رأي

بعد ومسافة

 (المعادن) ومرحلة ما بعد رفع الحصار!
مصطفى أبو العزائم

مؤتمر الحوار الوطني في السودان ومخرجاته، كان أحد الركائز الأساسية التي اعتمد عليها قرار رفع الحصار الأمريكي على السودان، ولا يمكن تجاوز دور البروفيسور “هاشم محمد علي سالم” في ذلك المؤتمر المثمر من خلال مسؤولياته كأمين عام للحوار الوطني، وكانت أول ردة فعل عقب صدور القرار الأمريكي من البروفيسور “هاشم محمد علي سالم” بصفته وزيراً للمعادن، بعد أن هنأ الشعب السوداني برفع الحصار الأمريكي أن أعلن تخصيص مربعات تعدين جديدة لمستثمرين متوقعين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وبقية دول العالم.
وخلال ترؤس بروفيسور “هشام علي سالم” لأول اجتماع لمجلس الوزير عقب رفع الحصار مؤخراً كان قد دعا إلى تغيير نمط التفكير والاستفادة من كافة البدائل المفتوحة في مرحلة ما بعد الحصار، مع الكشف عن اتجاه وزارة المعادن لتفعيل كل الاتفاقيات التي وقعتها من قبل، إضافة إلى البحث عن توقيع اتفاقيات جديدة، وقد ناقش الاجتماع ضمن الموضوعات التي نوقشت أمر إنشاء إذاعة خاصة بالإرشاد التعديني وصولاً بإرسالها إلى المعدنين كافة في مناطقهم النائية البعيدة، وستكون هذه الإذاعة هي رقم (45) في قائمة إذاعات (الإف ام) الخاصة لكنها ستكون الثانية التابعة لوزارة حكومية تبعته مباشرة بعد إذاعة الثروة الحيوانية العاملة الآن على إحدى الموجات.
نتوقع مع الوزير ومجلسه أن يحدث اهتماماً بأمر التعدين في بلادنا، ليس في مجال الذهب وحده، بل في كل مجالات التعدين الخاصة بعدد من المعادن، وقد بدأ هذا الأمر بالفعل بعد أن تقدمت إحدى الشركات الكندية بطلب أبدت فيه رغبتها بتوسيع حجم استثماراتها في السودان، وهي شركة عالمية كبرى بدأت عملها في السودان منذ نحو عشر سنوات تقريباً.. وقد أبدت وزارة المعادن اهتماماً بفك الحصار الأمريكي وعقدت منتدى شارك فيه خبراء ومختصون ووزراء من بينهم السيد “مبارك الفاضل” وزير الاستثمار وعدد من وزراء الدولة في وزارات المالية والتعاون الدولي وغيرها، وذلك تحت عنوان (أثر رفع العقوبات الاقتصادية على نشاط التعدين في السودان).
الذي يهمنا من كل هذا هو (عائد تعدين الذهب).. نعم وأقولها بصراحة شديدة لأن هذا الجانب فيه أخطاء إجرائية حدت من حجم الفائدة المرجوة من إنتاج الذهب، بل وأفقدت البلاد نسبة عالية من الأرباح الحقيقية، إضافة إلى سياسات خاطئة يجب العمل على تغييرها فوراً حتى تستعيد بلادنا عائدات مستحقة كانت تضيع هدراً ما بين تهريب أو تحايل أو أخطاء في السياسات لإنتاج ضخم من الذهب، قد لا يفوق بلادنا فيه إلا دولة جنوب أفريقيا، إذ يبلغ إنتاج السودان حوالي (120) طناً من الذهب سنوياً – قابلة للزيادة – والسعر العالمي للطن من الذهب الخام يبلغ (35) مليون دولار، وهذا يعني أن العائد المرتجى من الذهب السوداني يزيد عن الأربعة مليارات دولار، لكن الذي يحدث من وزارة المعادن مع كل احترامنا لصديقنا البروفيسور “هاشم علي سالم” هو أنها تقوم بالاتفاق مع الشركات على أساس التنقيب، ويقوم البنك المركزي بوضع الأسس المالية للتعامل مع هذه الشركات، وآخر سياسات البنك كانت بعد الجلوس مع هذه الشركات والوزارة وتجار الذهب أن تم خروج جزئي للبنك من السوق مقابل تحديد سعر الجرام بمبلغ (620) جنيهاً رغم علم الجميع يعلمون أن سعر الجرام عالمياً هو (35) دولاراً بمتوسط سعر في حدود السبعمائة جنيه سوداني أو أكثر إذا ما حسبنا ذلك بسعر الدولار في السوق الموازي، وهذا يعني أن هناك أكثر من ثمانين جنيهاً خسارة في الجرام الواحد.. وهو ما تسبب في نشوء نشاط غير طبيعي في سوق الذهب وظهرت مجموعات سمسرة ومهربين دفع بالمنتجين الحقيقيين من المعدنين يتجهون لتهريب الذهب إلى دول الجوار، واتجهت بعض شركات التعدين الأجنبية إلى شراء الذهب من المعدنين التقليديين، ثم تقوم هذه الشركات بتصدير هذا الإنتاج الذي تم شراؤه بأقل من الأسعار الحقيقية إلى الخارج وتوريد جزء من القيمة وفق النسبة المتفق عليها والتي حددها البنك المركزي، ويصبح هناك فاقد كبير من القيمة ربما يصل إلى أكثر من خمسين في المائة من القيمة الحقيقية.
الآن تم (إخراج) بنك السودان من سوق الذهب بزعم إنشاء بورصة للذهب بدعوى أن دخول بنك السودان في سوق الذهب إنما يعني زيادة معدلات التضخم، رغم أن الجميع يعلمون أن الذهب أصبح منتجاً إستراتيجياً وأصبح سلعة (سياسية) يجب أن تتحكم فيها الدولة باعتباره ثروة قومية.
دعونا الآن نتخيل كم كان سعر الدولار قبل تدخل وزراء المعادن وكم أصبح الآن؟.. لقد فقدنا بتلك السياسات نسبة عالية من العائدات وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة العُملة الوطنية، لذلك نتمنى ألا تقوم بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية بالتمدد فوق حدودها لتقع الواقعة على رأس هذا الشعب المسكين، وعلى وزارة المعادن أن تحصر عملها في حدود ما هو معلوم بالضرورة، أي عمل الدراسات الطبوغرافية والجيولوجية، وتحديد المربعات ودراسة طبقات الأرض ونسب تركيز المعادن، وعلى بنك السودان أن يقوم بواجبه الوطني بالتدخل الإيجابي باحتكار الذهب ورفع سعر الجرام بالعُملة المحلية حتى توقف هذا النزف الضار للموارد، وعلى اللجان المتخصصة في المجلس الوطني أن تتدخل بالوقوف على تفاصيل هذه القضية والإحاطة بكل جوانبها ليتم التشريع في هذا الأمر بما يضمن المصلحة العليا للبلاد.
ونختتم بأن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعنا على ذكره وشكره وحسن عبادته ونسأله أن ييسر كل أمورنا وأن يحقق لنا أمننا بعد الخوف والإطعام بعد الجوع وأن يوفقنا لما يرضى.. آمين..
وجمعة مباركة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية