رأي

الإنقاذ وبلع الطُّعْمَة..!

بعد الهجوم الغاشم على هجليج وتصريح الرئيس “عمر البشير” بأن لا مكان لمرور بترول الجنوب بأراضي السودان، ولا حاجة لنا برسوم مروره، قامت حكومة الإنقاذ بالتقشف الشديد المؤلم برفع الدعم عن البترول وغيره، وتقبّل الشعب السوداني هذا التقشف بصدر رحب عندما رأى أراضيه تُستباح وكرامته تُمرغ.. وبهذا التقشف استطاعت حكومة السودان امتصاص صدمة ومؤامرة خروج عائدات البترول من الميزانية رغم ضخامتها، وعجزها الكبير في الميزانية، وهذا ما لم يرق للمتربصين من الماسونية الغربية وعملائها بالداخل، وحمدنا الله على هذا التوفيق والنجاة.. ولما رأت الدوائر الصهيونية اليهودية الغربية امتصاص دولة الإنقاذ لضربة البترول الكبيرة، قامت في مجلس الأمن بإخراج القرار (2046) الذي يأمر الطرفين بالجلوس لحل مشاكلهما بواسطة الاتفاقيات.. ومن هنا يبدأ بلع الطُّعْمَة، أي حل المشاكل بالاتفاقيات.
 لقد سبق أن صرح الرئيس “عمر البشير” أن ملف الأمن له الأولوية العليا فوق كل ملفات التفاوض الأخرى، وأرشد وفد التفاوض بالتأني وعدم الاستعجال في التوقيع على الاتفاقيات، والرجوع في ما أشكل عليه للخرطوم.
لكن للأسف، فإن وفدنا كثير الكبوات لم يتعظ بالإرشاد، وقام بتوقيع اتفاق النفط مع “باقان” برسوم مرور هي (11.8%)، ولو سمعوا قول الرئيس لهم بالتأني لحصلوا اليوم على اتفاق بـ (25%)، لأن دولة الجنوب اليوم لا يوجد في خزينتها ما تدفعه رواتب لجنودها وموظفيها، وكانت هذه قاصمة الظهر، لأنهم لم يعملوا بقول الرئيس بأن ملف الأمن له الأولوية العليا فوق كل ملفات التفاوض الأخرى، وهي تابعة له، فقاموا رغم التحذير بالتوقيع على ملف النفط قبل ملف الأمن والحدود وهي الطُّعْمَة السامة التي خطط لها الـ (CIA)، وبمجرد التوقيع وبلع الطُّعْمَة بادرت أمريكا بالقول: (على الدولتين الإسراع بجعل اتفاق النفط موضع التنفيذ).
هنا مربط الفرس وبلع السم الزعاف.. لماذا؟ للآتي: سوف تطالب أمريكا السودان بتنفيذ ما وقعت عليه مع حكومة الجنوب، ثم بعد ذلك الاستمرار في التفاوض في بقية البنود، وعندما ترفض حكومة السودان التنفيذ إلا بعد الاتفاق على ملف الأمن والحدود تقوم أمريكا بالضغط على أعضاء مجلس الأمن بالعصا الغليظة – الضغوط الاقتصادية – خاصة على الصين وروسيا، وهما لن تجازفا بميزان اقتصادهما من أجل عيون السودان، علماً بأن تجارتهما مع السودان لا تساوي (1%) بالنسبة لتجارتهما مع أمريكا، فيمر القرار بواسطة مجلس الأمن بالآتي: على الدولتين تطبيق وتنفيذ ما اتفقتا عليه بمرور بترول دول الجنوب عبر دولة السودان، وإلا سوف نطبّق البند السابع عليكم. فتحدث الكارثة ويمر النفط رغم أنوفنا برسوم مروره المخجلة، ويوظف لتموين وتسليح الجيش الشعبي الذي يقاتلنا في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وأيضاً تُدعم به حركات دارفور المسلحة، فتكون أمريكا قد حاربت السودان بمال بتروله الذي صنعه بعرق ضرائب شعب الشمال المسكين، وحاربته بأبنائه للقضاء عليه ولم تخسر دولاراً ولا جندياً واحداً، لأن واضعي السياسة الأمريكية خططوا لهذا من قلب اتفاقية نيفاشا، ولا ندري ما يخبئونه لنا من قلب اتفاقية أديس أبابا مع الحريات الأربع والبترول.. أين واضعو السياسة السودانية من واضعي السياسة الأمريكية؟!
كما أن دخل بترول الجنوب في السنة بمئات المليارات من الدولارات، وهم بعدد سكانهم القليل سيكونون أغنى من دولة السودان وأكثر تسليحاً وعتاداً وقوة.. وإذا أخذوا ما يريدون من السودان وتدفقت أموال بترولهم، بعد ذلك سيماطلون في الاتفاق على الحدود والأمن وأبيي وغيرها، وعندما يرفع السودان شكواه إلى مجلس الأمن يجد الفيتو الأمريكي أمامه بالمرصاد، ولنا العبر في الفيتو الأمريكي مع فلسطين.
قبل الذهاب إلى مجلس الأمن سيُعرض هذا الاتفاق على المجلس الوطني ورئيس الجمهورية لكي يُجاز ليكون ساري المفعول، وإذا لم يُجزه المجلس الوطني ورئيس الجمهورية لن يكون سارياً.. نسال الله ألا يُجاز من المجلس الوطني ولا من رئيس الجمهورية.
لكن للأسف، سنجد من أبناء جلدتنا وسط واضعي القرار من يزكُّون فوائد التوقيع الجمّة ويهولون عصا أمريكا الغليظة إن لم يتم التوقيع، ومما يرتجف له قلبي كيد المزروعين.. وإن كيدهم لتزول منه الجبال.. وأخشى أن يقنعوا القوم بالتوقيع فتكون الطامة الكبرى، القتل والجلاء.
بابكر بخيت عثمان
معلم – الشمالية

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية