئيس المكسيك السابق أيام حصار واشنطن لها (مسكينة المكسيك كم هي بعيدة من الله وكم هي قريبة من أمريكا)!
وأضاف “غازي” (التفاؤل مطلوب)، مشيراً إلى أن ما وصل إليه السودان الآن مكسب نوعي وأن الحوار الأخير وضع البلدين في مسار حتمي وقهري إلى أن يأتي يوم ويتحقق الاتفاق، والحقيقة أن الحوار لم يكن يمضي نحو تلك الغايات، مشيراً إلى أن التحدي القادم أكبر، وأكمل د.”غازي” (التحولات العالمية وتعدد الأقطاب يفرض على أمريكا الاستمرار في الحوار مع السودان، والمشكلة التي تواجهنا الآن هي أننا لا نملك أدوات ضغط كثيرة).
}تجربة “حمدي”
وأشار رئيس حزب الإصلاح الآن إلى أن تجربة وزير المالية الأسبق “عبد الرحيم حمدي” كانت تحاكم في غيابه، مشيراً إلى أنها استطاعت أن تبقي السودان فوق سطح الماء بغض النظر عن كونها كانت أخلاقية أم لا.
وأضاف ولكن “حمدي” يريد أن تكرر تلك السياسة بعد تلك السنين، مؤكداً أن ذلك الوقت كان مختلفاً وتكرار التجربة شبه مستحيل.
وقال “غازي” إن قوة السودان تكمن في قوته الناعمة ومعرفته لحلفائه.
وأضاف (الأجهزة في يد الحكومة تستطيع الإصلاح خاصة وأن المعارضة ليست في يدها أي أجهزة).
واختتم حديثه مؤكداً أن الحل الأمثل هو جمع الإرادة الوطنية من أجل وحدة الصف.
}صدمة
د.”إبراهيم الأمين” القيادي في حزب الأمة القومي قال (لقد صدمت من هذه الندوة، كنت أعتقد أنها ستتحدث عن سودان المستقبل، ولكن جل الحديث كان للدفاع عن سياسات الإنقاذ).
في وقت طالب سفير السودان السابق في واشنطن د.”خضر هارون” بأن تكون وزارة الخارجية مشرفة على العمل الفني مع واشنطن، لأنها أدرى بالتقاطعات السياسية التي أخرت رفع العقوبات.
أما المدير السابق لجامعة الخرطوم، بروفيسور “عبد الله أحمد عبد الله” أشار إلى أهمية الزراعة في تنمية السودان وفاعلية التعاون مع أمريكا في هذا المجال، وكشف عن اجتماع بين مؤسسات في التعليم العالي الأمريكي والسوداني ستتم اليوم في الخرطوم، للتنسيق من
أجل استمرار التعاون في هذا المجال.