تقارير

هل بات الرئيس على قناعة بتغيير الحكومة وتبديل وجوهها

“أحمد بلال” و”نهار” و”مسار” أصبحوا قدامى الوزراء في حكومة الشراكة
لماذا ينسب بعض الكُتاب الإسلاميين رفع الحصار للدور الإسرائيلي؟
حديث السبت
يوسف عبد المنان

من وقت لآخر تصدر تسريبات عن تعديلات مرتقبة من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات تحت ذرائع شتى وأسباب عديدة.. ويسارع قادة الحكم لنفي مثل هذه الأخبار مع أن التغيير والتجديد والإعفاء والتعيين من سنن الحياة وسط الكائنات الحية والجمود للموتى، وفي الأسبوع الماضي انتقلت أخبار التعديلات من الصحافة الداخلية للخارجية.. وزعمت صحيفة البيان الإماراتية أن التعديلات المرتقبة في مواقع تنفيذية وسياسية اقتضتها التغييرات الكبيرة والهائلة التي تشهدها الساحة بعد رفع العقوبات الأمريكية.. وتقارير الصحافة التي تصدر في الخارج لا تأتي إلا بما يتسرَّب إليها عمداً من جهات في الداخل لها مصلحة في تغيير القديم أو تعيين الجديد.. وقد سارع رئيس القطاع السياسي الوزير “جمال محمود” لنفي صحة الخبر المنسوب لمصادر عليمة الإطلاع.. وحينما ذكر اسم المهندس “إبراهيم محمود حامد” ضمن القيادات التي يطالها التغيير تكشفت للمراقبين نوايا المسرِّبين وأهدافهم المعلنة في إقصاء نائب رئيس الحزب بغض النظر عن أدائه وتقييم دورته التنظيمية بانعقاد المؤتمر العام للحزب.. ولكن بعيداً عن نوايا مراكز القوى السابقة التي تشهر سيوفاً عديدة للحرب على “إبراهيم محمود” وهي تستكثر على الأطراف القصية قيادة حزب قومي كبير مثل المؤتمر الوطني.. إلا أن الرئيس البشير” في خطابه أمام البرلمان الشهر الجاري وضع أصابعه على مواضع إخفاقات كبيرة للجهاز التنفيذي.. وحكومة الوفاق الوطني الحالية.. والرئيس الذي أحال كل سلطاته وصلاحياته لمجلس الوزراء أضطر في خطابه الأخير للإعلان عن قيام مجالس للاقتصاد والإعلام والسلام والعلاقات الخارجية لسد الثغرات التي ظهرت في الأداء.. خلال الفترة الماضية.. وعودة الرئيس للإشراف المباشر على أداء هذه القطاعات بمثابة شهادة لنغيِّر القطاع الاقتصادي والإعلامي والخارجي.. وقد أثنى الرئيس على أداء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة.. ما يرجح احتفاظ قادة هذه الأجهزة بمواقعهم في الفترة القادمة، ولكن الأداء الاقتصادي في الفترة الماضية شابهه الركود.. وضبابية الرؤية.. والآن تم رفع الحصار الاقتصادي ما يتطلب تغيير حقيقي في الطاقم الاقتصادي الحالي.. والاستفادة من أصحاب المواهب والخيال والرؤيا الثاقبة حتى لو عادت الحكومة للحرس القديم الاقتصادي ممثلاً في “بدر الدين محمود” ود.”المتعافي” ود.”عوض أحمد الجاز” ود.”الفاتح علي صديق” أو المضي قدماً نحو التغيير، ولكن بطاقم له رؤية لتطوير الأداء.. والتفاوض وجذب الاستثمار بدلاً عن الطاقم الحالي (الذي يعرف بمسك القروش)، كما قال الفريق أول “بكري حسن صالح” رئيس مجلس الوزراء.. والرئيس “البشير” حينما يتحدَّث عن الاقتصاد يملك قدرات تعبيرية هائلة.. وخبرات تجعله قادراً على تشخيص الداء ووصف الدواء، لذلك يفرض منطق التغيير والتبديل أن يذهب بعض أعضاء القطاع الاقتصادي الحالي.
أما على صعيد العلاقات الخارجية فإن البروفيسور “إبراهيم غندور” قد حقق نجاحاً كبيراً وقاد التفاوض مع الغرب بمنهج جديد.. ولكنه يعمل كنجرال بدون جيش.. خسرت الخارجية وزير دولة مثل “كمال الدين علي حسن” وخسرت د.”عبيد الله محمد عبيد الله”.. وخسرت “كمال إسماعيل” وجاءت بشاب له قدرات سياسية وتنظيمية وهو الأستاذ “حامد ممتاز”، ولكنه تم وضعه في المكان غير المناسب، وكان يمكن أن يتولى منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي أو والياً في إحدى الولايات وللاستفادة من قدراته السياسية.. وحتى هذه اللحظة لم يظهر على وزير التعاون الدولي “إدريس سليمان” قدرات ومواهب تؤهله لهذا المنصب الذي أعتذر عنه في الحكومة السابقة د.”الفاتح علي صديق” وهو أكثر تأهيلاً له وعيَّنت الوزيرة “سمية أكد” في التعاون الدولي (مجاملة) وتمثيلاً لشرق السودان وحلاً لمشكلات بينها و”بحر إدريس أبو قردة” في وزارة الصحة التي كانت “سمية أكد” تعطي فيها بسخاء.. وعيِّن في منصب وزير الدولة بالصحة السيد “فردوس” ويليق بها وصف نائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” لبعض السودانيين من غير المنتمين لأحزاب أو كيانات بقوله هناك سودانيين لا لوان لهم ولا طعم ولا رائحة ومن بين هؤلاء هذه الوزيرة.
وفي جبهة الإعلام فإن نقطة ضعف هذا القطاع في تعدد الأيادي التي تبعث به، فالوزارة التي يقودها د.”أحمد بلال” بلا سلطة حتى على التلفزيون والإذاعة والصحافة ضعف تأثيرها.. وقلة فاعليتها.. وتآكل القراء بسبب الرقابة في السنوات الماضية وهجرة العقول وغياب الرؤية والمبادرات في الأجهزة الحكومية الرسمية التي تسيطر عليها العقليات الوظيفية التي تؤثر السلامة بالصمت وانتظار ما يتنزل عليها من سياسات.. وعلى صعيد السلام فإن الرئيس بهذا القرار يعيد اللجنة العليا للسلام التي خططت ونظرت لاتفاقية السلام 2005م، ولكن خذلها المنفذون وبعد رفع الحصار والتقارب السوداني الأمريكي.. منتظراً أن تتحرَّك عملية السلام الجامدة من سنوات، لأن في تحقيق السلام وإنهاء الصراع المسلح ضمانة لاستقرار الأوضاع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لذلك كل أسباب التغيير في أجهزة الحكم متوقعة.. في الفترة القادمة ولم يخف الرئيس في كل خطاباته امتعاضه من الأداء في الدولة سواءً على صعيد الخدمة المدنية التي تعمل بمحرِّك سياسي أو في الجهاز التنفيذي.
من الأقوال التي لا يسندها منطق ولا حجة وتمثل مجرَّد شعارات جوفاء هي الحديث عن لا عودة للحرس القديم؟ وهي مقولة أطلقها البعض لشيء في نفوسهم.. أما خوفاً على أوضاع مكتسبة بغياب القدامى أو بمحاولة استدامة الراهن حتى لو كان فاشلاً.. نعم هناك قدامى لا عطاء لهم وهناك جدد سجلوا فشلاً ذريعاً ولا يشعر المراقب بتطور أدائهم من حين لآخر.. وأسماء مثل د.”عبد الحليم المتعافي” و”صلاح قوش” و”أسامة عبد الله” و”كمال عبد اللطيف” ود.”نافع علي نافع” ود.”عيسى بشرى” لهم قدرة على العطاء وهم خبرات عريضة يجب الاستفادة منهم بدلاً من وضعهم في بنك الاحتياط والتذرُّع بشعار لا مكان للقدامى.
{ التغيير لا يغشى الحلفاء
في أخريات أيام الفترة الانتقالية.. طلب أحد وزراء الحكومة بصفته صديقنا مشتركاً مع الأخ “الصادق الرزيقي” إسداء النصح له هل يبقى في حزبه الذي لا مستقبل له؟ أم يقطع المسافة القصيرة التي تفصله من المؤتمر الوطني وينضم إلى الكيان الجامع، كما كان يطلق عليه حينذاك.. وقد نصحه الأخ “الرزيقي” بأن يبقى في حزبه الصغير ويضمن مقعده الوزاري في الولايات بدلاً عن (المجازفة) والالتحاق بحزب كبير مثل المؤتمر الوطني تضيق الوظائف والامتيازات كل يوم أمام منسوبيه بعد مرور كل تلك السنوات لا يزال ذلك الوزير يتقلَّب بين المناصب ويتقافز من وزارة لأخرى مثل الفراشات بين زهور الخريف.. وحلفاء المؤتمر الوطني وشركائه من المنشقين عن أحزابهم الأصلية أصابهم الملل وغشاهم التعب من البقاء في كراسي السلطة طويلاً حتى فقدوا الإحساس بقيمة المكان وخصوصية الزمان، ويقول علماء الطيران إن غالب حوادث سقوط الطائرات الناجمة عن الأخطاء البشرية فإن الطيارين الذين حلقوا لسنوات طويلة في السماء هم الأكثر عرضة لأخطاء الطيران والتسبب في الحوادث المميتة، لأن درجات الحذر عندهم أقل من الطيارين الجدد ومثلهم سائقي المركبات.. والسياسيون والتنفيذيون حينما يطول بهم المقام في الوزارات يفقدون الإحساس بقضايا المواطنين.. وتعوذهم بصيرة الاجتهاد والسعي للتغيير لانعدم الدوافع والشعور بأنهم ورثة المقعد الوزاري في كل الحالات.. وحلفاء المؤتمر الوطني من المنشقين عن أحزابهم يمتعون أنفسهم بالمناصب الوزارية لعشرات السنين، والمجاهدين الذين حملوا السلاح دفاعاً عن الإنقاذ ومن خطط لسيطرتها على السلطة وضحى في سبيل أن تبقى يكابد اليوم على كيس الخبز ورطل اللبن.. وحلفاء الإنقاذ والمؤتمر الوطني مثل د.”أحمد بلال عثمان” ظل يتقلب في المناصب لأكثر من عشرين عاماً.. لا يغشاه تغيير ولا يطاله تبديل إن غادر وزارة الصحة، فإن الإعلام ينتظره ومثله د.”أحمد بابكر نهار” المنشق عن حزب الأمة و”بابكر دقنة” المنشق من المنشقين عن الأصل، هؤلاء لا يغشاهم التغيير في المناصب الوزارية والمهندس “عبد الله علي مسار” سكن في البرلمان طويلاً من دائرة الثورة.. إلى العودة لمسقط الرأس في الفردوس ولا يزال على أمل المنافسة في انتخابات 2020م، محمولاً على أكتاف المؤتمر الوطني الذي ابتدع بدعة لم تعرفها الممارسات السياسية من قبل بالتنازلات عن بعض الدوائر للأحباب والأصدقاء والمريدين والصرف عليهم وحملهم على أكتافه من أجل دخولهم البرلمان وتقديم النصائح والإرشاد له.. ونائب برلماني يحمله حزب آخر لمقعد النيابة غير جدير يحمل أمانة التكليف ولا ينتظر منه الشعب خيراً في أقواله وأفعاله.. لذلك ثمة حاجة اليوم إلى التغيير الكبير في حقائب المؤتمر الوطني وفي حقائب حلفاء المؤتمر وشركائه وحتى الفترة القصيرة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني فقد اتضحت ملامح النجاح للبعض وفشل آخرين.. وهل يذكر الشعب السوداني بأن هناك وزيراً أسمه “عبود جابر” كان كثير الكلام، تولى منسق مجلس الأحزاب.. وحصل على مقعده في الجهاز التنفيذي وصمت عن الكلام، فهل مثل الوزراء جديرون بالبقاء في الفترة القادمة؟.
