رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار "الصادق المهدي" (3-3)
الحب اساس النكاح..ومايحصل زواج ثانٍ إلا بإذن الزوجة الأولى
الغناء ليس محرماً.. والنبي “صلى الله عليه وسلم” شهد غناء الأحباش في مسجده
لا يوجد نظام حكم معين في الإسلام
حاورته- رشان أوشي
{ بعيداً عن السياسة.. في كتابك (رؤى في الديمقراطية والعروبة والإسلام) قدمت مرافعة عن إباحة الغناء وتناقض قولك ذلك مع “ابن باز” في كتابه (حكم الغناء) مما جعلك عرضة لموجة هجوم من السلفيين؟
_ أنا لا أستعمل توصيف سلفية، لأنه عندما نعود للسلف يعني أن نعود للرسول “صلى الله عليه وسلم”، أنا أوردت وثائق تؤكد على أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” في مسجده شهد رقص الأحباش، وسأل السيدة “عائشة” حول استماعها لمغنية من المغنيات، والنبي “صلى الله عليه وسلم” مدح بقصيدة أكثرها غزل: (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول.. متيم إثرها لم يفد مكبول”، وبناء عليها أهدى “كعب بن زهير” البردة، عندما نعود للسلف نجد أكثرهم تحدث في هذا الأمر كالإمام “الغزالي”، أكدوا أن الغناء مثل كل شيء حسنه حسن وقبيحه قبيح، مثلاً الأغنية الشهيرة (حراسك يا حالم الحياء والفضيلة.. والوعي المبكر والعاطفة النبيلة) كيف يكون هذا محرماً، الذي يحرم هو بذيء الحديث والغزل الفاحش، من يحرّمون الغناء والموسيقى، التصوير، المسرح والتمثيل، اسميهم (المنكفئين).
{ السيد الإمام.. منذ زمن ويسألونك عن المهدية حتى آخر الإصدارات لم تؤسس لمدرسة كادر ثقافي؟
_ من الذي قال ذلك؟ هناك عدد كبير جداً من جماعتي يكتبون الكتب، وشبابنا أصبح مستقطباً، “محمد زكي” الذي يجالسنا هذا من المستقطبين لا أهله أنصار ولا حزب أمة، دخل علينا بفكرنا، وفكرنا هو الذي يجلب لنا اليوم قاعدة واسعة جداً من الرجال والنساء، خلق مدرسة فكرية ودينية.
{ يعتقد البعض أن هناك وجه شبه بين الإمام “المهدي” و”حسن البنا”.. إلى أي مدى هذا الحديث صحيح في رأيك؟
_ هناك اختلاف، الإمام “المهدي” جاء بفكرة المتبع الذي يتبعه الناس، في المسائل الشعائرية كـ(الصلاة) وغيرها، ولكن في المسائل الاجتماعية لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال، هناك خط مفتوح للجديد في هذه الأشياء، الشهيد “حسن البنا” نظرته مختلفة، فيها ارتباط بأنماط اجتماعية قديمة، كالخلافة مثلاً، الخلافة في نظرنا نحن مرحلة تاريخية انقضت، لا يوجد نظام حكم معين دعا له الإسلام، بل دعا لمبادئ سياسية بعينها، ممكن هذه المبادئ أن تأخذ أي شكل، الدعوة لنظام جمهوري ديمقراطي يتماشى مع الإسلام، أما بالنسبة للحركة الإخوانية الهدف الأساسي خلافة على النمط التقليدي.
{ مفهوم الفنون عند الإمام “المهدي” منطلق من ركيزة الإمام “الغزالي”؟
_ مؤكد الإمام “المهدي” حمل احتراماً كبيراً للإمام “الغزالي”.. “المهدي” شجع “أحمد ود سعد” المادح والشاعر، واستُخدمت وسائل الطرب التقليدية في ذلك، لكن بالنسبة للغناء هناك أمر مختلف، المهدية جاءت بعد فترة انحلال كبير، لذلك كان الموقف من الغناء متشدداً، التشريع يجب أن يراعي الواقع، إذا كان الواقع به مساوئ معينة يضع التشريع في الحسبان التشدد ضد هذا الواقع المنحل، الفترة قبل المهدية حتى عندما احتفلوا بـ”غردون” كحاكم عام رأى الانحلال في الرقص السوداني لم يحتمله وخرج، وكانت هنالك شائعة ظاهرة (قرفة)، (الرجل يتزوج رجلاً)، كل تلك الأشياء كانت جزءاً من الواقع الذي جعل التشريعات المهدية فيما يتعلق بالغناء متشددة، ولكن المؤسسة الثانية للدعوة المهدية (الإمام عبد الرحمن)، جاء بشكل مختلف والظروف اختلفت، بمرونة وليس تشدداً، فبعد التأسيس الثاني، الإمام “عبد الرحمن” كان أشبه براعٍ للحقيبة وشعرائها ومغنيها، كما قال “عبيد عبد الرحمن” في رثائه للإمام “عبد الرحمن”: (أويتنا وناديتنا بأسمائنا.. حليت عقد الفرقة القبيل قاسمانا)، كان يتدخل لحل مشاكلهم فيما بينهم، وكل من يقع في مشكلة، مثلاً “جقود” الشاعر، كتب أبيات شعر تقول:
(عيونك يا بخيتة زي مدافع ألمانيا
.. هدن حصون بلجيك في أقل من ثانية
.. روسيا تقهقرت وتراجعت بريطانيا)
تم اعتقاله وأودع السجن باعتباره شعراً ضد الحلفاء وقتها في الحرب العالمية، وهو سجين بعث للإمام “عبد الرحمن” وتوسط لإطلاق سراحه، المفتش اشترط لإطلاق سراحه أن يقول أبياتاً تناقض أبياته الأولى وبالفعل أنشد الآتي:
(تسلم يا الفريع الجيتنا من رومانيا
.. شوفي أخي شوف شلوخها ثمانية
كل شلخ يدمر دولة زي ألمانيا)
فأطلق سراحه.. “سرور” قبض عليه لأنه يحمل سلاحاً غير مرخص، الإمام توسط لإخراجه، وكتب قصيدة منها (ليل المهدي اللا شك ربنا مصفيك).. ما أود قوله كان الإمام “عبد الرحمن” أشبه براعٍ لهم، وهذا مختلف عن نظرة المهدية الأولى.
{ مفهوم الحضرة والإمام الغائب لا خلاف حولهما.. ولكنهما جزء من التنافر بين السلفية والصوفية؟
_ المسألة الأساسية المميزة لموقف السلفية عموماً أنهم ينكرون الإلهام، ووسائل روحية للتواصل، ويركزون على أن الدين إتباع النصوص كما هي، التصوف جميعه يتحدث عن أن الدين به مجال للحضرة والاتصال الروحي، أعتقد أنه صحيح، ما دام الإنسان فيه قبس من روح الله، هناك مجال للإلهام، قال تعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ..)، الى (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)، وهذا هو النور، الفكر السلفي يرفض هذا الطريق، وهو الفرق بين النظرة الصوفية والظاهرية.
{ رواية (شوق الدرويش) نالت جائزة مقدرة.. هل لأنها خاطبت الخديوية المعروفة بعدائها السافر للمهدية؟
_ نعم.. وعقدنا اجتماعاً في القاهرة ودعونا ابننا “حمور زيادة”، وأخبرناه أن خلفية القصة هي شيطنة المهدية، وللأسف لجنة جائزة (نجيب محفوظ) استهوتها هذه النظرة، وهي ليست شيطنة للمهدية فقط بل لكل السودانيين، وأعطوه الجائزة، لو كان عندهم وعي أوسع كانوا أدركوا أن هذا الأمر سيحدث مشكلة كبيرة جداً.. في خلفية الرواية التاريخية بها درجة عالية من الاستخفاف بالشعب السوداني، ودرجة أعلى من الشيطنة للمهدية، والشعب السوداني والمهدية مهمان جداً في العلاقة بين مصر والسودان، ما كان عليهم توريط أنفسهم في هذا الأمر.
{ هل تزوج الإمام “الصادق” عن حب؟
_ زواجي من “حفية” كان استجابة لإرادة عائلية، أما زواجي من “سارة” فكان استجابة لرغبة شخصية، ولكن أنا لم أرغب في الزواج الثاني، اكتفيت بـ”حفية”، لكن بما أن “سارة” نفسها رفضت تتزوج أنا قررت إذا “حفية” وافقت أتزوجها، و”حفية” وافقت وخطبتها لي، لذلك أصبحت العلاقة بينهما بعيدة عن (الضر)، أولادي من السيدتين متداخلون بدرجة فيها حميمية كبيرة جداً، وأعتقد أن هناك مشكلة كبيرة تواجه من يطلبون الزوجة الثانية والثالثة والرابعة، يمشون بمفاهيم الدين يبيح أربع زوجات، ولكن الرسول “صلى الله عليه وسلم” من عمر (25) عاماً لعمر (53) عام كان متزوجاً من السيدة “خديجة” فقط، بعد ذلك تزوج أكثر، هذا يدل على أن هناك احتراماً معيناً للسيدة “خديجة”.. “علي بن أبي طالب” كان يرغب في الزواج على السيدة “فاطمة”، الرسول “صلى الله عليه وسلم” منعه، وقال: (ما يؤذي فاطمة يؤذيني) ما يعني أن في الأمر أذى.. على أي حال الشرط في الزواج أكثر من واحدة العدل، وهناك حديث على أننا لن نعدل في القرآن نفسه، يعتقد بعض الناس فيه سهولة خاصة وأن كثيراً من الرجال يعبثون الآن بهذا الحق، مطلقاً الإنسان يجب أن يتزوج عن حب، وفي حديث للنبي “صلى الله عليه وسلم”: (لا ينبغي للمتحابين إلا النكاح)، الحب يدخل قبل النكاح.. للأسف كثير من الناس يعتقد أن الحب هو ما يوجد في المسلسلات، وهو الحب السوقي، ولكن الحب عاطفة عظيمة جداً، وهناك آية في القرآن تؤكد هذا المعنى، أي الحب في العلاقة بين الرجل والمرأة، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا).. وانا بقول ما يحصل زواج ثانٍ إلا بإذن الزوجة الأولى، البعض يخشى رفضها، إذن الأفضل أن ترفض وتمنع الزواج عليها بدل أن تتزوج رغم أنفها وتفتح باب حرب أهلية.
{ كيف استطاع الإمام “الصادق” رغم مشغولياته الجسيمة أن يوفق بين زوجتين؟
_ كل (10) دقائق في حياة الإنسان زمن.. أعتقد أن التوفيق مبني على أن تكون عادلاً، الأطراف المختلفة تشعر بأنك تتوخى مستويات العدل، وليس الأمر مرتبطاً بزمن، إنما مجرد مبدأ، أي شخص تثق في عدالته لا تحتاج زمناً لتكسب وده.
{ كيف هي علاقة الإمام بأبنائه وبناته؟
_ هم أصدقائي.. هناك ثلاثة أسس تربوية معينة اتبعها، أولها، الاهتمام بهم، التربية عن طريق القدوة وليس العنف، ثانياً لا تمييز بين ذكر وأنثى، قيمة الإنسان ما يحسنه أحسن الإنسان فيه أكثر الإنسان فيه أو أقل، ثالثاً: الحرية، أعطيهم هامش حرية باعتبار أنهم مسؤولون من تصرفاتهم، كل تلك الأمور أتت بنتائج جيدة في رأيي.
{ علاقة الإمام بأصهاره؟
_ لحسن الحظ، الأصهار الذين وافقت عليهم من أول مرة، ومن تحفظت عليهم أيضاً، فاجأوني جميعهم بأنهم أحسن أبناء لي.
{ لمن يستمع الإمام من المطربين؟
_ أنا أفضل غناء الحقيبة، وأعتقد أنها قمة من الفن، وهناك أناس كثر أحسنوا أداءهم في الحقيبة.
{ لمن تقرأ من الكُتّاب الصحافيين؟
_ أنا يومياً استغرق ساعتين لمراجعة الصحافة السودانية، أصنف الكتاب، في مقالات أصنفها مسح جوخ للنظام، وأخرى أصنفها موضوعية، من يكتب مقالاً موضوعياً أواظب على قراءته والاحتفاظ به، نصف رأيك عند أخيك أو أختك.. أنا لا أسفه رأي الصحافة السودانية بل أصنفها.