{ هل كانت إسرائيل شريكاً؟
هل كانت دولة إسرائيل شريكاً في رفع الحصار عن السودان؟ وما هي التفاهمات التي جعلت تل أبيب تقف إلى جانب الخرطوم؟ وما الثمن الذي دفعته الخرطوم حتى نالت رضاء اليهود والنصارى؟ هذه الأسئلة وغيرها انسابت في مجالس الخرطوم بعد إفادات صدرت من ثلاثة شخصيات رفيعة في مقامها العلمي.. ونافذة في وسط التيار الإسلامي.. ولم تصدر مثل هذه التسريبات من معسكر المعارضة الموسوم بأهل الغرض والنوايا السيئة والأفعال المشينة.. ولكن أولى الإشارات جاءت في صحيفة (إيلاف الاقتصادية) والقطاع الخاص وناشرها د.”خالد التجاني” كان من المقرَّبين جداً لصناع القرار، لكنه في السنوات الأخيرة تباعدت المسافات بينه وبعض المسؤولين، لكنه لا يزال على علم بما يجري في دهاليز الصمت في تقريره الذي نشر في الأسبوع الماضي، أشارت الصحيفة إلى الدور الإسرائيلي في رفع العقوبات، سواءً بحث الإدارة الأمريكية على ضرورة مكافأة الخرطوم على بعدها عن محور الشر الإيراني وقطع صلتها بطهران، أو من خلال محاربتها للإرهاب في المنطقة وسد الدروب أمام المغامرين من تجار السلاح الذين يتخذون من أراضي شرق السودان معبراً للسلاح الذي يذهب لقطاع غزة من خلال صحراء سيناء.. وفي مقال نشرته صحيفة السوداني للسفير “خالد موسى” وهو من السفراء الرساليين، كما أطلق عليهم تلك الصفة السفير “عطا الله محمد بشير” في كتابه الذي ألَّب عليه أصدقاء الأمس واعتبروه قد أساء للأيادي التي أحسنت إليه.. السفير “خالد موسى” وثيق الصلة بوزير الخارجية “إبراهيم غندور” وأحد المقرَّبين جداً للوزير السابق “علي كرتي” ونائب رئيس بعثة السودان الدائمة بجنيف حتى العام الماضي كتب مقالاً تحت عنوان الشريك الخفي في رفع العقوبات الأمريكية.. عن السودان ولم ينف ما ذهب إليه صديقه “خالد التيجاني”، بل أستاذه ومعلمه وشيخه من غير دواية ولوح.. وقال عطفاً على ما ذكره د.”خالد التيجاني” في مقاله عن الشريك الإسرائيلي في رفع العقوبات فإن “خالد موسى” يعتبر الشريك الحقيقي الذي ساهم في رفع العقوبات هي المجموعة الأوروبية التي وقفت إلى جانب السودان وقالت إنه قد نفَّذ اشتراطات المسارات الخمسة بدرجة مرضية.. ولم يفصل “خالد موسى” دور دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.. لكن ثالث القيادات الإسلامية التي قالت الكثير عن رفع العقوبات هو الدكتور “حسن مكي” الذي يحسبه الكثير خاصة ممن هم في السلطة بأن ما يقوله لا قيمة له لأنه أقرب للشطحات الصوفية والاستغراق في الأماني الممزوجة بالأوهام.. ولكن يبقى “حسن مكي” من المفكرين القلائل الذين يجهرون بما في صدورهم علناً دون الخوف من تبعات ذلك، وفي حديثه لصحيفة (التيار) المحسوبة أيضاً على الإسلاميين، قال إن الرئيس الإسرائيلي قد عبر الأجواء السودانية خلال زيارته للدول الأفريقية الشهيرة.. وعبور الأجواء لن يتسنى للرؤساء إلا بعد الحصول على الإذن المسبق، وزعم الدكتور “حسن مكي” أن هناك لقاءات جرت في الغرب هي من دفعت باتجاه رفع العقوبات عن السودان ولم يشر الرجل هل كان السودان طرفاً مباشراً في لقاءات المغرب؟ أم كانت بين أصدقاء السودان من القادة العرب والإسرائيليين؟.
وفي الخرطوم كان الوزير “مبارك الفاضل” قد دعا علناً وجهراً لإقامة علاقات مع إسرائيل.. ثم جاءت تصريحات معززة لموقف “مبارك الفاضل” من أحزاب شريكة مثل حديث “تقوى الطاهر” وهي عضو مجلس تشريعي، فتاة صغيرة السن كبيرة الأحلام على صلة وثيقة جداً بدوائر عليا في الدولة.. وحينما اعترض أحد قيادات التيار الناصري على تصريحات ومواقف “مبارك” داخل اللجنة العليا للحوار الوطني زجره الرئيس بعنف، الشيء الذي جعل حديث “مبارك الفاضل” كأنه تسريب مقصوداً من قبل الحكومة، وفي سنوات خلت إذا نطق مسؤولاً بما قاله “مبارك الفاضل” لن يمكث في مقعده إلا ساعات وربما ذهب إلى غياهب الجب سجيناً؟ السؤال هل لإسرائيل مصالح حقيقية في السودان؟ وهل لا تزال دولة الكيان الصهيوني على أهميتها القديمة؟ أم ضعف دورها في المنطقة بعد أن أصبحت صديقة لمعظم قادة الدول العربية وأصبح العدو المشترك لأمة الأمجاد والماضي العريق هي إيران الشيعية.. وقد أصبح الشيعة في نظر بلدان عربية عديدة أخطر عليهم من اليهود والدولة العبرية ومن هنا.. يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً هل السودان اليوم بعد أن رفعت عنه العقوبات الاقتصادية.. ولوَّحت الولايات المتحدة بإمكانية شطب اسمه من لائحة الدول التي تدعم الإرهاب أصبح أكثر قابلية للإذعان للضغوط وتقديم التنازلات؟ أم لا؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية